عجائز وشيوخ…تمر ولبن
لقد قام وفد حقوقي غربي بزيارة ميمونة لكل من مدينة اسا ,افني ثم يختتم هذه الزيارة بمدينة العيون الشامخة ,وأنا أتأمل وجوه الزائرين انتابني شعور غريب واحساس –بالحكرة- اذ أن أغلب الوجوه قد غزتها التجاعيد ويعلوها الحزن والضياع ,استقبل الشباب الصحراوي هذه الوجوه العابسة بالتمر واللبن اللذان يرمزان لأصالة العربي الصحراوي البدوي, وما مدى تحمل النخل والنوق للظروف القاسية التي غالبا ما تكون صحراوية ,ربت فينا نحن الصحراويون العزة والأنفة حتى أصبحت كرامتنا عند أنوفنا كما هي أنوف جمالنا ونوقنا…
ولكن الغريب في هذا المشهد هو أين الشباب الغربي مما يحدث في العالم كله, أينما حليت وارتحلت الا وتجد العجائز والشيوخ هم من يقررون بدل هؤلاء الشباب, أليس بالأحرى أن يدافع هؤلاء العجائز عن حقوق أولادهم وأحفادهم في المشاركة السياسية وصنع القرار في بلدانهم بدل التطفل في كل صغيرة وكبيرة لبلدان أخرى الكل يعرف أين وصل شبابها من الوعي والثقافة السياسية والعامة وخاصة الدول العربية التي أصبح شبابها يعطي المثال في ميادين عدة ولن تجد مركزا بحثيا ومختبرات في أنحاء العالم كله الا وتجد أحد أعضاءه ذو أصول عربية والصحراويون ليسوا أقل درجة من هؤلاء.
عجائز وشيوخ استفاقوا بعد غفلة ليجدوا أنفسهم على حافة العمر, وليعوضوا ما ضاع من أعمارهم حسب فهمهم القاصر للحياة, أرادوا أن يقدموا للبشرية الدعم والمساعدة قبل أن يقرر الأبناء وضعهم في دور العجزة والمراكز الإيوائية في انتظار الموت والفناء, ولم يجدوا أمامهم غير الجمعيات الحقوقية التي كثرت في أيامنا هذه بشكل غريب جدا الى درجة أصبحنا ننتظر أن تكون لكل أسرة أو قبيلة جمعيتها الحقوقية التي تدافع عنها ,هؤلاء العجائز والشيوخ لا أذري أين كانوا عندما دكت الدبابات والطائرات الجماجم والأبدان في بلاد الرافدين ,أوفي أفغانستان ,أو حتى في فلسطين التي لازالت جراحها تنزف ويعتقل فيها الأطفال ذو الخمس سنوات, وعندما ينتابك الفضول وتسأل أحدهم ما رأيك فيما يحدث في فلسطين يجيبك بأن اسرائيل من حقها أن تدافع عن نفسها.
لازلت أتساءل عن درجة وعي الشباب الغربي وفهمه لما يقع من حوله وفي العالم, و قد كنت تابعت برنامجا ترفيهيا الهدف منه معرفة ثقافة هؤلاء الشباب وكان من بين الأسئلة التي طرحت عليهم تحديد دولة ما على الخريطة وكان القليل منهم من يستطيع تحديد المكان الصحيح لهذه الدولة أو تلك ,ولو سئل أحدهم عن مكان المغرب أو الصحراء في قارات الدنيا لما أجابك ,وعندما تسأله عن رأيه في النزاع القائم حول الصحراء لأدلى بدلوه وأخبرك بأن الصحراويون لهم الحق في تقرير مصيرهم ,انه الاعلام الغربي الذي يوجه هؤلاء المساكين ويحشو رؤوسهم بمشاكل الآخرين ويغرقهم في ثقافة الاستهلاك والوجبات السريعة .
شباب هدفه في الحياة تحقيق نزواته وملذاته بلا رقيب أو حسيب, انها الحقوق التي تحاول هؤلاء العجائز والشيوخ أن تنقلها لشبابنا نحن العرب ,انها الحريات الفردية, انه تحقيق الذات, انه الاستنساخ التام لتجارب البلادة التي يعيشها هؤلاء, ولكن للأسف الشديد الكثير من الناس انجروا وراء يافطة حقوق الانسان التي يطبل لها هؤلاء و وافقوهم في ترهاتهم ونسوا أن وراء الستار كواليس.
يوما ما سوف نستفيق من غفلتنا نحن بدورنا لنجد أننا خدعنا من عجائز الغرب وشيوخهم وأن الحقوق التي كان هؤلاء يدعون الدفاع عنها ما كانت الا وسيلة لإذكاء العداوة والفتن وخلق البلبلة لمجتمعات كانت عبر القرون متحدة و في وئام وود.
الى زمن قريب لم يكن هناك شيء اسمه الحدود الجغرافية ولم تكن التأشيرة هي المحدد الوحيد للدخول أو الخروج لكن حقوق الأقليات وحق تقرير المصير وحق الاستقلال أدى الى هذا التقسيم الغريب الذي فرق مجتمعات كثيرة وأطاح بدول و امبراطوريات عملاقة كان يهابها الغرب أصبحت قصص تروى وتحكى لتلاميذ الاعداديات والثانويات وطلبة الجامعات الذين يقومون بتضييع أوقاتهم في دراسة أسباب سقوط هذه الدولة أو تلك لأنهم لن يستفيدوا من هذا البحث ولن تعيره الدولة أي اهتمام.
يومها لن يقدم لنا هؤلاء العجائز والشيوخ التمر واللبن وانما سوف يقدمون لنا الجعة والمسكرات بمختلف أشكالها دون أن ننسى المومسات, ويتبعون هذا كله بالابتسامات الصفراء و التصفيق والسخرية, لأننا حينها سنكون قد انسلخنا من هويتنا وأصبحت فينا “بوسي” بدل فاطمتو و”بوبي” بدل أحمدو وهذه الأسامي كما تعلمون هي أسامي للكلاب رفع الله قدركم.
حينها سنكون قد تشرذمنا ورجعت فينا النعرات القبلية وأصبح الكل يريد الحكم والسلطة وسنظهر للعالم على أننا قاصرين ولسنا جذيرين بالمسؤولية وتتدخل الأيادي الخفية بعد ذلك لتبتلع الكل ونصبح بدورنا سطورا باهتة في كتب التاريخ المتآكلة وحينها فقط سنردد الجملة الشهيرة” أكلنا يوم أكل الثور الأبيض”.
مقالات في الصميم ,لكن ما رأيك في الشباب الصحراوي الذي يستقبل هؤلاء الخبثاء ويكرمهم في أقاليمنا الجنوبية؟