عزوف الشباب عن العمل السياسي

0 2٬057

     يشكل عزوف الشباب المغربي عن العمل السياسي أحد التجليات السلبية التي يعاني منها الفعل السياسي بالمغرب، ذلك أن ابتعاد الشباب عن ممارسة السياسة في كيانها الطبيعي المتمثل في الانتماء للأحزاب السياسية، يجعل من الأخيرة عاجزة عن القيام بأدوارها الرئيسية الممثلة في تأطير الشباب ودفعهم للعمل السياسي، فالأحزاب وفي ظل مستجدات دستور 2011 تشكل البنية الرئيسية والمحورية لتكوين وتأطير وحتى إشراك الشباب في إخراج السياسات العمومية، إذ تشير المادة 7 في فقرتها الأولى من الدستور ” تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية”.

في هذا السياق وأمام التحديات المنوطة بالأحزاب السياسية الممثلة في ضرورة تأطير الشباب خصوصا، ومحاولة فهم إشكالية عزوفهم عن السياسة رغم ما شكلته حركة 20 فبراير من حركية سياسية، إلا أن الأمر يستوجب فهم أسباب هذا العزوف وتجلياته من جهة، ومن جهة الوقوف على سبل دفع الشباب للعمل السياسي تماشيا مع الحراك السياسي الذي يعرفه المغرب بعد دستور 2011 .

 

أولا : أسباب عزوف الشباب عن السياسة

      إذا كان من الصعب الإشارة إلى سبب أو أسباب مباشرة في ابتعاد الشباب عن السياسة، إلا انه يمكن الإشارة إلى أسباب غير مباشرة مرتبطة بنسق النظام السياسي المغربي، وحركية الأحزاب السياسية المغربية ما بعد حركة 20 فبراير 2011 ذلك أنه يرجع انكفاء الشباب المغربي عن المشاركة السياسية إلى اعطاب بنيوية في المجال السياسي، انطلاقا من إرث ثقيل للماضي، كانت فيه الممارسة السياسية مرادفا للاعتقال والقمع، ومع أن هنالك مجهودات حثيثة بذلت لطي صفحات الانتهاكات الحقوقية، عبر مصالحة وطنية وجبر للضرر، إلا أن صورة العمل السياسي مازالت تعاني من أثر الفترات السابقة، ويعاني الحقل السياسي المغربي من ظاهرة تناسل الأحزاب المصاحبة لتماثل إيديولوجي في المرجعيات والبرامج السياسية، وذلك ناجم عن صراعات داخلية متعددة حول الارتقاء في المناصب والترشيحات الانتخابية، مع وجود فساد نخبوي كبير، يعيق التواصل مع المجتمع، ويضعف العرض السياسي المقدم للمواطنين، كما أن الأحزاب المغربية تعرف شيخوخة مهولة للقيادات، ونكوصا واضحا في الديمقراطية الداخلية.

     كما أن من الأسباب كذلك على هذا المستوى، عجز الأحزاب السياسية على جعل مكانة مميزة للشباب داخل منظومتها الداخلية، فالملاحظ على هذا الإطار ما عرفته بعض الأحزاب السياسية من صراعات مع شبيبتها الحزبية حول مشاركة الأخيرة في حراك حركة 20 فبراير، مما دفع بالعديد من الشباب إلى الانشقاق عن أحزابها بل عن العمل السياسي برمته، وهو ما عزز من إشكالية العزوف عن العمل السياسي كظاهرة محورية تعيق النسق السياسي المغربي، في ظل شيخوخة للأطر الحزبية وإنفرادها بالقرارات الحزبية دون اعتماد على قواعدها الحزبية كما هو الشأن بببعض الأحزاب، في سياق ذلك يمكن الحديث عن طفرة جديدة بعد وصول حزب معارض للحكومة (حزب العدالة والتنمية)، هذه الطفرة أعادت بريقا للعمل السياسي، يمكن الحكم عليها في انتظار نتائج انتخابات الجماعات الترابية من جهة حجم المشاركة ومكانة الشباب في لوائح الترشيح ومكانة النساء كذلك، وعموما الحكم على مدى تفشي ظاهرة العزوف السياسي للشباب المغربي.

وعليه يمكن إبراز مختلف مسببات عزوف الشباب المغربي عن العمل السياسي في النقاط التالية :

  • ضعف الأحزاب السياسية وقدرتها التسويقية لدفع الشباب للانخراط في الأحزاب السياسية وبالتالي المشاركة في عملية التحول السياسي للنظام السياسي المغربي.
  • غياب الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية عاق عملية إدماج الشباب الحزبي في عملية المشاركة في اتخاد القرارات المحورية.
  • تنامي الأفكار العدمية من العمل السياسي في صفوف الشباب عرقل عملية الإدماج وبالتالي كرس ظاهرة العزوف.

ثانيا : سبل إدماج الشباب في العمل السياسي

       في ظل الوضع المشار إليه سابقا حول أسباب عزوف الشباب عن العمل السياسي يظل التحدي الأكبر اليوم كيف السبيل لإعادة الشباب إلى محورية العملية السياسية أمام الحراك المجتمعي الذي يعرفه المغرب؟

     إن الإجابة عن هذا السؤال من الصعوبة بما كان، ذلك أن تكريس هذه الظاهرة (العزوف) عشش لما يزيد عن عقود من الزمن، وبالتالي فمداخله مرتبطة من جهة بنسق وحركية النظام السياسي ( دور الملكية، مكانة رئيس الحكومة، تعزيز جوانب المساءلة، محارية الفساد…)، فالنظام السياسي المغربي يظل ما لم يواكب حركية المجتمع السياسي وأنظار وتوقعات الشباب المغربي، والسير بالتأويل الديمقراطي للدستور الجديد إلى أقصى حدود التأويل، مدخلا أساسيا لتكريس هذه الظاهرة (العزوف)، إذ أن الملكية بالمغرب تظل محور القرار الإستراتيجي للدولة المغربية وأي تحول على مستوى نهجها، سيكون له انعكاس مباشر على حركية العمل السياسي وبالتالي الحد من عزوف الشباب وإعادته للعمل الحزبي المنظم .

     كما أن الأحزاب السياسية بدورها تعد المقود الرئيس لعملية إدماج الشباب المغربي في الحياة السياسية، ولمواكية وتعزيز حضورهم لبد من إعادة النظر في هيكلتها وقوانينها وطرق تدبير اختلافها، ناهيك على ضرورة إعادة النظر في برامجها السياسية والاقتصادية والمجتمعية، حتى تستطيع من خلالها مواكبة طموح وعنفوان وأمال الشباب المغربي الحامل لأفكار التغيير الملموس، والذي سيجيب على إنتظاراته وآفاقه وتصوراته للعمل السياسي، إذ أن الوضع الراهن لبعض الأحزاب لا يشجع على هذا المستوى، ذلك أنه في ظل غياب للديمقراطية الداخلية، وبرامج واقعية تحمل طموح الشباب، وقدرة على التسويق الداخلي لحرية الأفكار وتدبير الاختلاف بكل ديمقراطية… في كل ذلك تظل الأحزاب عاجزة على تكسير صورة الشباب للعمل السياسي، وبالتالي من المتوقع أن ينعكس على ظاهرة العزوف السياسي والمشاركة السياسية، بالرغم من مستجدات الدستور التي جعلت من الأحزاب تؤسس وتمارس أنشطتها بحرية وفي احترام الدستور والقانون .

   في الأخير لا يمكن التأكيد على أن ظاهرة العزوف عن العمل السياسي من قبل الشباب، تعبر على عدم إلمام الشباب بالسياسة والعمل السياسي، ذلك أن غالبية الشباب تحمل تصورا سياسيا للتغيير ومحاربة الفساد وإعادة الثقة للسياسة ومصالحتها بالسياسات العمومية الناجعة والمسؤولة، فالشباب حامل لمشروع مجتمعي متعدد الإيديولوجيات لكنه يصب في اتجاه التغيير وإعادة الروح للسياسة، وخير ذليل على ذلك ما صنعته حركة 20 فبراير من حركية قل نظيرها حتى لدى الأحزاب التاريخية، وهو ما يشير على أن ظاهرة العزوف تظل نظامية فقط (تأطير داخل أحزاب سياسية) لا تتعدى ذلك إلى عزوف عن الشأن العام والحياة الوطنية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.