أمهات عازبات… أطفال طبيعيون

2 534

بالنظر لما أصبحنا نسمعه يوميا عن الاغتصابات في صفوف تلميذات الاعدادية والثانوية والتزايد المهول في عدد اللقطاء والأمهات العازبات ارتأيت أن أكتب في هذا الموضوع لتبيان بعض الأسباب الحقيقية لهذه الأمراض الاجتماعية التي لم تكن المجتمعات العربية والاسلامية تعرفها الا أنها انتشرت بشكل سريع وغريب مما حدى ببعض الجمعيات المدنية المغربية الى دق ناقوس الخطر لما يمكن أن تصير له الأوضاع الأسرية للأسر المغربية بعد عقد من الزمن حيث أنها حذرت من لقيط لكل أسرة أوأم عزباء لكل أسرة, وما دامت الفتيات غالبا ما يكن ضحايا هذه الظواهر ارتأيت أن أركز عليهن في التحليل.
كنت قد حاولت مناقشة هذا الموضوع في جمع غفير من الناس يضم رجال ,شباب وكهول في إحدى الولائم في مدينة كليميم لكن وجدت معارضة شرسة جدا من الكهول بدعوة أن هذه المواضيع لا تناقش في المجال الصحراوي لما يتميز به من ثقافة محافظة لا تسمح بمناقشة موضوع الأمهات العازبات أو اللقطاء لكن وجدت تفهما كبيرا من الشباب ودعما سمح لي حينها بإلقاء كلمة مقتضبة حاولت أن أبين من خلالها الخطر المحدق بأسرنا و مجتمعنا الصحراوي والمغربي بصفة عامة.
يعد مفهومي “التكليف” و “التمييز” (مكلف, مميز) من أهم المفاهيم الرائجة في الأدبيات الاسلامية لعلاقة الانسان بربه وعلاقته بغيره, فالتكليف هو تلك المرحلة التي تكون فيها الفتاة قد بلغت سنا يؤهلها لتأدية جل الواجبات الدينية التي أفترضت عليها و لم يعد مسموح لها بالتهاون في تأديتها ومنها الصلاة ,الصوم ,الزكاة, الحج… كما أنها في هذه المرحلة تكون قد استكملت جميع عناصر النمو الفيزيولوجية تأهلها للحمل وتبعاته من حمل و رضاعة وتربية وعناية بالمولود.
أما التمييز فهو القدرة الكافية للفتاة لمعرفة المصلحة أو المفسدة في القيام بأمر من عدمه, وفي ظل هذين التعرفين وبالرجوع الى معدل سن تلميذات الاعدادية والثانوية سوف نكتشف أن جل أعمار هؤلاء الفتيات ما بين أربعة عشر سنة و ثمانية عشر سنة وهذه المرحلة كما هو معلوم جد حساسة حيث أن الفتيات ينتقلن من مرحلة الطفولة بتغيراتها الجسدية و بحمولتها الفكرية وخاصة سن أربعة عشر سنة, الى مرحلة الرشد والتكليف أي خمسة عشرسنة فما فوق وهذا الانتقال غالبا ما يكون لدى بعضهن انتقالا عسيرا قد تتبعه مخلفات ونزوات تنتج عنها أخلاقيات سلبية قد تقود الى ما لا يحمد عقباه كالعلاقات المحرمة مع الذكور إما في نفس أعمارهن أو يكبرهن بسنوات, برضاهن أو مكرهات, وقد ينتج عن هذه العلاقات لقطاء وبالتالي تشتيت أسري ومشاكل بالجملة وأنتم تعرفون حد الزنا للغير المحصنين في شريعتنا إنه مائة جلدة لكل من الطرفين.
نعم إن الشريعة لم تحدد سنا بعينه لتزويج الفتيات بالقدر ما ربطت هذا السن بالقدرة الكافية للفتاة لتحمل المسؤوليات الجديدة التي ستصبح مطالبة بالقيام بها فإن كانت في سن أربعة عشر سنة كحد أدنى و تستطيع القيام بواجباتها ومسؤولياتها فإنها تزوج, ولنا في قصة زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها خير مثال على ذلك, وكنت قد سمعت من أحدهم أن فتيات ذلك العصر يحضن في سن جد مبكر, وإن قمنا باستطلاع حول سن الحيض في أيامنا هذه عند الفتيات لوجدنا أنه في حدود إحدى عشرة سنة فما فوق أو أقل بقليل أي أن هذا الشرط متحقق في فتياتنا أيضا, بل أكثر من ذلك ففي إحدى دول أمريكا الجنوبية – وهذه معلومة غريبة- طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات تنجب طفلة بطريقة غير شرعية ويقولون أن والد المولودة شاب يبلغ من العمر سبعة عشر سنة.
فجاء القانون المغربي وحدد سن ثمانية عشر سنة للزواج وسبق بذلك الجارة اسبانيا التي كانت تسمح بزواجهن في سن أقل من ثمانية عشر سنة, ودمر بذلك العرف والتقاليد في تزويج الفتيات والكل يعلم الفورة الجنسية التي يعرفها كلا الجنسين قبل هذا السن أي ما بين أربعة عشر سنة وثمانية عشر سنة وإن لم تصرف هذه الرغبات في موضعها الحلال فالبديل تعرفونه لن يكون إلافي الحرام.
و تم استبدال مفهومي “المكلف والمميز” بمصطلح “القاصر” حتى يعطوا للفتاة الحرية الإضافية في الارتباطات الغير الشرعية بالفتيان كما تعمدوا استعمال كلمة طفل أو طفلة لمن هم في هذه المرحلة بينما في الشرع هم مكلفون يحاسبون على أعمالهم وتصرفاتهم, وفتحوا الأبواب والنوافذ للفاحشة لتنتشر بحرية ودون قيود و ساهموا بذلك في ظهور هذه الأمراض الاجتماعية التي لازالت تتفاقم.
كما أعطوا الفرصة لتجار اللحوم البشرية في الاغتناء وفتح مراكز ودور الدعارة وكانت ولازالت السوق المفتوحة لهذه التجارة هي المدارس حيث كنت تابعت برنامجا لإحدى القنوات الهولندية تحدثت فيه عن طرق “اصطياد” هؤلاء الفتيات وكانت التجربة للأسف الشديد من إحدى المؤسسات التعليمية بمراكش ,حيث أن الزبون وضع شروطا بعينها من عذرية الى أوصاف محددة لا تتوفر الا في تلميذات الثانوية والاعدادية وقد مكنه الوسيط المغربي -عليه من الله ما يستحق- من الحصول على مبتغاه فاللهم إنا نبرأ اليك من هذه القوانين التي لا تساهم إلا في الفساد والإفساد وللمعلومة فسن الفتاة كان ستة عشر سنة كما أنها أخبرت الوسيط بأن لها تجارب سابقة في “الحرفة”, فالقانون المغربي كما ترون منعها من الزواج في سن ستة عشر سنة لكن فتح لها منافذ الحرام على مصراعيه.
كما اغتنى من هذه القوانين المهترئة بعض” الشيوخ والعدول”, حيث يضطر الشاب الى دفع رشاوي لهؤلاء من أجل الزواج من فتاة تنقصها شهورا لتستكمل السن القانوني للزواج وليس الشرعي لان الشريعة أكثر يسرا و رحابة بينما القانون قيض الأمور وجعلها أكثر تعقيدا, فكم من شاب حرمه هذا القانون” المقدس” من الزواج المبكر واضطر الى الانتظار لسنوات طوال وذلك حتى تستكمل خطيبته السنوات التي تنقصها بالرغم أنها أصبحت راشدة وتعرف ما لها وما عليها, كما أن الشاب على استعداد لتحمل مسؤولياته المادية والمعنوية.
وفي فترة الانتظار هاته يمكن أن تحدث الكوارث لاشتياق كل واحد منهما للآخر, وهذه القوانين سوف تدفع الكثير من الناس الى الرجوع الى الزواج القديم- زواج الفاتحة – الذي تحاول الدولة اليوم التقليل منه وتدعوا المتزوجين بهذه الطريقة الى توثيقه في الادارات المعنية.
كما أن كثرة الوثائق والمساطر الادارية التي يتطلبها انجاز “العقد” يجعل الأمر صعبا للغاية مما يجعل الشباب يصابون بخيبات الأمل من هذه التعقيدات التي تثبط العزائم وتدفعه الى التأجيل والتسويف, إنه الزواج إنه الاطار الحلال الذي وضعه الله سبحانه للإنسان لتصريف غرائزه بطرق مشروعة أبى هؤلاء الا تعقيده للدفع بالشباب الى الزنى والوقوع في الفواحش.
والآباء بدورهم يتحملون جزءا من المسؤولية في الوصول بالمجتمع الى هذا المستوى من التفكك, للشروط المجحفة التي يشترطونها, الى درجة يمكن ان تظل الفتاة عانس بسبب الوالد الذي ينتظر الخاطب الذي سيدفع أكثر الى أن يتجاوزها قطار الزواج وذلك بالرغم من أن المهر هو حق الفتاة وفق الشرع وليس له حق التصرف فيه الا بإذنها, وفي كثير من قصص الأمهات العازبات كما يحلو للتقدميين ودعاة الانحلال تسميتهن, فغالبا ما يكون الآباء سببا في المشكل مما يدفع هؤلاء الفتيات الى أنياب الذئاب البشرية لتفتك بأجسادهن الطرية ولنا في قصة مصحة العيون أكبر دليل على هذا الكلام فالكل قد تابع ذلك المشهد المقزز للدماء وذلك الجنين الذي ارتكبت في حقه هذه الجريمة النكراء, ولازالت ترتكب في حق أجنة أخرون فمرة في حاويات المزابل ومرات أخرى أمام أبواب المساجد وأحايين أخرى وجبات للقطط والكلاب… وينتظرون نزول المطر, بل ستنزل “النيازك” لتدمر الصالح والطالح.
فيا أيها الآباء اتقوا الله في بناتكم فالزواج أحصن لهن وأنظف و أحذروا من المساهمة في ارتكاب جريمتي الزنا وقتل نفس بغير حق.
وتلعب العادات والتقاليد السائدة وخاصة في مجتمعنا الصحراوي الذي لازال يعطي الأهمية الكبرى للمظاهر دورا كبيرا في تفاقم الظاهرة, بالإضافة الى النزعات القبلية القديمة التي فرضت عدم التزاوج بين أفراد بعض القبائل فيما بينها مما ولد عزاب كثر وعوانس أكثر, وغالبا ما تكون الزني هي المنفذ الوحيد لتصريف هذه الشهوات ,والاجراءات – المساطر- كما تعلمون لا تكاد تذكر فقط مفتاح منزل ثم الانتظار لبعض الوقت أمام احدى المؤسسات التعليمية وبعض الوعود الكاذبة ثم يحصل الذئب البشري على مبتغاه وذلك لأننا نتحدث عن مجتمع بشري- بدأ ينسلخ من بشريته – وليس ملائكي والنتيجة أمهات عازبات جديدات ولقطاء جدد وهذه الوضعية ستولد ما سيعرف” بتجارة الأجنة” وستظهر “مافيات” إن لم تكن قد ظهرت تروج هذه السوق, ولكن السؤالين المطروحين : ماذا سيكون الهدف من هذه التجارة وكيف ستتعامل السلطات العمومية مع الحدث…؟ أظن أنها ستتعامل مع الحدث “بعين شافت أو عين ماشافت” كما كانت ولازالت تتعامل مع ظواهر غريبة غزت المجتمع المغربي وأدخلوها في نفق الحريات الفردية والاستقلالية الذاتية…
وأعظم ما يقود الى الانتشار المخيف لهذه الأمراض هو التقليد الأعمى لكل وافد من الغرب والشرق بصالحه وطالحه دون غربلة أو تمحيص, الى درجة أن كل ما يذاع على قنوات الرذيلة المتناسلة في أيامنا هاته تقلده الفتيات وذلك لانعدام القدوة في المنزل وانعدام الأخلاق في الشارع والمدرسة أما قنواتنا العمومية فحدث ولا حرج فهي قنوات تركية, هندية, مكسيكية… تستورد السموم وتحقنها لمجتمع عليل في الأصل.
فكما تلاحظون مشكل الأمهات العازبات والأطفال الطبيعيون (لا أدري ما هو الاسم الذي سنطلقه على الأطفال الذين يولدون بطرق مشروعة أي وفق الزواج إن كان هؤلاء طبيعيون ) مشكل مركب يساهم في تفاقمه العديد من العوامل التي خلقت إما عمدا كالقوانين التي لا تخدم البتة مؤسسة الزواج وتشجعها بالقدر ما تقوض أركانها, وأخرى موروثة ثقافيا من خلال العادات والتقاليد والتي لم تبرح مكانها بالرغم من التغيرات التي يعرفها العالم في بنيته الاجتماعية والثقافية.
وتعتبر الثقافات الوافدة التي تشجع الحريات الفردية والاستمتاع بلا حدود حتى ولوكان على أنقاض الدين والتشريعات الالهية بحجة التقدم والحداثة أهم عامل يدفع هذه الأمراض نحو الانتشار ,وستكون الحيوانات في هذا المضمار اكثر تقدما وحداثة لأنها لم تتطفل على عادات البشر في علاقاتهم بإناثهم وانما حافظت على سلوكياتها بفطرها ولن تتغير هذه السلوكيات الى أن تقوم الساعة, بينما نحن البشر رفضنا الطرق الشرعية التي نحن مطالبون بها وتوجهنا الى تحقيق الغرائز خارج هذا المنفذ بعبور منافذ أخرى كلها أشواك ومنزلقات ستؤدي الى انسلاخ الناس من طبيعتهم البشرية نحو الطبيعة الحيوانية, فأعظم جريمة ارتكبناها في حق ذواتنا هو الابتعاد عن شرع ربنا فيوم نرجع لهذا الشرع سوف نتخلص من جميع مشاكلنا العقدية ,الأخلاقية والمعاملاتية…
وأقترح بعض الحلول البسيطة للتخفيف من انتشار هذه الأمراض:
– الرجوع بالمجتمع الى كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام.
– عدم التركيز على سن ثمانية عشر سنة كحد أدنى للزواج عند الفتيات وانما التركيز على درجة الرشد حتى لو لم يبلغن هذا السن
– توعية الفتيات بأهمية المرحلة وبكونهن مكلفات ولسن قاصرات
– التقليل من مظاهر العري والتفسخ الأخلاقي في الأزقة والشوارع
– التقليل من ضغط العادات والتقاليد في مجتمعاتنا فيما يتعلق بالزواج
– زجر كل من يتلقى رشاوي بدعوة عدم بلوغ الفتاة السن القانوني للزواج من شيوخ وعدول و غيرهم
– خلق شرطة أخلاقية تتوفر فيها الشروط الحقيقية من ورع وأمانة تحرس على تخليق الشارع العام

2 تعليقات
  1. علي يقول

    مقال في الصميم وضع اليد على الجرح . أعجبتني كثيرا الحلول المقترحة للخروج من الظاهرة .

  2. علي يقول

    مقال في الصميم وضع اليد على الجرح . أعجبتني كثيرا الحلول المقترحة للخروج من الظاهرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.