المغرب يخلد ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال..حدث نوعي في ملحمة الكفاح الوطني

0 377

يخلد الشعب المغربي و معه أسرة الحركة الوطنية و المقاومة وجيش التحرير اليوم الثلاثاء، الذكرى الـ 78 لتقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال، التي تعد حدثا جيليا و نوعيا في ملحمة الكفاح الوطني من أجل الحرية، الإستقلال، تحقيق السيادة الوطنية و الوحدة الترابية.

حيث أبرزت المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير بالمناسبة، أن هذه الذكرى التي يتم تخليدها في أجواء التعبئة الوطنية الشاملة تحت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس، و تحتفظ بها الذاكرة التاريخية الوطنية، تستحضر الناشئة والأجيال الجديدة دلالاتها، معانيها العميقة و أبعادها الوطنية التي جسدت سمو الوعي الوطني و قوة التحام العرش بالشعب دفاعا عن المقدسات الدينية، الثوابت الوطنية و إستشرافا لآفاق المستقبل، تعد من أغلى و أعز الذكريات المجيدة في ملحمة الكفاح الوطني من أجل الحرية و الإستقلال، تحقيق السيادة الوطنية و الوحدة الترابية.

كما تشكل ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال في 11 يناير 1944 حدثا تاريخيا بارزا و راسخا في ذاكرة كل المغاربة، يحتفي بها المغاربة وفاء و برورا برجالات الحركة الوطنية، المقاومة و جيش التحرير، و تخليدا للبطولات العظيمة التي صنعها أبناء هذا الوطن بروح وطنية عالية و بإيمان عميق، بقناعة بوجاهة و عدالة قضيتهم في تحرير الوطن، مضحين بالغالي و النفيس في سبيل الخلاص من نير الاستعمار، صون العزة و الكرامة.

لقد وقف المغرب عبر تاريخه العريق بعزم و إصرار في مواجهة أطماع الطامعين مدافعا عن وجوده، مقوماته، هويته و وحدته، و لم يدخر جهدا في سبيل صيانة وحدته و تحمل جسيم التضحيات في مواجهة المحتل الأجنبي الذي جثم على التراب الوطني منذ بدايات القرن الماضي، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ توزعت بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب، الحماية الإسبانية بالشمال و الوضع الاستعماري بالأقاليم الجنوبية، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي.

هذا الوضع المتسم بالتجزئة، التفتيت و التقسيم للتراب الوطني، هو ما جعل مهمة التحرير الوطني صعبة و عسيرة، بذل العرش و الشعب في سبيلها جسيم التضحيات في سياق كفاح متواصل طويل الأمد، متعدد الأشكال، الصيغ لتحقيق الحرية و الخلاص من نير المستعمر في تعدد ألوانه و صوره. فمن الإنتفاضات الشعبية إلى خوض المعارك الضارية بالأطلس المتوسط، بالشمال و الجنوب، إلى مراحل النضال السياسي كمناهضة ما سمي بالظهير الإستعماري التمييزي في 16 ماي 1930، تقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحيـة و المستعجلـة في 1934 و 1936، فتقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال في 11 يناير 1944.

و عبر هذه المراحل التاريخية، عمل أب الأمة، بطل التحرير و الإستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه على إذكاء جذوتها، بلورة توجهاتها و أهدافها منذ توليه عرش أسلافه المنعمين يوم 18 نونبر 1927، حيث جسد الملك المجاهد رمز المقاومة و الفداء قناعة شعبه في التحرير و إرادته في الإستقلال، معبرا في خطاباته التاريخية عن مطالب الشعب المغربي في الحرية، الإستقلال، تمسك المغرب بمقوماته، ثوابته الأصيلة و الأثيلة، متحديا كل محاولات طمس الهوية الوطنية و الشخصية المغربية.

لقد تواصلت مسيرة الكفاح الوطني بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه الذي إغتنم فرصة إنعقاد مؤتمر آنفا التاريخي في شهر يناير 1943 لطرح قضية إستقلال المغرب و إنهاء نظام الحماية، مذكرا بالجهود و المساعي الحثيثة التي بذلها المغرب من أجل مساندة الحلفاء في حربهم ضد النازية و في سبيل تحرير أوروبا من الغزو النازي، و هذا ما أيده الرئيس الأمريكي آنذاك “فرانكلان روزفلت” الذي إعتبر أن طموح المغرب لنيل إستقلاله، إستعادة حريته طموح معقول و مشروع.

و إنسجاما مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، حدث تحول نوعي في طبيعة و مضامين المطالب المغربية بحيث إنتقلت من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالإستقلال، مما كان له بالغ الأثر على مسار العلاقات بين سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية بينها و بين الحركة الوطنية التي كان بطل التحرير و الإستقلال و المقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه رائدا لها، موجها و ملهما لمسارها بإيمان عميق، عزيمة راسخة، ثبات على المبادئ و الخيارات الوطنية.

في هذا السياق، تكثفت الإتصالات، اللقاءات بين القصر الملكي، الزعماء و القادة الوطنيين من طلائع الحركة الوطنية، المقاومة و جيش التحرير، فيما برزت في الأفق فكرة تقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال بإيحاء من جلالة المغفور له محمد الخامس، ثم شرع الوطنيون في إعداد الوثيقة التاريخية بتنسيق محكم مع جلالته و توافق على مضمونها.

فكان طيب الله مثواه يشير عليهم بما تمليه حنكته السياسية من أفكار ، توجهات كفيلة بإغناء الوثيقة التاريخية، الحرص على تمثيلها لكافة الفئات، الشرائح الإجتماعية و أطياف المشهد السياسي في البلاد، حيث تم تقديمها بعد صياغتها النهائية إلى الإقامة العامة، فيما سلمت نسخ منها للقنصليات العامة للولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا، كما أرسلت نسخة منها إلى ممثلية الإتحاد السوفياتي آنذاك.

تضمنت وثيقة المطالبة بالإستقلال جملة من المطالب السياسية و المهام النضالية، تمثلت في شقين؛ الأول يتعلق بالسياسة العامة و ما يهم إستقلال المغرب تحت قيادة ملك البلاد الشرعي سيدي محمد بن يوسف، السعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الإستقلال، إنضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنطي (الأطلسي) و المشاركة في مؤتمر الصلح، أما الثاني فيخص السياسة الداخلية عبر الرعاية الملكية لحركة الإصلاح و إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية و الإسلامية بالشرق تحفظ فيه حقوق و واجبات كافة فئات و شرائح الشعب المغربي.

كانت وثيقة المطالبة بالإستقلال في سياقها التاريخي و الظرفية التي صدرت فيها، ثورة وطنية بكل المعاني، المقاييس عكست وعي المغاربة و نضجهم وأعطت الدليل و البرهان على قدرتهم و إرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة و تقرير مصيرهم و تدبير شؤونهم بأنفسهم و عدم رضوخهم لإرادة المستعمر و إصرارهم على مواصلة مسيرة النضال التي تواصلت فصولها بعزم و إصرار في مواجهة النفوذ الأجنبي إلى أن تحقق النصر المبين بفضل ملحمة العرش و الشعب المجيدة.

أبرزت المندوبية السامية أن “أسرة الحركة الوطنية، المقاومة و جيش التحرير، و هي تستحضر بفخر و إكبار هذه الملحمة التاريخية الغنية بالدروس، العبر، الطافحة بالمعاني و القيم، تجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية و مغربية الأقاليم الصحراوية المسترجعة، تؤكد وقوفها ضد مناورات خصوم وحدتنا الترابية و مخططات المتربصين بسيادة المغرب على كامل ترابه المقدس الذي لا تنازل و لا مساومة في شبر منه”، مشددة على أن المملكة “ستظل متمسكة بروابط الإخاء، التعاون، حسن الجوار و السعي في إتجاه بناء الصرح المغاربي و تحقيق وحدة شعوبه، إيمانا منها بضرورة إيجاد حل سلمي واقعي و متفاوض عليه لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية. و في هذا النطاق، تندرج مبادرة منح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية في ظل السيادة المغربية”.

و هو ما أكده جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، حيث قال جلالته : “إن قضية الصحراء هي جوهر الوحدة الوطنية للمملكة. و هي قضية كل المغاربة. و هو ما يقتضي من الجميع، كل من موقعه، مواصلة التعبئة و اليقظة، للدفاع عن الوحدة الوطنية، الترابية، تعزيز المنجزات التنموية و السياسية، التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية. و ذلك خير وفاء لقسم المسيرة الخالد، لروح مبدعها، والدنا المنعم، الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، كافة شهداء الوطن الأبرار. و نغتنم هذه المناسبة، لنعبر لشعوبنا المغاربية الخمسة، عن متمنياتنا الصادقة، بالمزيد من التقدم و الإزدهار، في ظل الوحدة و الإستقرار”.

بهذه المناسبة المجيدة، سطرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير برنامجا للأنشطة و الفعاليات المخلدة لهذه الذكرى، شمل تنظيم لقاء فكري و حفل فني، يوم الجمعة المنصرم بمدينة مكناس، إضافة إلى مهرجان خطابي و حفل تربوي بقاعة المؤتمرات حمرية التابعة لجماعة مكناس.

كما يشمل البرنامج تنظيم مهرجان خطابي، اليوم الثلاثاء بمقر المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير بالرباط على الساعة الحادية عشرة و النصف صباحا، و كذا تنظيم ندوة فكرية، يوم الجمعة المقبل، في موضوع “دكالة-العونات : تاريخ وتراث”، بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة و التحرير بالجديدة على الساعة الرابعة عصرا.

سيتم بالمناسبة نفسها، تنظيم برامج أنشطة، فعاليات تربوية، ثقافية و تواصلية مع الذاكرة التاريخية بسائر النيابات الجهوية، الإقليمية، المكاتب المحلية، فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة و التحرير عبر التراب الوطني و تعدادها 97 وحدة/فضاء، بتنسيق و شراكة مع القطاعات الحكومية، المؤسسات العمومية، الهيآت المنتخبة، الجمعيات و منظمات المجتمع المدني، على إمتداد الفترة من 3 يناير إلى 31 منه، تزامنا مع ذكرى أحداث 29، 30 و 31 يناير 1944.

شددت المندوبية على أن التظاهرات المخلدة لهذه الذكرى ستتم في تقيد و إلتزام بضوابط، قواعد التباعد الإجتماعي، التدابير الإحترازية و السلامة الصحية التي توصي بها التوجيهات الحكومية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.