قضية دانييل كالفان بين الكائن والممكن
الملك خوان كارلوس،الذي يحظى بوضع بروتوكولي شرفي داخل مؤسسات إسبانيا،اضطره مع ذلك الوضع الاقتصادي الهش لبلده،كي يتأبط عكازين ويجرجر جسدا منهكا صوب المغرب،حتى يفتح سبلا لمقاولات مدريد وتلقي بشفاهها تحت ضرع البقرة الحلوب لفطاحلة أغنيائنا.غير،أن الرجل الذي أدخل إسبانيا إلى ديمقراطية مابعد استبدادية فرانكو،لذلك يضمر له شعبه احتراما عميقا،لم يحدس بتاتا أن مقدماته الديبلوماسية،ستكون سببا لأزمة ساخنة، نتيجة ما أحدثه مواطن إسباني بمؤخرات صغار المغاربة.
ربما ستضاف،تيمة وموضوعة المؤخرة إلى ماجعل من العلاقة العمودية أصلا بين البلدين واللا-متوازنة، مايشبه صورة تحيلنا على طبيعة التفاعل بين الزوجة وضرتها أو ربيبتها،بحيث نعاين مشاعر دافئة للحظات،ثم بغتة يقع طارئ،فيدخل المغرب وإسبانيا بعده في جفاء طويل.
إذن،إلى جانب سبتة ومليلية والجزر الجعفرية والصيد البحري والمخدرات والهجرة غير الشرعية والتطرف والإرهاب والتشكي المستمر للمسؤولين الإسبان من تأثرهم السلبي بمشاكل المغاربة السياسية والمجتمعية،إلخ،انضاف منذ أسبوع تقريبا إلى ترمومتر التقارب أوالتنافر،اغتيال الكهل دانييل كالفن، لحرمة أطفال مغاربة في عقر دارهم،بالتالي سيتطرق من الآن فصاعدا،خبراء الجيوستراتجية بين الضفتين،إلى الدور المحتمل الذي قد تلعبه مؤخرة الطفل في تحقيق المصالح العليا للوطن،وبالطبع فالأمر يهم أكثر الطفل المغربي،لأن دمه قد لايكون أحمر،أما زميله الإسباني، فخط أحمر. وفي حدود معلوماتي المتواضعة،يمثل أطفال المغرب والتايلاند،أكثر من بلغ معهم هذا المضمار الجديد مبلغا مهما.
لنعكس الآية،ولنفترض جدلا على وجه الاحتمال،أن مختلا مغربيا من فصيلة الغازي دانييل -من الغزو- قاده حمقه إلى أن يصنع بصغارهم ،مافعله الأخير بأطفالنا،ثم فر عائدا إلى المغرب؟؟؟مسألة تبدو من المستحيلات السبع،ليس لأن المجتمع الإسباني مجتمعا ملائكيا أو أن صبيانه تربوا جميعهم في معابد الساموراي،لكن فقط، لأن صغيرنا الإسباني لن يجد نفسه صدفة في إطار سياقات ،سواء ذاتية أو موضوعية،يمكنها أن تلقي به إلى هذا المآل.
أقول،حينذاك ستقبض عليه شرطتنا بسرعة قياسية،ولو طواه عمق البحرالسابع. تخضعه، لجلسات ماراطونية من التعذيب الجسدي والنفسي،ثم يعاد ترحيله بسرعة البرق إلى إسبانيا،في مدة قياسية جدا،حتى قبل أن يبادر أبسط ناطق باسم الخارجية الإسبانية،إلى الإعلان عن السعي لمباشرة إجراءات المسطرة القانونية المعمول بها دوليا.ستتخذ القضية،وفق هذا المسار،لبوسا “وطنيا” عقائديا،يهدد كل تماطل بخصوصها، جوارنا مع أصدقائنا الإسبان،بالتالي، لامجال بتاتا لتصفح الاتفاقيات والمعاهدات أو الإنصات لأصوات الحقوقيين وكل مايصب في هذا الإتجاه،… .
لو فعل دانييل شبيه ما قام به عندنا،في بلد آخر ديمقراطي ومؤسساتي،لبادر رئيس الدولة من الوهلة الأولى إلى إقالة الحكومة،أو تتقدم هي باستقالتها من تلقاء نفسها.العلة، في غير حاجة لنقاشات دستورية مسهبة.السبب بسيط،عجز واضح وجلي عن حماية وصيانة القيم الكبرى،التي تستمد منها الدولة بقاءها،وأهمها مكون الطفولة.
دانييل،لم يخلف وراءه فقط صنيعا جنسيا ميكانيكيا ثم انتهى الأمر،بل الأطفال الذين اغتصبهم تحولوا لامحالة، منذ تلك اللحظة إلى مشاريع مجرمين ومنحرفين غير أسوياء،سيضمرون حقدا بكل الصيغ لمجتمعهم الذي جعل منهم عرضة لاعتداء من وزن هاته الفظاعة.لن يهنئوا مطلقا،بحياة عادية مثل باقي الأطفال.
لم يكن دانييل،كي يتجرأ على ارتكاب جريمته ،لو لم يسنده ضمنيا التقليد السائد،حيث التساهل الكبير للسلطات الرسمية مع حالات عديدة سابقة،وكأن المغرب قد أضحى مرتعا خصبا لأصحاب العاهات النفسية والكروموسومية والمكبوتين والمنحلين والمهووسين بفوبيا الجنس والفطريين الأغبياء،كي يصنعوا ما يحلو لهم بالبشر،مادام البشر يبقى أرخص شيء لدينا.
كان بوسع قضية دانييل،أن تمر دون هسيس ولا خشخشة،لولا دينامية واجتهاد وشجاعة بعض المواقع الاليكترونية،فأسرعت إلى إحاطة الرأي العام بالفضيحة،وردة الفعل السريعة من خلال الوقفة الاحتجاجية النبيلة، لذوي الضمائر الحية أمام البرلمان.ثم ذاع الخبر،فالتقطته مختلف وسائل الإعلام لاسيما الدولية،فانعدمت أي إمكانية للالتفاف عليه أو تبريره بصيغة من الصيغ.الدليل ،ماوقع سنة 2005 ،عندما حول معتوه آخر اسمه فيليب السرفاتي،مدينة أكادير إلى ماخور مترع الأبواب،ففعل ماشاء بخريطة أجساد بعض المغربيات وحولهن في غضون أسابيع قليلة إلى ممثلات شبقات بارعات في البورنوغرافيا،ثم عاد إلى بلجيكا ظافرا مظفرا، ومحملا بكثير من الذكريات.تحدثت وقتها الصحف المكتوبة المستقلة،في أعداد متتالية،عن حيثيات القضية،لكن بدون جدوى،وربما لازال فيليب السرفاتي يستيقظ ليلا من حين لآخر،على كابوس اعتقاله من قبل الأنتربول،بعد احتجاج المسئولين المغاربة على نظرائهم البلجيكيين !!!
إذن، بغض النظر عن ضجة دانييل،فقصص اغتيال أطفال المغاربة في هويتهم الجنسية،تعد بالعشرات،بحيث ترقبنا منذ فترة طويلة،أن يتبنى القائمون على أمورنا،قولا وفعلا، برنامجا اقتصاديا وسوسيوثقافيا وسوسيوتربويا،ينتشل هؤلاء من منظومة القهر،ويضعهم في قلب وطن يستحقهم بحكمة وفطنة الكبار، ويحبونه حتى الثمالة ببراءة الأطفال.
سعيد بوخليط