كادت أن تفعلها تشكا ثانية؟؟
بداية شهر شتنبر الماضي،وقعت مذبحة بكل المقاييس في الممر الجبلي لتشكا.مختلف تلفيزيونات الدنيا،تداولت وقتها صور بقايا قصدير، لحافلة تنتمي لعصر الديناصورات،صارت في خبر كان، بعد ارتماء مالينخولي من مسافة تزيد عن ثلاثمائة متر.المسافرون،لم يكونوا أجسادا ولكن كرنفالا من اللحم.
وقتها أيضا،تساءل العالم المتحضر،كيف لبلد اسمه المغرب لا يبتعد عن أوروبا إلا بأربعة عشر كيلومترا،ويريد شعاراتيا أن يقبله باقي العالم ضمن زمرة المتقدمين،أن يموت أهله بهكذا حقارة. تقاطرت رسائل التعزية،بكى الناس أقاربهم،تحدث وزرائنا التقاة على أن الموت قدر محتوم،ومن لم يمت فسيموت.المهم،المواطنون سواسية موتا،ونبينا عليه السلام.أفتى فقهاؤنا بالشهادة،لأن ركوب الطرق المغربية،بمثابة معركة جهادية،ولذلك فهؤلاء أحياء عند ربهم في فردوس يرزقون.
هرج ومرج، في صف البؤساء. دموع التماسيح، في الجهة المقابلة.طوي الملف، إلى الأبد.لم نسمع ثانية،بهذا الخصوص،نفَس إشارة تضمينا أم تصريحا،جهرا أم همسا.
يوم الأحد7أبريل،وعلى الساعة الثانية زوالا، على الطريق ذاتها، كادت أن تحدث مأساة ربما أكثر كارثية من الأولى.الفرق بينهما،أن الخطأ لم يكن بشريا،كما تملص الرسميون من السابقة،بل طبيعي خالص وجيولوجي محض،مصدره تلك الجغرافية الوعرة لتشكا،ويحاكم التخاذل الواضح لكل الحكومات المغربية عن المبادرة إلى تهذيب أي شيء،في بدائية بل تغول هذا المسلك الجوهري الذي يربط شمال المغرب بجنوبه،ويعتبر البوابة الوحيدة من أجل الولوج إلى القسم النائي حقا مكانيا،و المهمش والمقصي والمبعد والملغى تماما من ذاكرة أصحاب القرار،اقتصاديا واجتماعيا وما يدخل في طياتهما.
ماذا وقع تلك الظهيرة؟والطريق، الذي يشبه السير فوقه،ما يمارسه البهلوانيون الصينيون من ممشى على أسلاك السيرك،مزدحم من ألفه إلى يائه،بعابرين مغاربة وأوروبيين،بحيث ازداد ضغط المواصلات نتيجة عطلة نهاية الأسبوع،وكذا تدفق الأجانب نحو زاكورة لحضور ماراطون الرمال.
لقد تحطم جزء ليس باليسير من صخرة جبلية،وحطت بكل جبروتها من عل،وسط الطريق فأفلتت بسنتيمات دقيقة،مؤخرة حافلة.لحسن الصدف،أن سرعة الأخيرة،لعبت لحظتها دورا رحيما منقذا،مع أنها أصلا في تشكا، تشكل احتفالا علنيا بالموت.
توقفت حركة المرور،لما يزيد عن نصف ساعة،تراكمت مختلف وسائل النقل،إيابا وذهابا،على امتداد البصر، منتظرة حتى تمكنت بعض السواعد الآدمية المفتولة،من إزاحة الصخرة وشظاياها ،والإلقاء بهما صوب الحافة،بهدف إعادة تمهيد السبيل للجميع.ربما، لو سقطت أكثر من صخرة واحدة،من يدري؟ أو وقع انجراف في التربة،كنتيجة طبيعية للسياق،لتوقفت الحركة نهائيا،وانفصل المغرب عن بعضه البعض،وهو السيناريو المحتمل حدوثه خلال أي لحظة.
هكذا،على الرغم،أن تشكا مسلك وعر وحيوي في الآن نفسه،مع الأخطار المحدقة بسالكيه من كل صوب وجهة.بالرغم كذلك،من أن قتلى شتنبر، لازالوا يترنحون في قبورهم، احتجاجا على لامبالاة الأحياء.ثم بالرغم،من وعود لانهائية للتفكير جديا في معالجة الأمر. وبالرغم… ،وبالرغم،فلاشيء وقع :لا أجهزة للمراقبة،لا وسائل للتدخل الفوري،لارادارات للإنذار،لامحطات للإستراحة،لا جرافات،قلت لكم بأن من أزاح الصخرة أشخاص أشداء،تعاملوا مع الواقعة كأنهم يمثلون فيلما عن روما القديمة، إلخ.لكن،أي يوتوبيا هاته،التي ألاحق وهما؟
الساكنة التي تأويها بطون تلك الجبال، قد تسمع عن انتماء اسمه المغرب،عبر الرحلات العابرة لتشكا،بل فئة الشيوخ لديهم تعتقد يقينا بأن محمد الخامس لازال ملكا للبلاد.إنها حكاية واقعية،سمعتها ذات مرة.الطوبوغرافيا عينها :حفر من طين،باعتبارها منازل،تلتهما الطبيعة متى أرادت،لاسيما فترة الزمهرير،ثم مسجد،فقط ولاشيء غيرها.مانصطلح عليه بالبنية التحتية في الأدبيات المدنية،تختزل هنا في واد قد يجري أو لايجري،وخلاء مقفر. إذن، ما نصيب هؤلاء الأطياف من خيرات المغرب الغني، التي يلقى بها في أكياس القمامة؟فليحسبها كل واحد منا،بمعادلاته الخاصة.
بعد أن هدأ روع المسافرين،تصاعدت حدة اللغط نقاشا عن كيفيات تدبير الساسة للسياسة.اتفق العموم،على أن بنيتنا التحتية ضعيفة جدا،وتحتاج إلى حكومة كورية أوصينية أو يابانية. أما دونهم، فإننا نضيع الوقت ونراكم الأجيال ضياعا.
وحده سائق الحافلة،لم يقبل التقييم كليا،جازما بأن تشكا تحكمها “جنية” من أهل الجن،وبلغته “مسكونة من قبل جنية”.أقسم بروح أمه،أنه شاهدها ليلا واقفة على قارعة الطريق.شابة في غاية الفتنة والجمال تشبه ” للا عيشة قنديشة”،لوحت إليه بيديها وغمزته بطريقة مثيرة،ثم تحولت بسرعة البرق نحو الجهة المعاكسة.حسب تفسيره دائما،يبقى مزاجها،المتحكم في يوميات تشكا خيرا أم شرا.إن فرحت نعبر بسلام، وإن اكفهرت وزمجرت،فلا سلام وعلى الجميع السلام.
ذكرني جديد جنية تشكا، بأسطورة العفاريت والتماسيح الشهيرة، التي أضافها السيد رئيس الحكومة،إلى آليات المراقبة الدستورية. جن في الطريق،وتماسيح في البرلمان،وعفاريت هنا وهناك “لهفَتْ” البلد وتركت الشعب على “الضْسْ”.من يقبض عليها؟ الجواب الوحيد الممكن طبعا،وفق كهنوتية صرع الجن في الخطاب الشعبي،تقتضي استحضار،فقيه سوسي متمرس،يشعل البخور مستظهرا ترانيم هاروت وماروت،أو نصعد إلى الجبل عند شامهروش.
إن المنجزات السياسية والإقتصادية،تتحقق ماديا وملموسيا على أرض الواقع،فيشعر المواطن قولا وفعلا بآثارها الإيجابية على حياته.كما أن الحكومات التاريخية،هي القادرة على بلورة ثورة مجتمعية غير معهودة،وأن تبعث أشياء من لاشيء. أفق،يتطلب منها شفافية و ذكاء وحنكة وتدبيرا.هكذا،تبنى البدان،إذا لم نكن حقا متشبثين بالتخلف.وكما أن الرجل،يعرف بالمواقف العملية، لا غير،فالاستثنائيين يظهرون تميزهم وقت الأزمات.
لقد هرمنا،ونحن نلهث إعلاميا وراء مخططات ثلاثية ورباعية وخماسية،كانت عقد الثمانينات تضع كسقف أعلى لها سنة2000(فلاحة،تعليم،صحة،رياضة،ثقافة،ماء،كهرباء،أمية،إلخ، إلخ).
بناء عليه،أحدس من الآن برنامجا طرقيا،سيعدنا باجتياز تشكا وماشابه تشكا،بالمناضد الهوائية،وليس بالنقل الميكانيكي !!! ألم يجد لدينا “التي جي في” معبرا فوق الزرابي المتدفقة والمبعثرة،نكاية ب “جنية” تشكا؟؟؟.