ثورة مصرالثانية..
كلنا تابعنا على شاشات الفضائيات المختلفة الامواج البشرية الهائلة التي ضاقت بها ميادين المدن المصرية بما فيها المدن المحسوبة على الاخوان .أمواج بشرية هائلة بالملايين اذهلت العالم في نظامها وانتظامها . امواج بشرية خرجت للتعبير عن غضبها تجاه حكم «الإخوان» المسلمين بمصر ولتعلن نهاية حكم «الإخوان» الذين فشلوا في قيادة البلد نحو الإصلاح الحقيقي والتنمية المستدامة، وعجزهم عن تقديم الحلول لمشاكل مقيمة مثل البطالة والسكن والصحة والتعليم..لقد كانت هذه الثورة التي سماها البعض بالثورة الثانية التصحيحية لثورة 25يناير العمود الفقري للثورة التي عجلت بالاطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي بعد سنة من حكمه.أمواج بشرية غير مسبوقة انتفضت مما دفع بالجيش المصري الى القيام بجمع أطراف المسبحة المصرية من رجال دين بمافيهم السلفيين وشيوخ الازهر واحزاب ومنظمات شبابية قصد التشاور والتباحث حول انتزاع فتيل اللعب بين يدي«الإخوان».وبعد التشاور مع كافة اطراف المسبحة المصرية، تم اصدار قرار عزل مرسي وإعلان خريطة طريق مستقبلية لبناء مصر جديدة يشارك فيها الجميع. وهو الامر الذي اعتبره «الإخوان» بمثابة انقلاب عسكري وانقلاب على الشرعية التي استندت الى انتخابات حرة ونزيهة قال فيها الشعب المصري كلمته حين صوت لصالح تيار الاخوان المسلمين.تلك الشرعية التي قال عنها المعارضون ايضا وايدهم الجيش في ذلك ،بأنها قد سقطت بالشرعية الثورية للجماهير التي حجت الى الميادين العامة بكثافة غير مسبوقة حتى في زمن الخروج لأسقاط مبارك.وعلى اساس هذا المنطق، خرج الجيش ايضا لحماية الشرعية الثورة الجماهيرية ولحماية المنشآت وتأمين مرحلة انتقالية جديدة للسلطة في البلاد.
إن السقوط المدوي للإخون المسلمين في مصر يرى فيه البعض سقوط للإسلام السياسي في العالم العربي.لقد جاء سقوط «الإخوان» في زمن يتحضرون فيه لحكم البلد مدى الحياة في إطار مايسمى بالخلافة الاسلامية ،مما جعل الاسلاميون في بعض الدول التي بسطوا سيطرتهم فيها مثل تونس وتركيا والمغرب.. يتخوفون من انتقال عدوى تجربة «إخوان» مصر الى بلدانهم. «إخوان» مصر الذي اتهمهم المعارضون بالسعى الى اخونة المجتمع المصري ومؤسساته إستعدادا لتنفيذ مشروعهم السياسي ، أكثر مما يسعون الى إصلاح الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية لعموم افراد الشعب في اكثر من صعيد، تلك الاوضاع التي كانت سببا في خروج الناس الى الشارع وكانت سببا في إسقاط مبارك في ثورة 25 يناير.
إن تجربة «إخوان» مصر المأسوية في ثورة 30يونيو التي انتهت بعزل مرسي بعد عام من حكم «الإخوان» هي تجربة ستكون هي الأهم ليس فقط لمكانة البلد وحجم تأثيره في العالم العربي، ولكن أيضا لأن «الإخوان» فيه هم المنبع الذي انطلقت منه غالبية حركات الإسلام السياسي الحديثة في المنطقة بكل تفرعاتها بما في ذلك تلك الحركات التي جنحت نحو السلاح والعنف. إن تجربة «إخوان» مصر المأسوية تؤكد امرين لاثالث لهما: إما فشل الاسلام السياسي كنظام للحكم ، أو ان الجيش المصري الذي يدعي الحياد دائما وفي نفس الوقت الإنحياز الى جانب مطالب الشعب عمل على إفشال الربيع العربي الذي تسير رياحه لصالح«الإخوان»المسلمين في مصر مما سيعزز فكرة فشل تجربتهم في الدول الاخرى التي بسط فيها الاسلاميون سيطرتهم. تلك الدول عصفت عليها رياح الربيع العربي والتي لاتزال الكثيرمن الغيوم والسحب تحوم على سمائها. تلك السحب والغيوم التي تحجب الكثير من الرؤية لفهم بعض الحقائق والواقع في هذه الدول التي طال مخاضها العسير ، ووحلها الكبير لتوليد حل جديد.ذلك الحل الذي لن يكون بالامر الهين نظرا لحجم بطن تلك الدول المنتفخ بفعل تراكم المشاكل والمعاناة والتناقضات ، والتي اوصلتها الى درك لم يكن درك اسفل منه .مشاكل ومعاناة وتناقضات ساهمت في تشريد الملايين من الناس في الداخل والخارج.. وبالرغم من الثورة الاولى والثانيةالتي شهدتها دولة مصر،وبالنظر الى البطن المنتفخ أكثر من اللازم لدول الربيع العربي ، لا تزال الأسئلة أكثر من الأجوبة، ولا يزال القلق هو سيد الموقف. وهذا ما يجعلنا نقول ،اننا نحن في الواقع أمام معضلة حقيقية، فالثورات التي ما زلنا نتابع فصولها وتداعياتها لم تكشف فقط حجم تركة فشل وفساد الأنظمة التي أطيح بها، بل أسقطت القناع عن عجز النخب العربية التي تتحدث كثيرا عن الحرية والديمقراطية وتطلعات الشعوب، لكنها عندما وضعت أمام الاختبار أظهرت التباسا في المفاهيم، وفشلا ذريعا في التكيف مع العمل في أجواء الحرية الجديدة، وعجزا واضحا عن قيادة الجماهير وتوجيه الشارع نحو كيفية الخروج من المأزق التي تتخبط فيها.
طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني تظاهر الناس ضده بسبب مشاركته في الحرب فقيل له: ألا تخشى المظاهرات فقال: أخشاها ولكن لن يسقطني إلا الصناديق، ونفترض معكم جدلا أن مرسي فشل فهل يمكن لعاقل أن يدرك النجاح من الفشل في سنة واحدة يتيمة من الحكم، وهل الخلاص من الفشل المزعوم هو القيام بالانقلاب وخيانة الأمة ونكران القسم، أين الوقوف في الانحياد التام بين الأطراف، إن ما تم بمصر اسمه القاء صندوق اللعبة من النافذة لنحتكم بعدها إلى العنف، وقد هاجم الجيش والشرطة المؤيدين، وقدم أكواب الماء للمعارضين،
لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الاسلاميين في مصر وغيرها_ وإن كنت لا أنتمي إليهم _ وصلوا إلى مرحلة من التحضر والكياسة ومسايرة المرحلة، ولو أن الانقلاب حصل على تيار غير إسلامي لرأيت الإسلاميين يقفون في صف الحق، وهذا ما يبدو من خلال مسيرة الاسلاميين في الحكم سواء في تونس أو في مصر أو المغرب، كلهم تسامح ومد ليد المصالحة وتنازل عن بعض المبادئ الحزبية من أجل المصالحة.
وأنبه الكاتب الكريم أن مؤيدي مرسي أكثر من معارضيه، وليست ذلك ثورة عليه، لأن الجيش أمهل الرئيس منذ 23 يونيو إما أن ينسحب أو يسجن، ولذلك قال مرسي: لن يكون ذلك إلا على حياتي،
وعلامات الانقلاب بادية واضحة، وهي غلق القنوات واعتقال المعارضين وتليق العمل بالدستور وتسريب الأكاذيب عبر الاعلام…
أثبت الإسلاميون أنهم الجديرون بالقيادة في العالم العربي، ليس من خلال الوفاء بالوعود وتحقيق التنمية ولكن من خلال حسن التعامل مع المعارضين، فلم يسجنوا معارضا ولم يقمعوا خصما، وفتحوا أبواب التحاور مع أي طرف وهو ما لم نكن نراه في الحكومات المزورة السابقة:
يجب ألا تعمي بصيرتنا البغضاء في سبيل النطق بالحق، وألا يحملنا الاختلاف مع الآخر على نكرانه، وألا نقحم الأبعاد السياسوية الحزبية الرخيصة في أي مجال.