السعودية والإخوان:محبة في “الله” عداوة في السياسة !
دعم سعودي رسمي خلف الستار، للجيش المصري كي يقيل محمد مرسي،من رئاسة الجمهورية. إسراع الملك عبد الله، إلى بعث برقية تهنئة للرئيس المؤقت، عدلي منصور.تجميع سعودي سريع، لمبلغ 12 ملياردولار،صحبة الإمارات العربية المتحدة والكويت،تحت مبرر مساعدة الحكومة المصرية الجديدة على تجاوز الأزمة. تعبئة كلية، للقناة الفضائية “العربية” المحسوبة على النظام السعودي،كي تنحاز بالمطلق إلى جانب صنيع عبد الفتاح السيسي،القائد العام والملحق العسكري سابقا في الرياض،الذي يحظى بعلاقات مع القيادة السعودية السياسية والعسكرية.اعتقال الحكومة السعودية، لمن أدانوا ما بات يصطلح عليه بالانقلاب العسكري في مصر،بما فيهم محسن العواجي و محمد العريفي، وهما رجلا دين يتمتعان بوضع اعتباري داخل المملكة.ثم،إدلاء مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، بتصريح غريب المنحى والمعنى مفعم بالغضب، كان من الخبل الذهني توقعه قبل سيناريو 30 يونيو،حينما رجم ضمنيا آل سعود،وقد((أقسم بالله غير حانث أن مافعله السيسي في مصر يفوق جرما ما لوكان قد حمل معولا وهدم به الكعبة المشرفة حجرا حجرا))… .
أقول،مع كل هاته المستجدات المتفاعلة بطريقة خيميائية،في انتظار أخرى،أكثر احتراقا بلا شك،تكون علاقة السعودية بالإخوان،قد انتهت إلى نقطة اللا-عودة، وأن مواسم الديبلوماسية وتضمينات شعار”صبر جميل”،غدت ماضيا سحيقا.فالموقف الواضح،الذي أبداه النظام السعودي منذ الوهلة الأولى،نحو إنهاء مسلسل تقلد ورثة حسن البنا، لمقاليد كرسي الحكم،يعتبر القشة التي قضمت ظهر البعير،فبعثرت ماتبقى من خيوط أصلا مترهلة،في علاقة ظلت زئبقية بين الجانبين،ظاهرها سند العقيدة وما يحظى به بلد السعودية من رمزية دينية لدى جميع المسلمين،نظرا لتواجد البقاع المقدسة.لكن باطنها،زاخر بدسائس الساسة والسياسيين، وماتنطوي عليه من نفاق وخديعة ثم الرغبة الدفينة لدى آل سعود، بهدف محاربة تنظيم الإخوان والقضاء عليه،حتى لا يرتد عكسا في يوم من الأيام،امتداده الفكري والمؤسساتي والتنظيمي والدعوي،على مشروعية وبقاء الحكم الملكي الوراثي الأسروي،لاسيما مع تبني أدبيات دعوات الإخوان ،إلى شكل جمهوري للحكم الإسلامي.
من بين الكواليس،التي تسربت عن اللحظات الأخيرة،لانتفاضة25يناير2011، تشبث الملك عبد الله حتى آخر رمق بمبارك ونظامه، مبادرا إلى ما أمكنه من اتصالات دولية مع الأمريكيين والأوروبيين،كي لا يقع ما وقع.غير أن إرادة المصريين النبيلة-التي يتلاعب بها حاليا بالمال والإعلام-تجاوزت الجميع.
هكذا، شكل سقوط ديكتاتور مصر،خللا كليا في الإستراتجية السعودية، وضربة موجعة غير متوقعة بتاتا.أزعجت حكام الرياض،المعروفين تاريخيا بعداوتهم للثورات،من حكاية الربيع العربي،على الأقل،ماتعلق منه بمبارك وزين العابدين والبحرين واليمن وباقي الزملاء والإخوة، أما القذافي فغير مأسوف عليه،بينما سوريا قد تعتبر فرصة غير منتظرة،ربما لاقتلاع جذور الهلال الشيعي.
في هذه السياق ،سمعنا عن عرض لانعرف حقيقة درجة صدقه،يشير إلى اقتراح سعودي،بشراء هذه”البلبلة” و”المفسدة”الرقمية المسماة “فيسبوك”،التي خلقت كل هذه “الفتنة”، وتسببت بأزرار سحرية في تبخر بين عشية وضحاها لأعتى الأنظمة بطشا،غير أن صاحب هذا الذكاء الاصطناعي،رفض التخلي عن منتوجه.
إن الأمر الذي ألفناه تاريخيا،مع أطروحات الفكر السياسي العربي،بالإحالة على سياق الصراع الخفي بين السعودية والإخوان،ثم الإبقاء على عالم عربي مستبد،بأنظمة تتبنى شكليا وشعاراتيا المعاصرة،برفضها للتشدد والاصطفاف الديني.أقول، اعتدنا بهذا الخصوص،مع الموقف السعودي، مجابهة جذرية وشرسة للمشاريع الوطنية التحديثية،في شقها القومي أم الماركسي،مع سعي لتسويق وتعميم فكر سلفي متشدد يستند على التأويل الوهابي،الرافض لكل أنواع التنظيم السياسي والحزبي.
جميعنا،يتذكر عداء السعودية لعبد الناصركقائد والناصرية كمذهب. حقبة، تشكلت خلالها ملامح بداية التحالف بين آل سعود والإخوان،بحيث وظفوا عند الخطوط الأمامية،لضرب المد القومي. كانت السعودية مجالا عميقا للجماعة وقادتها،التجأ إليها العديد منهم،فرارا من المخابرات المصرية، أبرزهم محمد قطب شقيق سيد قطب،المنظر الإيديولوجي للإخوان الذي أعدم سنة .1966
تحالف،بلغ أوجه حقبة حكم السادات،بعد تقارب الأخير مع الملك فيصل بن عبد العزيز،متوخيا كأفق الانقلاب كليا عن ثوابت المرحلة الناصرية،أو ماعرف بالثورة المضادة،التي هيأت المنافذ كي يتغلغل الإخوان تحت أنظار السعوديين،ضمن مختلف روافد المجتمع المصري والهيمنة على المناحي التعليمية.
حينما،حدثت الثورة الإيرانية سنة 1979،التجربة التي زكاها ودعمها الإخوان. بل، قيل أن الخميني وفريقه القريب ،استوعبوا جيدا كتابات الجماعة مترجمة إلى الفارسية، بدأ الرضا السعودي يتقلص، تاركا مكانه للاحتراس والحذر.فالنموذج الإيراني،قابل للتعميم،في أكثر من بلد وفكر الإخوان،قد يمنح التربة الخصبة.
بما أن الشيء بالشيء يذكر، فلا شك، من بين الأخطاء القاتلة، التي ارتكبها محمد مرسي، تقربه من إيران وزيارة نجاد إلى مصر .موقف، أثار حفيظة النظام السعودي وحلفائه الخليجيين، خلال لحظة يشتد فيها الصراع السني والشيعي، وهو الوتر الذي تلعب عليه السعودية كثيرا،كي تبقي نفسها زعيمة.علما،أن مثل هذه الخطابات الطائفية العمياء،لن تزيد العالم العربي إلا انحدارا نحو مستنقع الحروب العقائدية، ولاسبيل للتخلص من ذلك،بغير بناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة المؤسساتية، التي ترفع من القيمة الإنسانية للفرد.
مع تداعيات أزمة الخليج الأولى، لم يستسغ الإخوان بالمطللق،اعتماد السعودية على الجيش الأمريكي والأوروبي ،لإخراج صدام من الكويت. نستحضر، في هذا المقام، تهديد أسامة بن لادن، المتأثر بالسيد قطب، وإعلانه الحرب المسلحة ضد الأنظمة الفاسدة ،وتحت إمرته عددا هائلا من المحاربين القدامى في أفغانستان. إذن،بن لادن الذي ابتعد عن آل سعود بسبب سماحهم لنصف مليون من القوات الأمريكية كي يتمركزوا في المملكة، وصفوه بدورهم، أنه مجرد امتداد غير شرعي للإخوان المسلمين.
توترت العلاقة بين الطرفين،انقلب الود إلى مواجهة،واندلعت التصريحات والتصريحات المضادة.شرع وزير الداخلية الراحل الأمير نايف، يستغل كل مناسبة كي ينتقد علانية تغلغل الإخوان بين طيات الحياة التربوية والتعليمية للمملكة.بنفس المعنى،يقول محمد عبد الله الزلفة أستاذ التاريخ بالجامعة السعودية وعضو سابق في مجلس الشورى :((هناك قناعة راسخة لدى القيادة السعودية بأن الإخوان المسلمين استغلوا بساطة الإسلام السعودي وسماحته واخترقوا النسيج الاجتماعي السعودي وتمكنوا من إيجاد أذرع لهم في المملكة والسيطرة على المناهج التعليمية والمؤسسات الإعلامية على نحو حولهم إلى فاعل ديني من شأنه أن يمزق ترابط المجتمع السعودي)).
مشايخ التيار السلفي السعودي،وفي مقدمتهم “عبد العزيز بن باز” و”محمد صالح العثييمين”،اتهموا الإخوان بإهمال الدعوة للتوحيد، وصاروا جماعة حزبية، يترتب عن عملها تفريق المجتمع إلى أحزاب وجماعات، تخالف أولياء الأمر.مع العلم،أنه منذ نشأة الجماعة،وضع حسن البنا أسس برنامجهم السياسي،فهم ليسوا مجرد هيئة دينية بل سياسية،تربط الإصلاح المجتمعي بآليات تطبيق منطق تعاليم الإسلام.
إذن،كما تصدت السعودية للتيارات القومية واليسارية سابقا،ارتقى حاليا إلى طليعة خصومها،بكيفية لا لبس فيها،الإخوان خاصة بعد ظفرهم بالسلطة في بلدان الربيع العربي،مما أثار من جديد المنافسة على احتكار الإسلام،وازدياد خوف السعوديين من قدرة الإخوان على التنظيم والتجييش، ومدى توسع شبكات خدماتهم الاجتماعية،التي تستثمر ذلك في أصوات انتخابية،ثم تأثيرات شعبيتهم على الداخل السعودي المتحمس أصلا إلى إجراء إصلاحات . فهل، تنحو السعودية أكثر بثقلها المالي والإعلامي والاستخباراتي ، نحو دعم السلفيين الدعويين غير السياسيين،من أجل كبح الإخوان؟أولى التقارير، بهذا الخصوص،أكدت دعما سعوديا للكتلة السلفية المصرية،فحصلت بطريقة مفاجئة على ربع المقاعد في مجلس الشعب، وجاءت في المرتبة الثانية بعد مترشحي الإخوان.
ورقة الإخوان،أخذت أيضا بعدا إقليميا بين السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة،ثم قطر وتركيا من ناحية ثانية،بل حتى القضية السورية،اكتوت سلبيا بهذا الأمر،فانحرفت عن مجرد قضية شعب يحلم بمجتمع عادل،إلى حروب ارتزاقية بالتفويض.
قطر،التي تستعمل بالتأكيد الإخوان من أجل توسيع نفوذها،وتحقيق أهداف سياسية،تحتضن مؤتمرات ومنتديات الإخوان وتسند تيارهم العالمي بمختلف أنواع الدعم. هكذا، مباشرة بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة،منحت مصر معونة مالية بلغت 7ملياردولار.دون، أن ننسى الشيخ القرضاوي، الزعيم الروحي للإخوان،وقد وجد في قناة الجزيرة القطرية طبعا،منبرا مريحا لتمرير فتاويه الدينية والسياسة،إلى العالم.لكن،هل ستحافظ الدوحة على نفس التوجه مع الأمير الجديد؟
على النقيض، حكومة الإمارات ،التي تمسكت أيضا بمبارك، واقترحت عليه خلال اللحظات الأخيرة لحكمه، مغادرة مصر والاستقرار في أبو ظبي ،لم تكن علاقتها بالإخوان على مايرام. في هذا الخضم،عرض التلفزيون الإماراتي،صورا لشبكة من عناصرتنتمي الى الإخوان ،متهما إياهم بالتخطيط لقلب نظام الحكم،وإقامة إمارة ثانية،بعد الإمارة الأولى في مصر،بينما ذهب تصريح قائد شرطة دبي “ضاحي خلفان”،أبعد من هذا المستوى،واصفا الإخوان،كونهم اثبتوا إلى العالم أنهم على تواصل بتنظيم القاعدة.
سعيد بوخليط