وأين ضمير الأستاذ يا.. أستاذ ؟ !
أن يحتكم القاضي إلى نداء الضمير، وتأتي أحكامه منصفة وخاضعة للمساطر القانونية.. تلكم لعمري قمة النزاهة، التي ظل ينشدها كل ذي حس وطني، غيور على مستقبل البلاد والعباد، تواق إلى التحرر من قيود الاضطهاد والاستعباد، وإلى إرساء أسس الديمقراطية وبناء صرح دولة الحق والقانون واحترام المؤسسات. وقد ازداد هامش الأمل اتساعا بقدوم حكومة السيد بنكيران، في أن يتحقق الحلم الجميل، بعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية الخطاب، وعن المثل القائل: “الفقيه اللي نتسناو بركتو دخل لجامع ببلغتو”، والفقيه في المتن الشعبي رجل ورع من حفظة القرآن، يرمز للطهرانية والإخلاص، ومن تم لا يجوز له الإتيان بالفاحشة سرا ولا علانية، ومهما تعاظمت وسائل الإغراء…
وفي هذا الإطار يندرج المربي، الذي كاد بالأمس القريب أن يكون رسولا، بالنظر إلى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه، ونبل الرسالة التربوية المنوط به حملها، فهو فضلا عن محاربة الجهل وتنوير العقول بالعلم والمعرفة، مدعو إلى أن يكون نموذجا يحتذى به في تجسيد أسمى القيم الإنسانية والأخلاقية. وغير مسموح له بالنهي عن خلق ويأتي بمثله أو بما هو أسوأ، فتنتقل العدوى إلى الأجيال الصاعدة من طلبته، ممن نراهن عليهم في خوض معركة الإصلاح بفلاح، باعتبارهم رافعة أساسية للتنمية البشرية المستدامة، ويجسدون سواعد الأمة القوية لتشييد حضارة المجتمع. إذ ليس من الوجاهة في شيء أن نشيح بأبصارنا ونشرئب برؤوسنا خارج دائرة عيوبنا، نحو ما يلوح من اختلالات وفساد، وأن نسارع إلى توجيه رسائل النصح والإرشاد لمن انعدمت ضمائرهم وننسى أنفسنا…
كفى تنظيرا وتضليلا، فالشعب يئس من تبادل التهم، وما عاد ينخدع بارتداء الأقنعة الكرتونية، وتقمص أدوار البطولة في مسرحيات هزيلة، تثير الامتعاض والاشمئزاز. وقبل أن يمتشق “المصلح” قلمه لمناهضة الفساد، والحديث عن ضمير القاضي في الصحف، وتأييد جمعيات حقوقية تسعى إلى نشر بعض الأحكام القضائية المعيبة والتعليق عليها، يلزمه الحرص على إبراء ذمته وتطهيرها من كل دنس ممكن ، إذا ما أراد الحفاظ على مصداقيته ومضامين خطبه العصماء، ومن تم سيجدنا نناضل إلى جانبه، نناصره في مسعاه، ونطالب ليس فقط بالتشهير بالمفسدين، وإنما بجرهم إلى المحاكمة للعبرة والدرس…
فالأصعب والأعقد، هو أن يصدمك يوما من كنت تكن له كامل الاحترام، وتكاد تنأى بنفسك أن تشك في نزاهته، لما تراه عليه من رجاحة عقل ورباطة جأش دائمين، ويتسم به من سعة الأفق الفكري، وانخراطه المتواصل في إثراء الحياة السياسية والثقافية بمداخلاته، سواء في الندوات والملتقيات أو من خلال كتاباته في المواقع الإلكترونية والجرائد الورقية. علاوة على مركزه الاعتباري كأستاذ جامعي، وعضو الأمانة العامة لحزب سياسي ذي مرجعية إسلامية، مافتئ أمينه العام منذ اعتلائه كرسي رئاسة الحكومة، يقيم الدنيا ولا يقعدها حول الإصلاح، والتصدي لكل مظاهر الانحراف، والقطع مع ثقافة “باك صاحبي” الرديئة والراسخة في أذهان ضعاف النفوس.. وصدق من قال: “المظاهر كثيرا ما تكون خادعة” وهي حقيقة أثبتتها الأيام. لقد ساءني كثيرا أن أعلم من مصادر عليمة كبقية “المغفلين”، أن من خلته بالأمس صادقا وحاميا للدين، ومن كبار المتقين الساعين إلى تغيير المناكر، المنتقدين للانتهازية وأساليب التدليس والمحسوبية، ومن الذين يحرمون على أنفسهم “الترامي” على حقوق الغير، قد تم اكتشافه في وضعية تلبس واضحة وفاضحة، بتنقيله من جامعته الأصلية بطنجة إلى الرباط خارج الضوابط القانونية، المنصوص عليها في الحركة الوطنية والجهوية، ودون مصادقة اللجنة العلمية للشعبة، بمباركة من السيد: لحسن الداودي وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، زميله بنفس الحزب الأغلبي وال”هدية من الله” كما قال أمينه العام سيادة بنكيران. ألم يتساءل كيف سينظر إليه طلبته في زمن أصبح فيه العالم قرية صغيرة، ولم تعد المعلومة تخفى على أحد. أهذه هي الحكامة الجيدة التي يدعون إلى غرس بذورها في مؤسساتنا؟
ليست وحدها المنظومة القضائية، من تستدعي خوض معركة قوية للإصلاح وصحوة ضمائر المنتسبين إليها كانوا قضاة أو غيرهم، فضمائرنا جميعا في كل القطاعات للأسف الشديد صارت معطوبة، وأصابها الوهن والصدأ، بفعل الارتهان إلى ثقافة بئيسة وإدارة الشأن العام بعقليات متكلسة، وما عادت كرامات الفقهاء ولا وصفات الأخصائيين والأطباء، قادرة على التدخل للإسعاف، طالما بقيت الإرادة السياسية مغمى عليها في غرف إنعاش غير معقمة.. ووحده التاريخ كفيل بالكشف عن المزيد من الفضائح !