فرصة العشر الأوائل من ذي الحجة الثمينة

0 1٬155

بسم الله الرحمن الرحيم

عشر ذي الحجة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيِّد الأولين و الآخرين ,محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وكل من سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

وبعد:

أيها الإخوة و الأخوات, أفاضل وفضليات:

ما أجمل ديننا الإسلامي الحنيف وما أعظمه,به أعزنا الله تعالى ورفع قدرنا,وهو ما ارتضى لنا سبحانه وبه نجاتنا في الدنيا والآخرة,بل به نفوز إن شاء الله بجنة عرضها السماوات والأرض ونحضى بالنظر إلى وجه الله العظيم.

و إن من رحمة الله بنا وتفضله علينا أن جعل لنا فرصا ثمينة ومواسم للطاعات غالية تتضاعف فيها الأجور والعطايا وتزداد منحه التي لا تحصى, ومن هذه المواسم الفاضلة أيام العشر من ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية وبأنها أفضل أيام العام، وحضّ على العمل الصالح فيها ومضاعفة الجهود؛ بل إن الله تعالى أقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً، إذ الله العظيم لا يقسم إلا بعظيم سبحانه . وكل هذا يستدعي من العبد المسلم الحرص و مضاعفة الجهود لحسن استغلالها واغتنامها فيما يعود عليه بالخير والثواب في الدنيا والآخرة , و المسلم الكيس الفطن لا يفوت عليه مثل هذه الفرص الثمينة,وهذه العطايا الربانية الغالية.

بلى إن أعظم ما نستقبل به هذه الأيام المتميزة والنفيسة هي:

· توبة نصوح والندم على ما مضى وكثرة الاستغفار.والإقلاع عن كل الذنوب والمعاصي والعزم الأكيد الصادق على عدم العودة.

· صدق التوجه إلى الله تعالى بالتوفيق والسداد.

· العمل الصالح الطيب ومضاعفة الجهود لمضاعفة الأجر والثواب.

ومن خصائص و فضائل هذه الأيام الفاضلة:

1- أن الله تعالى أقسم بها سبحانه في كتابه العزيز”

قال الله عز وجل : { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } ( سورة الفجر : الآيتان 1 -2 ). ولاشك أن قسمُ الله تعالى بها يُنبئُ عن شرفها وفضلها . كما عند جمهور أهل التفسير .

2- أنها من الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره:

فقال سبحانه : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج : الآية 28 ) ، وقد جاء في بعض التفاسير أن الأيام المعلومات هي الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة .

3- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها أفضل أيام العام:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري].

4- أن فيها يوم عرفة :

وهو يومٌ عظيم يُعد من مفاخر الإسلام ، وله فضائل عظيمة ، لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها ، ويوم العتق من النار ، ويوم المُباهاة فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار ، من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ” ( رواه مسلم)

5- أن فيها يوم النحر :

وهو يوم العاشر من ذي الحجة ، الذي يُعد أعظم أيام الدُنيا كما روي عن عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر ، ثم يوم القَرِّ ” ( رواه أبو داود)

6- أن فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام .

قال تعالى:(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ).سورة الحج
7- أن الله تعالى جعلها ميقاتاً للتقرُب إليه سبحانه بذبح القرابين كذبائح الهدي الخاص بالحاج ، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين .

8- أن الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها؛

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد ” ( رواه أحمد ، مج 2 ، ص 131 ، الحديث رقم 6154 ).

9- أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان ؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل ؟ فأجاب : ” أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان ، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة ” ( ابن تيمية ).

10- اجتماع أمهات العبادة فيها :

كما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله : ” والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه ، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره ” ( فتح الباري ).

مما لا شك فيه أن المسلم دائم العبادة لله تعالى بأدائه للواجبات ثم اجتهاده في السنن والنوافل,لكن يتأكد هذا أكثر في هذه العشر الخيِّرة والفاضلة التي هي أفضل أيام السنة كما أسلفنا, ومن بين الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في هذه الأيام خصوصا:

1. الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه وتلاوة القرآن الكريم:

لقوله تبارك و تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج : الآية 28).
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التكبير ، والتهليل ، والتحميد ” ( أحمد).

2. ذبح الأضاحي لأنها من العبادات المشروعة :

إذ يتقرب المسلم إلى الله تعالى في يوم النحر أو خلال أيام التشريق عندما يذبح القُربان من الغنم أو البقر أو الإبل ، ثم يأكل من أُضحيته ويُهدي ويتصدق ، وفي ذلك كثيرٌ من معاني البذل والتضحية والفداء ، والاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

3. الاكثار من الصدقة والبذل والعطاء:

وهي الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها على الدوام لاسيما في هذه الأيام، وقد حث الله عليها فقال: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) [البقرة:254]، وقال صلى الله عليه وسلم (ما نقصت صدقة من مال) [رواه مسلم].

4. الصيام: يوم عرفة وأيام العشر قبله:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : ” يُكفِّر السنة الماضية والباقية ” ( رواه مسلم )

عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيامٍ من كُلِ شهر ، أول اثنين من الشهر والخميس ” ( رواه أبو داود)

5. قيام الليل لكونه من العبادات التي حث النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى سبحانه : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }( سورة الفرقان :الآية 64) .

6. الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله تعالى:

وتحقيقاً لقوله تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( سورة النور : من الآية 31 ) .

7. الإكثار من صلاة النوافل لكونها من أفضل القُربات إلى الله تعالى:

إذ إن ” النوافل تجبر ما نقص من الفرائض، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه. وذلك بعد أداء الواجبات بالطبع.

8. أداء الحج كركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلا وأداء العمرة لما لها من الأجر العظيم ولاسيما في أشهر الحج.

حيث إن عُمرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أشهر الحج ،وقوله صلى الله عليه وسلم قال : ” العُمرةُ إلى العُمرةِ كفارةٌ لما بينهما ” ( رواه البُخاري).

9. حسن التخلق والتأدب مع جميع الناس ,بكف الأذى وبذل الندى وطلاقة الوجه.

“قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “البر حسن الخلق” رواه مسلم

10. ومنها كذلك:

البر الوالدين ـ وصلة الأرحام والأقارب ـ وإفشاء السلام وإطعام الطعام ـ والإصلاح بين الناس ـ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وحفظ اللسان والفرج ـ والإحسان إلى الجيران ـ وإكرام الضيف ـ والإنفاق في سبيل الله ـ وإماطة الأذى عن الطريق ـ والنفقة على الزوجة والعيال ـ وكفالة الأيتام ـ وزيارة المرضى ـ وقضاء حوائج الناس ـ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ وإدخال السرور على المسلمين ـ والشفقة بالضعفاء ـ واصطناع المعروف والدلالة على الخير ـ وسلامة الصدر وترك الشحناء ـ وتعليم الأولاد والبنات ـ والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.إلى غير ذلك من أبواب الخير والبر الكثيرة والمتعددة في ديننا العظيم.

ونختم كلامنا عن هذه الأعمال الصالحة في هذه الأيام الغالية بحضور صلاة العيد والخطبة يوم العاشر من ذي الحجة. وشكر الله تعالى على نعمه وخاصة يوم العيد فلا يجعله يوم بطر ومعصية ونحوها مما قد يكون سببا لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر .قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ *قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [يونس:57-58].

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه وأن يجعلنا وإياكم ممن يحسنون اغتنام الفرص واستغلال المناسبات في خير الطاعات والعبادات,آمين آمين والحمد لله رب العالمين.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ذ. رشيد وجري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.