نماذج من الإرث الثقافي الزاكوري

0 2٬820

         إن تنوع أصول ساكنة زاكورة وتعايشها أدى إلى غنى تراثها الغنائي، فكل مجموعة اجتماعية ثقافية طورت أغاني ورقصات خاصة بها، كما أن التثاقف الإيجابي ساهم في تلاقح معظم الفنون المحلية وإثرائها، كما انعكس أيضا على مستوى تطعيم الأغاني والرقصات لبعضها البعض على مختلف المستويات (الأداء، اللباس الكلمات… مما ساهم في إنتاج أغاني ورقصات متنوعة وجامعة تحتضن قواسم مشتركة، في هذا الإطار سنحاول إبراز بعض ملامح هذا الإرث انطلاقا من بعض النماذج التي حضيت باهتمام أهالي المنطقة وشهرة في الآونة الأخيرة حيث سنركز على دقة السيف وأقلال والركبة كفنون تشتهر  بها المنطقة.

         ـ رقصة دقة السيف

         يرجع تاريخ الرقصة حسب الرواية الشفوية إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبالضبط إلى مرحلة الهجرة إلى المدينة، وقد مرت بعدة مراحل، الأولى كانت تسمى فيها الرقصة “لعب بن الرفيدة” والثانية تسمى فيها “اللعب المباح”، والثالثة تسمى فيها “بالسقل أو دقة السيف” وهي بداية استعمال السيوف، إن رقصة “دقة السيف” أو “السقل” هي رقصة درعية قديمة في التاريخ ويمارسها على الخصوص دراوة وعموما فالرقصة تنتمي إلى ما يسمى “بفنون الحرب” أو المسافرة بالقطبان وهي في نفس الوقت المسايفة، وتؤدي هذه الرقصة في الغالب في الهواء الطلق تحت مراقبة الشيخ الذي يقوم مقام الأستاذ والحكم في نفس الوقت، وغالبا ما يكون المتسايفون محترفون منهم الفلاحون والصناع وغيرهم ويجتمعون بعد الظهر خارج القصر القديم، ليأتي الشيخ بالسيوف التي تناسب مقاييس الطول والاعتدال، فيبدأ المتحاربون اللعب بالتحية وفق قواعد مضبوطة، ويشارك في هذه الرقصة عدد ما بين 12 و 20 مشارك يتوسطهم الشيخ حاملا معه آلة الطارة أو الدف التي تعتبر المرتكز الأساسي في هذه الرقصة إلى جانب آلة أخرى كالطعريجة والعوادة “الكصبة”.

         إن ما يميز هذه الرقصة هو تقدم أربعة رجال يحمل كل واحد منهم سيفا، وترمز هذه السيوف إلى البطولة والشجاعة ، إذا هنا  فالسيف سلاح وشعار في آن واحد فهو سلاح بطل الإسلام والمجاهدين.

         كما أنه وسيلة للدفاع عن النفس من خلال معارك الحياة المختلفة، وأثناء الرقصة يبدأ صاحب العوادة بالنفخ كتقديم، وبعد إشارة من الشيخ يبدأ “الموال” وهي المقدمة التي يبدأ بها الشيخ، ويبدأ في ترديد اللازمة مع الضرب على الدفوف ضربة توافق صوت العوادة ونقر الطعريجة، فتوافق النغمات مع الحركات المضبوطة وتستمر الرقصة وقتا طويلا، وبعد اللعب لمدة قصيرة يضع المتسايفون السيوف والتهيؤ لمقابلة فرقة تحمل “الدف” تتكون من نفس العدد، أما بالنسبة للحركات فتتميز بتمايل خفيف تارة على اليمين وتارة على اليسار، وبين الفينة والأخرى يعطي الشيخ إشارة شفوية صحيحة فترفع الأرجل اليسرى قليلا لتضع على الأرض وترتفع اليمنى بالموازاة مع قفزة المتسايفيين، وذلك لأخذ النفس والاستعداد للمرحلة الموالية ، وهكذا تستمر الرقصة حتى النهاية.

         والمثير للملاحظة، أن هناك تناسق في الأداء حيث يقف الشيخ رئيس الفرقة بجانب “العواد”( الشخص المكلف بحمل الناي والنفخ فيه ) في الجهة اليمنى حاملا معه الطارة، في حين نجد صاحب الطارة الثانية والطعريجة ينتصبان على الجهة اليمنى للشيخ، وحاملي الدفوف يشكلون صفا مستقيما، بخصوص الأغراض المغناة في رقصة دقة السيف فنجد الغزل والمدح، الهجاء، والرثاء، وتستعمل اللغة العامية أو الدارجة في الغالب للبساطة أما موضوع القصيدة المغناة فغالبا ما يكون حسب طبيعة الظروف، ففي الأعراس مثلا تكون غزلية وفي المناسبات الوطنية تتغنى الفرقة بقصائد وطنية وفي المواسم الدينية نجد الأمداح النبوية….

         إن هذه الرقصة تعد من الأشكال التي تعبر عن مختلف أطوار الوجود الاجتماعي الذي أفرزته، فهي تجسد آمال وآلام المجتمع لا للتسلية والمولاهاة، من هنا فهي تعبر عن واقعين واقع أصلي نابع من عمق الإنسان وواقعه المعاشي بأفراحه وأحزانه وواقع دخيل مفروض.

رقصة أقـلال

         تعد هذه الرقصة من بين الرقصات الدرعية الموغلة في القدم، حيث ترجع الرواية الشفوية في ظل غياب تاريخ مكتوب يخص هذا النوع، أصول أقلال إلى الأندلس، يمارس هذا النوع من طرف المجموعة التي تمارس دقة السيف، ويأتي في الغالب بعد الانتهاء من هذه الأخيرة رغم كونه مستقلا بذاته، لذا فهو بمثابة فن يختم دقة السيف، والفرق بينهما هوأن أقلال له قصائد طويلة، يتوسط المجموعة “الشيخ” الذي يلعب دائما دور المشرف والرئيس هو الذي يقوم بافتتاح الرقصة بمنوال “قصير على غرار ما نلاحظه في الملحون ليعطي فيما بعد الإشارة إلى باقي أعضاء المجموعة لترديد اللازمة (البيت الشعري الذي يقوم المشاركون بتردده بعد الشيخ)، ويرافق ذلك النقر على الطعريجة” والطارة في حين تغيب آلة الدف، أما الكصبة والعوادة فلا تظهر إلا في نهاية الرقصة بعد ذلك تبدأ المجموعة في التصفيق بالأيدي أو ما يسمى بالرش لفترة متقطعة حسب إشارة الشيخ.

         وتجدر الإشارة إلى أن الآلات المستعملة في أقلال هي نفسها المستعملة في دقة السيف ما عاد الدف والسيوف، وتتطرق هذه الرقصة كمثيلاتها لجل الأغراض المعروفة كالمدح، الهجاء، الرثاء، والتصوف وغيرها من الأغراض الأخرى وتتميز القصائد المغناة في الرقصة في الغالب بطولها.

الركبــة

         إلى جانب الفنون السالفة الذكر نجد فن الركبة من بين الفنون الشعبية التي تشتهر بما منطقة زاكورة، والركبة هي العضو الجسماني الذي يقوم بوظيفة المشي، وأثناء الرقص يعتمد الراقصون على هذا العضو حيث يتم ضرب الأرجل على الأرض أو ما يسمى محليا بالركيز، هذه الرقصة تتطلب رشاقة كبيرة حتى تتم بنجاح واتقان ويبقى الأصعب فيها هو أن الراقص أو المشارك عليه متابعة الحركات بانتباه، وتركيز وممارسة بالموازاة مع استعمال للأيد وضرب قوي على الطبل أو البندير.

         أما فيما يخص أداء الركبة فهي رقصة جماعية عبارة عن حركات رشيقة ومضبوطة يردد فيها الراقصون أشعار مغناه بالعامية، وتؤدى هذه الرقصة بمنطقة زاكورة من طرف الرجال وفي بعض الاحيان نجد مشاركة المرأة لانفتاح المنطقة على الوسط الحضري، أما غياب مشاركتها في بعض  الدواوير، فيرجع السبب في ذلك إلى سيادة التقاليد المانعة للاختلاط ، وهذا راجع بالأساس إلى الثقافة، فتبقى مشاركة النساء غير مسموح بها، بل يكتفين فقط بإصدار “الزغاريد” من مكان عالي، يسمح بأن ترى ولا ترى.

         أما زمان ومكان الركبة فعادة ما ترتبط بحفلات الأعراس وبعض المهرجانات الموسمية واستقبال الحجاج وتؤدى الرقصة نهارا في بعض الحالات، لكن المتداول والمعروف أنها تؤدى ليلا في الغالب خاصة بعد تناول العشاء.

         وتؤدى في الغالب في ساحة واسعة يصطلح عليها “الرحبة” وهي ساحة واسعة في الهواء الطلق تقام فيها الحفلات.

         إن هدا التنوع الثقافي هو ما يشكل الدعامة الاساسية لهدا المجتمع الزاكوري،وهو تنوع أصيل مند تاريخها، مما يؤدي إلى زرع قيم التعاون والتآزر بين سكانها، للمحافظة على هذا الإرث.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.