في أجواء الحر الشديد بالمناطق الجنوبية الشرقية خلال فصل الصيف، تنتعش صناعة المروحة المصنوعة بسعف النخيل على نطاق واسع، كونها تشكل إحدى مفاخر الصناعة التقليدية المحلية الغنية بتحفها المتوارثة.
ففي كل القرى والقصور القديمة لمنطقة درعة، لا يخلو منزل من عدد هام من المروحات المصنوعة بسعف النخيل، باعتبارها وسيلة وضرورة للتخفيف من ارتفاع درجات الحرارة بطرق تقليدية تراعى فيها الشروط الصحية.
وللمروحة الزاكورية تاريخ عريق متقاطع مع الجغرافية، والذي يحكي – حسب شهادات بعض سكان المنطقة – عن قصص ساكنة برعت في صناعة هذه الوسيلة التقليدية واستعملتها لمقاومة ارتفاع درجات الحرارة، التي غالبا ما تقترب من الأربعين بالمنطقة وتفوقها أحيانا.
وتحتاج صناعة المروحة، التي يتقنها جل ساكنة درعة، فقط إلى عصي من أغصان شجر النخيل يبلغ طولها حوالي متر، وقليل من سعف هذه الشجرة، لتتم بعد ذلك عملية النسج والصياغة بطريقة بديعة، تتوج في وقت قصير بالحصول على مروحة.
فهذه العملية تتيح إمكانية صناعة كمية كبيرة من المروحات حسب الحاجة، وما يزيد، ما دام لكل شخص داخل الأسرة مروحته الخاصة، وللضيوف أيضا نصيبهم من المروحات الإضافية.
ولهذا السبب تحديدا، تصبح المروحة خير مرافق خلال فصل الصيف بهذه المناطق، فتصبح بذلك ظاهرة بادية للعيان وطقسا يمارس يوميا في كل الفضاءات.
وإذا كانت الغاية الأساس من صناعة المروحة هو محاربة الحرارة أو التخفيف منها، فإن الطريف في الأمر هو أنها تشكل محليا وسيلة ل “ردع” الأطفال في حالة جنوحهم لسلوكات لا يقبلها الكبار، إذ يمكن أن تتحول إلى طريقة لتأديب الصغار كما هو متعارف عليه محليا.
وهذا الاستعمال الزجري للمروحة يذكر باستعمالها في إطار آخر، حينما لجأ الباشا التركي الداي حسين إلى ضرب القنصل الفرنسي بمروحته، هو ما عرف تاريخيا ب “ضربة المروحة” التي تسببت وقتها في أزمة سياسية.
وخارج إطار هذه الاستعمالات الوظيفية ، تبقى مروحة سعف النخيل بزاكورة، صديقة للإنسان والبيئة على السواء، فاستعمالها لا ينطوي على أي أضرار صحية، كما أن قدمها وتلاشيها يحولها مباشرة إلى وقود للمطبخ التقليدي، فتصبح بذلك رمادا تشتهي الأرض تلقفه حتى تزداد خصوبتها.