ضياع الشباب العربي بين الداعش والفاحش
هل حقيقة نعيش عصر ضياع الشباب العربي؟ واحتمال أن يكون الزمن قد دخل به في نفق الذوبان والانقراض، ذوبان الشخصية ومميزات الهوية وانقراض القيم التي تربى عليها السلف من الشباب العربي على مدى قرون وقرون ؟سؤال يطرح نفسه عندما نتأمل الواقع المعاش، فنرى جزءا كبيرا من هذا الشباب في منزلة بين المنزلتين، إما أنه ساخط على حظه ، ناقم على نفسه وعلى كل شيء من حوله وإما أنه لاه عابث، يبحث عن لذاته وإرضاء نزواته ، متبلد الإحساس ،لايأبه لشيء ، أسقطت بغلة في العراق،أم أزهقت أرواح في كل الآفاق. وهذين النموذجين من الشباب، لا يمكن أن تعول عليه الأمة في بناء حاضرها أو صيانة مستقبلها.فالأول قد يدمرها بحقده ونقمته والثاني قد يضرها بلهوه وعبثه، فالشباب الحاقد الناقم هو عنوان على مسيرة فشل في الحياة وعنوان أيضا على خلل وفشل كبيرين في المجتمع والأمة وكلها عوامل ومقتضيات انتهت به الى أحضان الغلو والتطرف،لأن ملعبه الاجتماعي والفكري والنفسي كان مهيأ وفارغا، فهو لم يقرأ ليتعلم ولم يبحث ليعرف .وهذا النموذج من الشباب هو الذي كان سهلا على تجار البشر، المتلاعبين بالعقول والأفكار والمعتقدات، هذا النموذج هو الذي ارتمى في أحضان أشباه العلماء، ليحشوا دماغه الفارغة بأفكار وفتاوى بعيدة عن تعاليم الإسلام السمحة وعن هدي وقيم رسول الرحمة سيدنا ونبينا محمد (ص) وقدموا له فكرا هولاكيا، ينبني على سفك الدماء وقتل الأبرياء. فهؤلاء الأشباه ومنظري الفتنة – وكثير منهم من بقايا أولئك الذين شاركوا في الثمانينيات فيما يعرف بالجهاد الأفغاني أوالذين تربوا على أيديهم – وبعد أن فشلوا فيما يعرف في أدبياتهم بقتال وجهاد العدو البعيد(أمريكا والنظم الغربية عموما)، علموا هذا الشباب الحاقد الناقم، أن قتال وجهاد العدو القريب (أي أبناء جلدتهم ودينهم ووطنهم ) أولى،فحمل السلاح وفجر نفسه، معتقدا أنها الشهادة وقتل من حوله، ظنا منه بأنهم كافرون ومضى في قطع الرؤوس وإزهاق النفوس إلى أقصى الحدود ولم يتورع في تصوير عمليات الذبح والسلخ لبني البشر وعمليات الإعدام الجماعي والتمثيل بالجثث لأناس يتوجهون لنفس القبلة ويشهدون أن لاالاه الا الله وأن محمدا رسول الله والأدهى من ذلك أن ترى معهم أطفالا صغارا في عمر الزهور وهم يلعبون ويتلهون بالرؤوس البشرية المقطوعة، فهؤلاء هم الذين نراهم اليوم في صفوف داعش ومن قبل في صفوف القاعدة وغيرها من التنظيمات التي أطلق عليها في مرحلة من المراحل اسم *السلفية الجهادية*والسلف الصالح مما يرتكب من فظاعات باسم الدين بريء.إن هذا النموذج من الشباب، حتما لم تصله رسالة الإسلام في صفائها ونصاعتها وعلى حقيقتها وأخذه ممتهنو الاتجار بالدين ومنظروا الفتنة ،الذين تفننوا في لي عنق الآيات والنصوص لغايات في أنفسهم أو لمصلحة من يمولهم، أخذوه في بحرمن الفتاوى الشاذة، وضيقوا عليه سعة ورحابة الإسلام وأكيد أن هؤلاء لم يتعرفوا إلى أحاديث نبوية كثيرة كالحديث الذي جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه بخصوص بيان حرمة المسلم، ونأخذ منه قوله(ص) *…بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم،كل المسلم على المسلم حرام ..دمه،وماله،وعرضه..*،والنص واضح، فحرمة المسلم خط أحمر،تجاوزه يعني الوقوع في الحرام وما أكثر ما وقع هذا النموذج من الشباب العربي وما يزال في الحرام، بوعي منه أو من دون وعي .
أما النموذج الثاني من الشباب وهو الشباب اللاهي والعابث،فلم يعد يهتم لا باحترام قيم ولا بتحصيل علم أو معرفة وبدل التنافس الخلاق في مجالات البحث ومجالات الإبداع والابتكار التي تعود على الأمة بالخير والنفع العميم ومجالات الفن الحقيقي بجميع أشكاله وألوانه كمفجر للطاقات الخلاقة وبدل ذلك تجده في كل واد يهيم، له أشكال وألوان مختلفة ومتنوعة وله مجالات شتى ومتعددة. فقد تجده معك في البيت،لا هم له سوى المأكل والمشرب والملبس،لا يدري ولا يريد أن يدري كيف امتلأت مائدة الطعام؟ولا كيف استخلصت فاتورة الماء والكهرباء والدواء؟ولا من أين جاء ثمن اللباس؟ وقد تراه في رأس الدرب والحارة والشارع، يمضي الساعات الطوال في معاكسة هاته أوتلك ويدخل في عراك ومشاحنات مجانية مع هذا أو ذاك، إشباعا لنزوات غامضة،أو بحثا عن رجولة مبكرة وبطولات وهمية ويجر أمامه قاموسا من الكلمات الساقطة والألفاظ النابية،دون مراعاة المارة ولا الآداب العامة. ولعل من البدع المحدثة، أن هذا النموذج من الشباب، غدت شريحة واسعة منه تحلم بالشهرة والغنى من أقصر وأرخص الطرق،فمنها من يريد أن يكون مغنيا أو مغنية،ومنها من يريد أن يكون راقصا أو راقصة، وأي غناء؟وأي رقص؟..ومن تم أصبح صيدا ثمينا لمن يبيعون الوهم وتحول الى تجارة رائجة ومربحة لبعض القنوات والفضائيات.وتنافست هذه الأخيرة على إغوائه واستمالته، مستعينة في ذلك بمنشطين بارعين، وفنانين بارزين ومشهورين، يفقهون لغة الكلام المعسول،ويتقنون عبارات الاستحسان والإطناب والمديح، فترى الشباب الطامح الطامع يقف أمامهم بعد انتهاء دوره وكأن على رؤوسهم الطير،وتجعل مجرد سماعهم كلمة ثناء وإعجاب من هذا المنشط أو الفنان وكأنها أدخلتهم جنة الدنيا، ومجرد سماع كلمة خذلان وكأنها حكمت على مصيرهم ومستقبلهم بالفشل وبين زمن الانتظار والنطق بقرار اللجنة الفنية والذي يحاول مخرجو المشهد الدرامي الاستعانة فيه بإيماءات وإيحاءات الفنانين المتمرسين وبالموسيقى التصويرية المؤثرة والأضواء والتكنولوجيا الرقمية والبصرية، ترى وجوه الشباب المسكين قد شحبت ودماء العروق منهم قد نضبت، لأنه وضع في الاعتبار أنه إذا لم يأتي بها القلم أو القدم،فسوف يأتي بها الناي و النغم..ولعل من مآسي هذا النموذج من الشباب، وما يحز في النفس تجاهه، أني رأيت مرة شابا مغربيا في إحدى الفضائيات العربية وفي أحد مثل هذه البرامج، كنت أعرفه قارئا مجودا لكتاب الله تعالى، بجلبابه الأبيض وطربوشه الأحمر،رأيته بين المتنافسين على شهرة ربما اعتقد أنه لم يحصل عليها في تجويده القرءان،فجاء يدور عنها بين رنات الأغاني والألحان..وأمام واقع حال هذين النموذجين من الشباب، تتناسل الأسئلة وتطرح علامات الاستفهام عمن يتحمل المسؤولية ،سواء فيما يتعلق بالنموذج الذي ارتمى في أحضان الغلو والتطرف؟ أوالنموذج الذي ارتمى في مهاوي العبث واللهو؟..إنها بلا شك مسؤولية يتقاسمها ويتحملها الجميع، تتحملها الأسرة أولا لأنها أخلفت الموعد مع تربية هؤلاء الشباب عند نعومة الأظافر وتركت الحبل على الغارب في مرحلة كان فيه التعلم في الصغر كالنقش على الحجر. وتتحملها المدرسة ثانيا لأنها أنتجت نظاما تعليميا فاشلا، جرب في أبنائنا وأجيالنا العربية الصاعدة كل الوصفات، فلا التعريب نفع في ترسيخ جذور الهوية والانتماء،ولا التغريب أفلح في استلهام النموذج الغربي المتطور في مجال البحث العلمي والنهوض بالمجتمعات العربية، وبالتالي جاءت النتائج مخيبة للآمال وكارثية في معظم الأحيان،وما زاد الطين بلة عدم ربط التعليم والمعرفة، بمتطلبات واحتياجات الواقع العربي وهو ماأسهم في تراكم معضلة البطالة و التي كان حتما أن تنتج صنفا من العاطلين الناقمين وصنفا آخر من العاطلين الحالمين. ثم يأتي دور النخب المثقفة والمجتمع المدني والهيآت السياسية العربية والتي تعاطت مع الظاهرة الشبابية وضرورة تأطيرها ومواكبتها أحيانا من منطلق نفعي، لكسب ودها وتعاطفها وتأييدها وكذا أصواتها في الاستحقاقات الانتخابية، ليتم التخلي عنها بعد تحقيق هذه الأهداف، الشيء الذي جعل ااشباب العربي يفقد الثقة في النخب المثقفة، ويشك في نوايا المجتمع المدني، ويكفر بالأحزاب وبامتهان العمل السياسي..ثم يأتي دور وسائل الاعلام العربية، وهده الأخيرة يمكن اعتبارها أو بعضها مسؤولة مسؤولية مباشرة من خلال ما تقدمه من مواد وبرامج وأفلام ومسلسلات عن الواقع المتردي لهذين النموذجين من الشباب العربي، فقد أسهمت بعض الفضائيات العربية في الترويج لفكر التطرف والعنف، ومارست على مدى سنوات عمليات غسيل أدمغة الشباب العربي وشحنهم طائفيا،وشجعتهم على التوجه الى جبهات الصراع الداخلي في بعض الدول العربية،ونظرت (من التنظير) كثيرا لموجات ماعرف بالربيع العربي والذي تبين فيما بعد بأنه مجرد خريف، أتى على استقرار المنطقة العربية وفتت أنظمتها ودق إسفين العداء والكراهية بين دولها وشعوبها وطوائفها وذهب ببراءة براعمها وخيرة شبابها وأعقل شيوخها. وهذا النوع من الإعلام كما أسهم في إنتاج الغلو والتطرف، فهو أسهم أيضا في إنتاج الحالمين من الشباب العربي بالشهرة والغنى بأقل تكلفة، ومن أيسرالأبواب والطرق..