قصر آسا – Aabaid Khadija

0 1٬506

assa-desert-1مما لا جدال فيه أن المغرب يزخر بتراث معماري مهم ومتنوع وعريق، وتعد القصبات والقصور الموجودة في مختلف المناطق المتواجدة في شرق المملكة وجنوبها جزءاً من هذا التراث المعماري، ولقد أثارت القصور بوادي درعة اهتمام الباحثين من مختلف المشارب العلمية، باعتبار هذه الأنسجة المعمارية التقليدية تشكل إرثاً حضارياً وعمرانياً مهماً. وسنقوم بتسليط الضوء على إحدى القصور الموجودة بالجنوب المغربي والذي يعرف بقصر آسا المتميز بقيمته التاريخية والمعمارية والحضارية، والذي يشكل بفضل معالمه المعمارية الأصيلة، وإشعاعه التاريخي وتنظيم مجاله المبني أحد أبرز القصور في الجنوب المغربي.

يعتبر قصر آسا جزء لا يتجزأ من مدينة آسا التي تقع في الجنوب المغربي وبالضبط جنوب شرق واد نون على بعد حوالي 110 كلم من مدينة ﮔلميم شمالا، وتنتمي إلى حوض درعة، يتخذ قصر آسا شكل هلال مسايراً بذلك الوحدات التضاريسية التي بني  عليها والمجاورة له، حيث يقع فوق ثلة مرتفعة يبلغ ارتفاعها 200 م، ويتحكم شكل انتظام مجرى الوادي في الحد من توسع القمر في اتجاه الشمال والشرق، فبقي يتوسع بشكل هلالي يفصل الوادي ما بين القصر والمدينة الحديثة التي تحده من جهة الشمال والشرق، أما من جهة الغرب فتحده بداية سلسلة جبال باني، وتحده من جهة الجنوب الحمادة.

مجموعة من الأبحاث والدراسات التي اهتمت بالمنطقة تؤكد أن ماضي “قصر آسا” يعود إلى آلاف السنين من الزمن الحجري سواء فيما يخص تعميره وكذا المنشآت الاجتماعية والدينية والسياسية، وانطلاقاً من الهندسة المعمارية التقليدية التي شيد بها القصر يتضح لنا أن هذا التنظيم وهذه الهندسة تثير الانتباه وتشده إليه لعدة عوامل، منها ما يتعلق بطريقة البناء وأسلوبه ومنها ما يتعلق بالتنظيم الداخلي لمكوناته، فالتناسق والتناغم الذي شمل أجزاء هذا القصر ووصف المقومات التي ارتكز عليها والدقة والمنظر الذي يحيط به، كل ذلك جعل من الهندسة التقليدية القديمة للقصر فن معماريا يعرض نفسه ويوحي بالإعجاب ويظهر ذلك أيضا من خلال استعمال الحجارة كمادة أساسية في البناء على أن الأهمية الإستراتيجية للموقع تبرز بجلاء كبير من خلال هيئة أبراجه التي كانت تصل إلى 8 أبراج متناسقة الأشكال يضاف إلى كل هذا سور يحيط به من كل الجوانب، هذا علاوة على الأبواب الخارجية تفتح وتغلق بنظام داخلي تنظيمي لا يمكن الإخلال به.

 assa-desert-2

  المكونات المعمارية لقصر آسا:

وعلى غرار قصر وادي درعة عموماً، يتكون قصر آسا من مجال مشترك وعام يتمثل في السور الخارجي والأبراج والأبواب الرئيسية والأزقة وغيرها، وكلها منشآت عامة يشترك جميع سكان القصر في بناءها وتسييرها والاستفادة منها، والمجال الخاص المتمثل أساسا في المنازل السكنية وملحقاتها، وسنقف هنا على بعض أهم المكونات المعمارية مركزين على أهمية هذا القصر الذي صمم حسب تخطيط هندسي محكم رصيدا تراثيا ماديا تتجلى أركانه فيما سنعرضه فيما يلي:

… أبراج وأسوار قصر آسا   

يضم قصر آسا مجموعة من الأبراج يبلغ عددها 7، رغم أن بعضها اندثر مع الزمن إلا أنها لا زالت راسخة في الذاكرة الجماعية لساكنة قصر آسا ولعل أهم قاسم مشترك بين هذه الأبراج هو شكلها الحالي باستثناء برج إحشاش وكون معظمها تتخللها منزلقات من الأحجار الكبيرة  المختلفة الأشكال والملساء مثل برج “إند بزيز”، برج “إند باها”، برج “إند أيت أوحايك” وبصيغة عامة فأبراج القصر والموجودة أساسا في القسم الشمالي والمتميز بكونه مشيد على أعلى ثلة يصل ارتفاعها إلى حوالي 200 متر، وهو ما يفسر طريقة البناء الحجري الذي أكسبه جمالية طبيعية.

أما فيما يخص الأسوار فإنه لا يتعدى سورا واحدا يحيط بالجهة الشمالية للقصر “إداومليل” حيث يمتد من برج إحشاش وصولا إلى مسجد “إداومليل”، وهو بمثابة الحصن الحصين والمنيع الذي يحمي القصر من أي خطر أو تطفل أجنبي عليه، ويتميز هذا السور بقصر طوله من الداخل وطوله من الجهة الخارجية مما يسهل على أهالي القصر رؤية المنطقة من الداخل، وقد شيد أساساً لسبب دفاعي، وكما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته إليه أن الإنسان “لما جيلإليه من الفكر من عواقب أحواله، لابد أن يفكر فيما يدفع عنه الأذى من الحر والبرد…” 

assa-desert-3

 

… أهم الأبواب والأزقة.

نجد بقصر آسا مجموعة من الأبواب الرئيسية والثانوية، ويبلغ عدد أبوابه الرئيسية 5 أبواب بالذكر: باب إمي ندرب أكرم نسبة إلى أحد ساكنة القصر الشرفاء وباب إمي ندرب أهراسن نسبة إلى قبيلة أهراسن التي تسكن بها، باب تندرت إداومليل: مدخل بودي إلى خارج إحشاش وغيرها من الأبواب حيث نعتبر منافذ إلى القصر لها أوقات خاصة تفتح وتغلق بنظام داخلي تنظيمي لا يدخل منها إلا من يسكنون فيه.

كما تعتبر أزقة القصر هي الأخرى لا تخلو من التعدد والاختلاف من حيث شكلها وأسمائها، والتي تحمل في طياتها دلالات ومعان خاصة بالحياة العامة بالقصر، وعند ملاحظتنا للأزقة المتواجدة بالقسم الشمالي للقصر نجدها متصفة بالانحدار وضيق ممراتها. 

قصر آسا وآفاق الترميم.

وبالرغم من تهدم القصر وتلاشي بعض أجزائه، فهو لا يزال يشكل معلمة تاريخية وأثرية مؤرخ لسكان آسا الأولين والأقدمين، وفي هذا الإطار وليرسخ هذه الأهمية ابتدأ مشروع ترميم القصر حيث تجندت مختلف فعاليات ومؤسسات المجتمع المدني بمدينة آسا بما فيها الجمعيات فبدأت عملية الترميم المتابعة من طرف وكالة الجنوب والممول من طرف مديرية الجماعات المحلية بوزارة الداخلية بمبلغ 3900.00 درهم.

وقد أشرف على هذا المشروع المهندسة سليمة الناجي بتعاون مع جمعية قصر آسا، وهذا الترميم الذي شمل إلى حد الآن، ترميم السور الذي يحيط بالقصر لحماية وضمان وحدته، ثم سور المعمورة (المقبرة) ومسجد سيدي الوالي كما شمل المسجد العلوي “تمزكيد أوفلا” وما زال الترميم مستمراً، إلى أن يتم إكمال القمر كليا، وقد ضم هذا المشروع ما يفوق تسعين عاملا، وحسب الجهات المسؤولة عن هذا المشروع، فالترميم حافظ على نفس معمار القصر القديم وهو معمار الحجري فالحجري هي العادة الأساسية في الترميم، وقد لاقى هذا المشروع استحسان القاطنين بالقصر إلى حد الآن.

فترميم القصر في نظرهم بني لإعادة بث الحياة في القصر الجديد وحسب ما قاله أحد المسؤولين عن هذا المشروع “عيد الأساوي” فالترميم سيشمل بيوت العائلات القاطنة، هذا طبعا بعد موافقتهم، أما في حالة رفضهم فإنهم يتسلمون المبلغ المحدد لكل دار في القصر ويبقى رهن تصرف أهل الدار. 

assa-desert-4

خاتمة عامة:

حاولنا من خلال هذه الدراسة التي اعتمدنا من خلالها على المصادر التاريخية والأبحاث الآثارية والرواية الشفوية في التحريات الميدانية حول أهم معالم قصر آسا.

أنها بتأكيد غير كافية لإعطاء الصورة دقيقة عن مجموعة المعالم التي كانت تتوزع داخل الأحزمة من الأسوار في تعقيدها وتفاصلها الفنية لذلك سنحاول في المستقبل إعطاء هذا القصر أهمية كبيرة من خلال دراسة متكاملة ومتماسكة.

-عبيد خديجة    aabaid khadija

– تحت إشراف الأستاذ:   بصير عبد الصمد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.