صورة البرلماني”مول الشكارة”
“سير ضرب الغرزة ” ” لي فيه الفز ….” “لي ف كرشوا العجينة””الراضي أ الراضي….” ليس القصد من ايراد هذه الاقوال هو الاستهانة بالنظام المغربي ! حيث حضرني هذا المعجم في الجامعة الشبابية التاني التي خصصت تقيم السياسات العمومية و للترافع وتكوين الفرق البرلمانية ، وظهر جليا أن الشباب رسخ في دهنهم هذا المعجم عن البرلمان المغربي ! فالقصد الاساسي من هذا المقال هو اظهار الصور النمطية التي رسمها برلمنيونا في المخيال الشبابي ، من خلال التمثلاث التي يحملها الشباب عن “قبة ” البرلمان واليات اشتغالها من خلال الاسئلة التالية : هل لدى يمكن فهم تصور الشباب للمشاركة السياسية من خلال تمثلاثهم عن البرلماني والبرلمان ؟ هل يقدم البرلماني المغربي صورة “نموذجية “عن الممارسة السياسية الديمقراطية؟
في البداية لا بد من الاشارة الى أن أول صورة يستحضرها الشاب عند الحديث عن البرلماني هي أن اغلب برلمانينا من دوي الامكانيات المالية “مول الشكارة” ، أي أن أي برلماني لديه امكانيات مادية أو رمزية جعلته يصل الى قشدة البرلمان، اضافة أن التزكية تكون وتتم حسب الحضوض أي لا يمكن الرهان على شاب لايتوفر على نسبة مهمة من امكانات النجاح ، ان بتعبيرهم تلك الديمقراطية الداخلية المبهرجة التي تلقفتها احزاب سياسية لم تفهم معانيها ورغم تنص عليها في انظمتها الداخلية ، فانه لم يخطر لها يوما ان تتعامل معها او تطبقها عمليا!
البرلماني في نظر الشباب تلك الكلمة المغرية التي اختطفتها عائلات حزبية مهووسة بالحظوة والمال ليس لديها دافع سوى تحقيق مآربها الفردية النفعية والعائلية! هي ايضا الكلمة(صفة برلماني) المخيفة التي يعتقد اغلب البرلمانيون المغاربة انها صنوا للانفلات ودعوة للخروج عن القانون والإفساد لكون المال الذي صرف أثناء الحملة لن يدهب هكذا ، وليس لهم الا انتظار الفرصة الرائقة للانقضاض عليه و استرجاعه بشكل قانوني أو بدونه.. فليس من الغريب إذاً ان يتكلم البرماني “الكرش” و”العجينة ” و” الغرزة”…. مهددا وواعدا و لاجما افواه من يسائل عن الثروة أو من أين لك هذا ؟؟ .
وليس من الغريب اصلا ان يحمل الشباب هذه الثمتلاث لان ما تنقله القناة العمومية في كل جلسة يعد التفافا على روح الديمقراطية التي منحت هذا العضو أو ذاك الحق في تمثيل الشعب والتحدث باسمه، في محاولة لقلب لاثارة نقاشات هامشية تزيد من الاضواء المسلطة على هذا النائب البرلماني أو ذاك رضينا ام لم نرض ! وليس غريبا ان ينتخب الشعب اولئك الجهلة “المتوحشين” – بتعبير الشباب – في ظل الظروف التي شهدناها ولا نزال نعيشها: تراث خمسين سنة مشبع بالأخلاقية الانتهازية ومتوج بالجهل والفقر وهده تربة البرلماني ، فلا تستطيع المواطن الوقوف على قدميه ليسأل عن صلاحية هذا البرنامج أو داك …
هنا يتساءل الشباب : هل يصار الى تأهيل البرلمانيين المنتخبين بما يتناسب مع طبيعة العمل في البرلماني وثقل المهمة وخطورة المرحلة (ما بعد دستور 2011) ؟ هل هناك من يدرك بان قبة البرلمان تتطلب امكانيات الخوض في الحوار الذي لابد ان يختلف نوعيا عن مهاترات المقاهي ومراشقات الحمامات وشقاوات الازقة الخلفية والحلقيات الجامعية ؟
هناك من الشباب من يعتقد ان من الضروري ادخال المنتخبين الجدد دورات تعليمية وتدريبية يدرسون من خلالها القواعد والأصول التي يجب اتباعها في النقاش البرلماني ويتطبعون على الاخلاق البرلمانية وطرق اتخاذ القرارات الجماعية، حيت أن هذه الدورات ضرورية حتى للمتعلمين الحقيقيين والمثقفين المتمرسين في بلدان الديمقراطية الحقة، ناهيك عن حاجتها القصوى للاميين وانصاف المتعلمين والمتهورين والدجالين والمشعوذين في بلد ما يزال يخطو خطواته الاولى المرتبكة على هذا طريق الديمقراطية الطويل ، الشباب المغربي يطلع على ما يجري في النظم الديمقراطية ذات التجارب الطويلة في العالم ويفرز ما يمكن تعلمه من تلك التجارب واستعارته من تلك النظم ويتمنى أن يرى ذلك في برلمانيه.
يرى الشباب أن البرلمانيون يصلون الى مواقعهم في كل انحاء العالم الديمقراطي بعد تجربة طويلة من العيش في المجتمع الديمقراطي والتعامل مع مؤسساته. ويتعلم الكثير من تلامذة المدارس مبكرا المبادئ الاساسية للحوار الديمقراطي ليس فقط في كنف عائلتهم او على مقاعد الدراسة، انما يتسنى لهم تطبيقها عمليا من خلال الشبيبات الحزبية والجمعيات والنشاطات المدرسية والجامعية التي ينتمون اليها. وهناك ما يسمى بحكومة التلاميذ في المراحل الثانوية والجامعية التي يشكل فيها التلاميذ والطلبة نظاما برلمانيا لخدمة شؤونهم يتعلمون من خلاله اغلب الاصول البرلمانية اضافة الى ما تضيفه نظم العمل التي ينخرط فيها المرء لاحقا والقائم اغلبها على الاساس الديمقراطي. و بالإضافة الى تلك التجربة الطويلة تحرص الكيانات الديمقراطية سواء اكانت جمعيات مهنية او تجمعات ثقافية او اجتماعية اوسياسية اودينية او مؤسسات غير ربحية او هيئات حكومية الى التأكد من تدريب الاعضاء على استيعاب وتطبيق مايسمى بقواعد النظام.
في الولايات المتحدة ،على سبيل المثال، يجري الحوار البرلماني في الكونكرس الامريكي بموجب (دليل جيفرسن للممارسة البرلمانية) الذي يتوجب على كل عضو معرفته وتطبيقه والالتزام به في الاجتماعات الرسمية. وتتبع برلمانات الولايات الامريكية المنفردة دليلا آخرا يسمى (دليل ميسن للاجراءات التشريعية) فيما تتبع بقية الكيانات الرسمية والاهلية الدليل الشهير المسمى (قواعد روبرت للنظام البرلماني، حيث يتسنى لأي كيان يتبع الاجراءات البرلمانية ان يتبنى ما يناسبه من هذه الادلة والنظم التي يشترك اغلبها في صلب الهدف وهو تفعيل عمل الكيان التنظيمي بأقصى كفاءة ممكنة عن طريق اتباع النظام الموحد الذي يلتزم به الجميع، والذي يضمن ليس فقط الاحترام المتبادل وتقدير الاختلافات بين الاعضاء انما يضمن ايضا المشاركة المتكافئة في اتخاذ القرار.
في النظم البرلمانية الديمقراطية هناك حقوق وواجبات وامتيازات ومهام ومسؤوليات رئيس واعضاء البرلمان ومن يرأس الهيئات ويدير الجلسات،وتشمل كيفية بدأ الاجتماعات وصياغة برامج عملها ، كيف يقسم الوقت بين الاعضاء خلال المناقشة وكيف يسمح للعضو بإدلاء رأيه وكيف يجري الرد عليه… كيف يدار الحوار وكيف يتم التعامل مع الاقتراحات والاعتراضات ، وما الذي يتوجب فعله في حالات يشذ فيها الرئيس او احد الاعضاء البرلمانين عن القواعد المتبعة او الاخلاق المطلوبة…ما هي الاجراءات حول تغيب الاعضاء او تأخرهم اولعبهم أو نومهم –كما هو حال برلمانينا –. . والكثير الكثير مما يتوجب معرفته وممارسته والالتزام به.
في الختام أتساءل مجددا : هل قرأ كل برلماني مغربي ومن لف لفه حتى ولو صفحة واحدة في الاصول والأخلاق البرلمانية قبل او اثناء اضطلاعهم بهذه المهام “التاريخية ” في مرحلة تعد أهم مرحلة في تاريخ المغرب الحديث ؟
والسؤال الابلغ: هل تعلـّموا ؟ فيما لو افترضنا انهم قرأوا ما يستلزم قراءته ؟
ان الممارسات التي نشاهدها في كل جلسة التي أفرزت تمثلاث سلبية لدى الشباب عن البرلمان والبرلماني ، تشير جميعها الى انهم لم يتعلموا بعد! ولا يكترثون للاسف انهم لم يتعلموا ! والكارثة الكبرى هي ان امرنا بأيديهم!