وأخيرا رقص القلب فرحا بفرسان زاكورة

1 866

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلوات الطيبات الزكيات على سيدنا محمد الذي جعل العلم طريقا إلى الجنات، ورضي الله عن الصحب الذين تعلموا العلم حتى وصلوا إلى أعلى الدرجات.

        وبعد؛

إنها لفرحة كبيرة وسعادة غامرة تلك التي عاشها اليوم إقليم زاكورة، بعد أن أكمل الله لنا الفرحة بنجاح عدد كبير من تلاميذ الإقليم في مستوى الثانية باكالوريا، وحصول المديرية الإقليمية بزاكورة على المرتبة الأولى على صعيد أكاديمية درعة تافيلالت، إذ كانت نسبة النجاح في مجموع الدورتين %71.35(حسب بلاغ  رقم21للأكاديمية ).

لا مرية ولا شك أنه إنجاز تاريخي بكل المقاييس، فلله الحمد والمنة، وهنيئا لكم أيها الأبطال، فقد شرفتم إقليمكم ورفعتم رأسه شامخا، ولو أن مقالتي تتسع لضمنتها عبارات الثناء لكل واحد منكم فردا فردا، ولوزعتها على آبائكم بيتا بيتا، وألصقتها في أزقة الإقليم زنقة زنقة…..

وإن من الدروس المهمة ـ وما أكثرها ـ المستفادة من هذا الإنجاز الرائع ما يأتي:

 ـ إن العزيمة القوية و الرغبة الصادقة و العمل الجاد، كل ذلك يجعل المستحيل ممكنا، وهذا يذكرني بما كان يفعله “نابليون” مع جنوده فقد سُئِل كيف وَلَّدْت الثقة في جنودك فقال كنت: أرد ثلاثا بثلاث:” فمن قال: لا أقدر قلت له: حاول، ومن قال: لا أعرف قلت له: تعلم، ومن قال مستحيل قلت له جرب.”، ولذلك أوجه رسالة إلى  جميع تلاميذ السلك الابتدائي والإعدادي والتأهيلي: إياك أن تفقد الأمل مهما كان مستواك الدراسي، فخذ العبرة من بعض من نجح هذه السنة، فمستوى بعضهم لم يكن في الماضي جيدا، ونقط الامتحان الجهوي لجلهم ليست حسنة، لكن البطل يبقى بطلا، والفارس ليس في قاموسه اليأس و المستحيل.

ـ التلميذ الفطن الذكي الألمعي هو من يتفكر في العواقب  قبل وقوعها، فهب وتصور لو أنك لم تنجح هذه السنة، كم ستجد من حرج كبير و ربما ستدخل الغم و الهم على أسرته، فحاول ـ أيها التلميذ ـ دائما أن تتذكر هذه اللحظة، كلما رأيت من نفسك تكاسلا قل لها: ويحك يا نفس احرصي على الجد و العمل، لأن وراءك أماً حنونا لا تنام عيناها إلا حين تسمع خبرا سارا عن ولدها، وأباً يواصل ليله بنهاره ليوفر لك ظروف العلم، فالله الله رفقا بالآباء فإن آمالهم في أبنائهم لا حدود لها، لا يصفها الواصفون.

ولا أنسى أن أقدم تحية خاصة لكل من كان له اليد في هذا الإنجاز، وخاصة نساء ورجال التعليم بالإقليم، وعلى وجه التحديد أطر الإقليم الذين لا يبخلون دائما بتوجيهاتهم و نصائحهم، وما يقمون به من أنشطة تربوية ـ داخل بعض الجمعيات ـ لَهي أكبر حافز على تحقيق هاته النتائج، فمزيدا من العطاء أيها الكرام فأنتم أهل لكل خير وفضل.

ـ الشدائد و الصعوبات لا تزيد الأبطال إلا اجتهادا واستطلاعا لغد أفضل، فالإقليم رغم كل المجهودات المبذولة من طرف الدولة و جمعيات المجتمع المدني يبقى مهمشا، ويظل دائما ضمن دائرة المغرب غير النافع، أضف إلى ذلك الظروف المناخية الصعبة التي يجتاز فيها التلاميذ الامتحانات، وقديما قيل: من المحن تأتي المنح.

واسمحوا لي أيها الطلبة الأعزاء أن أهمس في آذانكم بعض النصائح التي حضرتني الأن، وأظنها من الأهمية بمكان لأجل حاضركم ومستقبلكم وأجملها في ما يأتي:

ـ إن الحصول على شهادة الباكالوريا ما هو إلا بداية الطريق، فاعلم رعاك الله أنك في بداية المسار، وحاول أن تضع لنفسك هدفا أو أهدافا تريد أن تحققها، وبعد ذلك ضع لها برامج ومخططات للوصول إليها.

 ولأني لا أريد أن أفسد الفرحة بأي إشارة قد تجرح البعض، إلا أنه أرى من واجب النصيحة أن أقول: إن من خلال الاحتكاك اليومي ببعض التلاميذ يظهر لي أنهم في حاجة كبيرة إلى التكوين العلمي الرصين(وهذه الحقيقة أوجهها لنفسي أيضا فكلنا نحتاج إلى ذاك التكوين)، فالشهادة لا تعبر دائما عن مستوى الطالب، فاعمل أن يكون مستواك العلمي يوافق قدر شهادتك، ولمن رأى و آنس من نفسه نقصا، فلا يحزن فالوقت أمامه، ما عليه إلا إدمان الكتب و المطالعة و سيجد النتائج تترى بعد حين، والسلك الجامعي فرصة لذلك فحاول أن تستغلها سلمك الله من كل سوء.

ـ احرص أن تختار الشعبة أو المسلك و المدرسة التي تناسب مستواك وميولاتك الشخصية، ومن المفيد لك أن تستشير من سبقك وتستخير الله تعالى، واختر ما ترى أنك ستكون فيه الأول دراية و علما وتحصيلا لنقط أولى، فستعلم بعد حين أن الحصول على نقط عالية ـ في أي شعبة وليت وجهك لها ـ أمر مهم، سيسهل عليك النجاح في المستقبل، وسيختصر عليك الطريق.

ـ لازم تقوى الله في كل الأحوال، فالتقوى حارس لا ينام، والمعين بعد الله على تحصيل العلم، قال تعالى:” واتقوا الله ويعلمكم الله”[البقرة:282]، وقال الإمام مالك رحمه الله للإمام الشافعي: إني أرى أن الله قذف في قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية، وقال الشافعي:

     شكوت إلى وكيع سوء حفظي         فأرشدني إلى ترك المعاصي

    وقال لي إن العلــــــــــم نور            ونور الله لا يهدى لعاصي.

ـ ينبغي للطالب أن يحرص على استغلال أوقاته بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، وهجر وترك كل ما يمكن أن يشغله عن تحقيق أهدافه، ولا يفوتني ههنا أن أنبه إخواني إلى ضرورة التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة بحذر شديد خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، فكم أردت من طالب علم قتيلا، وكم أفسدت من عابد فأرجعته فاجرا، وكم ألهت من مُجد حريص حتى بات يقضي جل أوقاته فيما لا فائدة من ورائه، فالحذر الحذر.

 بالله عليكم أيها الفضلاء ماذا ننتظر من طالب علم يقضي أغلب وقته أمام هاته الوسائل؟ وماذا يتبقى له من وقت للقيام بواجبه تجاه ربه و نفسه و أسرته؟ وهل سيبقى له وقت لقراءة الكتب وحفظ العلوم؟ وهل مَنْ هذا شأنه يمكن يبني مجدا أو أن يحصل معرفة؟

 ولعله أن يجيئك في مقال أخر مُستقل ـ بحول الله ـ ما تقر به عينك من تفصيل ما أجملته في موضوع تأثير وسائل الإعلام على الفرد و المجتمع.

ـ الحرص على علو الهمة وعدم الرضا بالدون، فالراضي بالدون دنيء، قال تعالى: “يا يحيى خذ الكتاب بقوة” [سورة مريم:12]، فالطالب ينبغي أن يكون عالي الهمة  في العلم و العمل مهما أمكنه ذلك، يقول ابن الجوزي: مَن أعمل فكره الصافي دله على طلب أشرف المقامات ونهاه عن الرضا بالنقص في كل حال، و قد قال أبو الطيب المتنبي:

          ولم أر في عيوب الناس عيبا       كنقص القادرين على التمام 

فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه….” صيد الخاطر لابن الجوزي ص132

ـ مراعاة التدرج في العلوم، والتركيز على الأهم وعدم القفز على المراحل، و العمل على التأصيل العلمي الرصين، فعلى سبيل المثال: الطالب الذي يريد أن يتجه إلى شعبة الدراسات الإسلامية يناسبه في هذه المرحلة أن يكون لديه نصيب من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكل العلوم المساعدة على فهمهما مثل علوم اللغة العربية و أصول الفقه….

ـ اعلم رحمك الله وأنت تشق طريقك إلى المجد و العلى، قد تعترضك صعوبات مادية ومعنوية فإياك أن تستسلم أو أن تضعف ، وواجهها بالصبر فبه يرتفع القدر، وليس سرا ـ أيها الفارس المغوارـ أن أغلب أطر إقليمنا الحبيب من مهندسين وأساتذة و….وغيرهم من الفئات، كلهم مروا بظروف صعبة، وأحسنهم حالا من كان يشتغل في التجارة صباحا ليوفر ما يواصل به الدراسة في المساء.

ـ حاول أن تتعامل مع جميع الناس بأخلاق حسنة فهي مفتاح كل خير، فأستاذك في الكلية بالغ في احترامه، اعتبره أبا ثانيا لك قبل أن يكون أستاذك ومعلمك الخير، واحذر أن تكون ممن قيل فيهم:

       أعلمه الرماية كل يـــــــــوم ……..         فلما استد ساعده رمانـــي

      وكم علمته نظم القوافـــــــــــي  ……..       فلما قال قافية هجانــــــي

وزميلك في السكن بادر إلى خدمته، واجتنب أن تكون ثقيلا على أصدقائك، واصبر على أذاهم.

ـ احذر من المثبطين و الذين شغلهم الشاغل هو الترويج لأقوال تحط من الهمم و تقنط من رحمة الله وفضله، وما أكثر الأقوال التي تردد مثل: المغرب بلد ليس فيه المساواة  ـ مهما درست فإن مصيرك مثل فلان الذي ضيع عمره في الدراسة و هو الأن يشتغل في ورش للبناء….كل ذلك وغيره كثير ستسمعه منهم فاحذرهم أن يفتنونك عما أنعم الله عليك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ “أخرجه مسلم.

هذا ما يسر الله جمعه وأمكن لمه وسمح المقام بتدوينه، وإلا فإن الإنجاز و الموضوع يحتاج إلى مزيد عناية وحسبي أن أفتح نافذة لباقي المهتمين لتقديم النصح والتجارب لما فيه الصالح العام.

وكتبه أحمد عبد الصادق يوم الخميس 16شوال /1437، الموافق لـ21يوليوز 2016 

تعليق 1
  1. ابن مبارك التمكروتي يقول

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخي الفاضل، سليل الأسرة العلمية بتمكروت، الأستاذ المقتدر أحمد عبد الصادق، قرأت ما زبرته يمناك، فوجدته نابعا من القلب، مستخلصا للتجارب، مقدما للدواء قبل الداء، فشكر الله سعيك، وأنار في طريق العلم دربك، وكنت أخي قد كتبت وصية مختصرة في التاريخ نفسه، توجهت بها إلى أخي هشام، الذي اجتاز الامتحان بنجاح بفضل الله، وإن كنت خصصت بها أخي لفظا فقد توجهت بها إلى كل الناجحين عامة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.