واحات درعة تجني ثمار التنزيل الموفق للرؤية الإستراتيجية لمخطط المغرب الأخضر
عانت واحات النخيل في حوض درعة خلال العقود الأخيرة من موجات متتالية من الجفاف أثرت بشكل سلبي كبير على هذا الثروة النباتية،حيث اتخذ هذا التأثير السلبي تجليات شتى شملت على الخصوص المجال الاقتصادي والاجتماعي و البيئي والديمغرافي، الشيء الذي جعل العديد من الأصوات تتعالى من أجل ضرورة التدخل لإنقاذ هذا الموروث الوطني الطبيعي من الاندثار،والحد من الأخطار المختلفة المحدقة به.
فالمجال الواحاتي شكل منذ القديم منظومة سوسيواقتصادية وبيئية لعبت دورا كبيرا في استقرار السكان بالجنوب الشرقي للمملكة،كما شكل حاجزا منيعا أمام زحف التصحر، ومن تم اكتسب هذا المجال الترابي مشروعية وضرورة إنقاذه من الاندثار،والرقي به ليضطلع بدور ريادي في التنمية المستدامة في هذه الرقعة الجغرافية من التراب الوطني.
ويتضح من خلال استقصاء آراء ومواقف بعض الجهات الفاعلة في الدينامية السوسيواقتصادية بواحات درعة، أن المقاربات التي اعتمدت فيما مضى لمواجهة مشاكل المجال الواحاتي بقيت محدودة الأثر،خاصة في الشق المتعلق منها بالدعم الموسمي المقدم للمتضررين من الجفاف،وهذا ما عبر عنه حليم السباعي رئيس”جمعية الزايلة للتنمية والمحافظة على البيئة” في امحاميد الغزلان (إقليم زاكورة)،والذي يعتبر أن الضرر التي تعرضت له واحات النخيل على صعيد إقليم زاكورة خلال سنين متتالية ذو طبيعة هيكلية، ويستلزم اتخاذ مبادرات ذات طابع شمولي وعميق.
وأكد السباعي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء،أن الجهود المبذولة من طرف فلاحي حوض درعة للحفاظ على واحات النخيل بصفتها مورد رزقهم،بقيت بدورها محدودة الأثر،مشيرا إلى أن بعض المزارعين من محدودي الدخل، اضطروا في بعض الأحيان،بسبب العوز المادي،إلى اجتثاث أشجار النخيل المثمر خلسة، قصد بيعها لشبكات تخصصت في تسويق هذه الثروة النباتية في أوساط بعض المقاولين الذين يتعاطون لتشييد الفنادق المصنفة، والإقامات السكنية الفاخرة في مناطق مختلفة من المغرب.
غير أنه بالموازاة مع تعاظم المخاطر التي تهدد هذه الثروة النباتية الوطنية، تنامى الوعي أيضا بالمؤهلات الضخمة التي تكتنزها مناطق الواحات في المغرب،ومن ضمنها واحات درعة، مما جعل التفكير يتجه نحو بلورة تصور براغماتي جديد يرتكز على جعل شجرة النخيل تضطلع بدورها التاريخي المتمثل بالخصوص في المساعدة على استقرارعشرات الآلاف من السكان في مناطقهم الأصلية،وبالتالي في الحفاظ على نمط العمارة المحلية المعروفة ب”القصبات” أو “القصور” التي تجاوزت قيمتها الحضارية الحدود الوطنية ليتم تصنيف البعض منها من طرف منظمة ال”يونسكو” تراثا للإنسانية.
ولا تتوقف هذه الرؤية الجديدة في التعامل مع واحات النخيل عند هذا الحد،خاصة في شقها الاقتصادي، حيث تتجاوز تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي لسكان المنطقة، كما تتعدى تزويد السوق الوطنية بجزء هام من حاجياتها من الثمور، لترقى إلى إحداث تحول جذري في نمط الإنتاج المعتمد في زراعة نخيل الثمور.وهذا ما بدأت تجلياته تطفو على الواقع بعد سنوات معدودة من الشروع في تنزيل الرؤية الإستراتيجية لمخطط المغرب الأخضر،في دعامته الثانية، الخاصة بالفلاحة التضامنية والتي تشكل زراعة نخيل الثمور إحدى مكوناتها.
وقد كشف وزير الفلاحة والصيد البحري،السيد عزيز أخنوش،عن جانب من هذه الرؤية الإستراتيجية،في الكلمة التي افتتح بها أشغال “المنتدى الدولي الثالث للواحات والتنمية المستدامة”الذي انعقد في مدينة زاكورة من 18 إلى21 دجنبر 2014، حيث أشار إلى أن إقليم زاكورة كان نصيبه من المخطط الفلاحي الجهوي لجهة سوس ماسة درعة ثلاثة مشاريع تهم سلسلة النخيل، وخصص لها غلاف مالي بقيمة 463 مليون درهم.
وأوضح السيد أخنوش أن هذه المشاريع ترمي إلى”معالجة جل الإكراهات التي تعوق تنمية سلسلة النخيل لاسيما عقلنة استعمال الموارد المائية، وحماية الأراضي من الفيضانات، وإعادة إعمار الواحات وهيكلتها، وذلك من خلال برنامج يشمل بالخصوص توزيع حوالي 513.000 فسيلة نخل، وتنقية 112.000عش نخيل”.
كما تهدف هذه المشاريع يضيف الوزير إلى”الرفع من إنتاجية الثمور وجودتها ببرمجة 12 وحدة لتبريد وتخزين الثمور بطاقة استيعابية تناهز 2400 طن”. مسجلا أن”العنصر البشري حظي بعناية تامة من أجل بلوغ الأهداف المسطرة بهذا الخصوص،وذلك إيمانا بالدور الحاسم للموارد البشرية في تفعيل المشاريع التنموية”.
ولم تكن مشاريع المخطط الجهوي للمغرب الأخضر هي الوحيدة التي أطلقت من أجل إحداث نقلة نوعية في الدينامية الاقتصادية المرتبطة باستغلال الإمكانيات الطبيعية والبشرية المتوفرة في واحات درعة. بل كان لهذا المجال الجغرافي أيضا حظ من الاستفادة من المشاريع المبرمجة في إطار” الإستراتيجية المندمجة لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان” التي قدمت محاورها أمام جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 4 أكتوبر 2013 في مدينة الرشيدية، حيث تتضمن هذه الإستراتيجية 45 برنامجا،رصدت له استثمارات مالية بقيمة 92 مليار درهم.
كما استفادت واحات النخيل في إقليم زاكورة من برنامج التهيئة الهيدروفلاحية لمشروع”زراعة الأشجار المثمرة” الممول من طرف حساب تحدي الألفية بالمغرب، والذي يصل الغلاف المالي المخصص له9 ر300 مليون دولار،ويهم 6 مدارات سقوية، تغطي مساحة إجمالية تقدر بحوالي18 ألف هكتار، تتوزع على خمسة أقاليم من ضمنها زاكورة التي شهدت حفل التوقيع على أربع اتفاقيات خاصة بهذا المشروع في شهر فبراير 2010، وذلك بحضور كل من وزير الفلاحة والصيد البحري ، وسفير الولايات المتحدة السابق في الرباط صامويل كابلان.
وكان للمشاريع المدرجة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بدورها نصيب في الدفع بالوثيرة التنموية غير المسبوقة التي تعرفها واحات درعة، حيث تشير المعطيات الصادرة عن قسم العمل الاجتماعي التابع لإقليم زاكورة إلى أنه تم تخصيص غلاف مالي بقيمة 30,22 مليون درهم لمواكبة ودعم مجموعة من المشاريع المرتبطة بالقطاع الفلاحي في هذا الإقليم حتى متم سنة 2014،وتخص هذه المشاريع بالأساس استصلاح وترميم السواقي والسدود التحويلية والجدران الوقائية،إلى جانب اقتناء مجموعة من الآليات والتجهيزات الفلاحية.
وبالوقوف على حصيلة تنفيذ مخطط المغرب الأخضر على صعيد إقليم زاكورة(حوض درعة)،الذي تتواجد به أربعة من أهم واحات النخيل على الصعيد الوطني(كتاوة ،وترناتة، وفزواطة، وامحاميد الغزلان)، والتي تجود بأكثر من 40 في المائة من إنتاج المغرب من الثمور،فإن المعطيات الصادرة عن المكتب الجهوي للإسثتمار الفلاحي لورزازات،الذي يخضع المجال الترابي لإقليم زاكورة لتدخله،تشير إلى أن الإنجازات المالية الخاصة بمشاريع تنمية سلسلة الثمور في واحات هذا الإقليم وصلت نسبة 85 في المائة،عند متم سنة 2014.
وتتجسد هذه الإنجازات على الخصوص في استثمار مبالغ مالية بقيمة 226 مليون درهم لإنجاز مشاريع تهم الإعداد الهيدروفيلاحي، مما مكن من إعادة تأهيل 6 سدود تحويلية،واستصلاح شبكة الري على طول 99 كيلومتر، وبناء سدين باطنيين،إضافة إلى تأهيل المسالك الفلاحية على طول 100 كيلومتر.
وبلغت المساحات الزراعية المعنية بهذه المشاريع الهيدروفلاحية 28 ألف هكتار، موزعة على مناطق مختلفة من إقليم زاكورة. بينما وصل عدد المستفيدين منها من الفلاحين 59 ألف شخص، ينضوون في إطار 6 فيدراليات مهنية.
ومن جملة هذه الإنجازات أيضا التي تم حصرها مع نهاية سنة 2014،هناك توزيع 236 ألف فسيلة قصد تكثيف زراعة نخيل الثمور ذي الجودة العالية.ومنح الفلاحين مجموعة من المعدات الموجهة لتحسين وصيانة جودة المنتوج، وإنجاز 6 منشآت فنية، وتنقية 94 ألفا و 600 من أعشاش النخيل،إلى جانب إنجاز 9 وحدات لتثمين وتخزين منتوج الثمور،وذلك من مجموع 12 وحدة مبرمجة في إطار مخطط المغرب الأخضر الجهوي،حيث يصل مجموع الطاقة التخزينية للوحدات المبرمجة في إقليم زاكورة 2380 طنا.
وفي السياق ذاته،انتقلت المساحات الزراعية المشمولة بتقنيات الري بالتنقيط إلى 4250 هكتار نهاية 2014، بينما كانت في حدود 171 هكتارا سنة 2008.( كما انتقلت المساحات المشمولة بالري بالتنقيط في مجموع منطقة تدخل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات التي تشمل أقاليم ورزازات وزاكورة وتنغير وطاطا،إضافة إلى منطقة زراعة الزعفران في دائرة تالوين بإقليم تارودانت مع متم سنة 2014، إلى 9 آلاف هكتار، بينما كانت هذه المساحات في حدود 490 هكتارا سنة 2008).
ويبدو أن ما تحقق لحد الآن من مكاسب لفائدة تنمية سلسلة إنتاج الثمور في إقليم زاكورة ضمن الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر،كفيل بأن يعطي مؤشرا إيجابيا حول إمكانية الوصول إلى تحقيق الأهداف المسطرة بالكامل ضمن هذا المخطط في أفق سنة 2017، والمتمثلة في الوصول إلى الرفع من كمية إنتاج الثمور من 45 ألف طن حاليا( 47 في المائة من الإنتاج الوطني)، لتصل إلى 58 ألف طن، فضلا عن خلق فرص شغل تصل في المجموع 600 ألف يوم عمل. وربما قد يتم تجاوز كميات الإنتاج المسطرة،بالنظر للإقبال المنقطع النظير على زراعة فسائل النخيل من الأصناف ذات الجودة العالية، والمقاومة لمرض البيوض،سواء داخل الواحات،أو خارجها.
ولا تقتصر هذه الدينامية السوسيواقتصادية غير المسبوقة على واحات درعة (إقليم زاكورة)،بل تمتد لتشمل واحات نخيل الثمور في مناطق أخرى من المملكة، خاصة منها واحات منطقة تافيلالت،مما ينبأ مستقبلا بإمكانية إعادة النظر في إدراج سلسلة إنتاج الثمور ضمن مكونات الفلاحة التضامنية التي تشكل الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر،وجعل هذه السلسة من ضمن المكونات الأساسية للفلاحة المغربية العصرية (الدعامة الأولى لمخطط المغرب الأخضر) التي لها من مقومات الجودة ما يجعلها تتوفر على قدرة تنافسية قوية على صعيد الأسواق الخارجية.
اعمال تستحق التنويه