ثورات شعوب شمال إفريقيا والدول العربية: هل هي صورة لبلوغ الأنوار والتنوير؟
“إن الكسل والجبن والخمول واللامبالاة ، أسباب مباشرة في بقاء عدد كبير من الناس في دول العالم الثالث ، وبمحض إرادتهم ، وليس بديكتاتورية المسؤولين ،وطوال حياتهم ، هم رهيني كهوفهم على حد تعبير أفلاطون. رغم أن فلسفة الكون حررتهم منذ ولادتهم”
هذه هي القولة التي بدأت بها مقال لي عنونته ب ” وضع الأمازيغية مسؤولية الأمازيغ أولا” كان منشورا في منابر إعلامية ورقية والكترونية في السنة الماضية 2010 ، هذه السنة التي تم توديعها بايقاعات أخرى جعلتني اهتز بفرحة كبيرة وبان أتذكر عصر الأنوار وعصر استخدام العقل و التخلص من قصوره وبالتالي محاولة بناء فكر جديد عنوانه “التغيير بفضل مجهود الشباب” ، هذا الفكر الذي أسس على ضرورة مخاطبة المجتمع بلغة الواقع المعيش وليس بالمتمنيات…مما جعل الثورة تؤمن بان التغيير يبدأ من أعلى الهرم وليس من أسفله كما تعتقد اغلب الهيئات السياسية ، وان التغيير لا يتحكم فيه تنظيم سياسي بل يأتي عن طريق عزيمة الشباب وقوته الفكرية والتطلعية إلى مواجهة المستقبل، كما أن الثورة لا تحتاج إلى أسلحة ولا إلى أدوات وإمكانيات مادية كبيرة بل تحتاج فقط إلى استخدام العقل و تنويره بضرورة التغيير والتخلص من الخوف الكبير الذي سببه الأخر المسيطر على خيرات البلاد.
فعلا، لقد تم توديع السنة الميلادية 2010 والانتقال إلى سنة 2011 على إيقاع أحداث غير معهودة على مستوى الشارع في دول شمال إفريقيا والدول العربية، إذ انطلقت هذه الأحداث من مدينة العيون في الصحراء المغربية من “اكديم ازيك” .وبعد مرور أسابيع قليلة انطلقت شرارة الشارع بكل من الجزائر وتونس، تلتها مظاهرات صاخبة بكل من مصر والأردن واليمن وغيرها من الدول العربية،مما جعل الأمر يكتسي طابعا أخر يجعلنا نتساءل عن الأسباب الكامنة وراء تحرك الشارع في مختلف هذه الدول وخاصة في الظرفية الحالية التي تعاني فيه الدول الغربية من الأزمة الاقتصادية : هل هذه الثورات بريئة أي أنها جاءت بفعل انتقال الإنسان الثالثي من عقل الجمود والخنوع والتبعية والمزيد من الصبر إلى عقل التنوير وعقل استخدام المنطق وبالتالي التفكير في ضرورة التغيير؟ أم أن الأمر يتعلق فقط بإستراتيجية أجنبية عنوانها “الاستعمار الجديد وبالأسلوب الجديد” والذي يمكن أن ندخله في ما يمكن تسميته مصائب قوم عند قوم فوائد ، فالغربيون بزعامة أمريكا وأوروبا حاولوا فقط تطبيق مشروعهم الاستعماري الجديد والداعي إلى فك الأزمة الاقتصادية واكتساب تعاطف الشعوب واستبدال الحكام بعدما انتهت مهمتهم التي كلفوا بها من قبل والتي ضمنت لهم البقاء في الكراسي، المهمة التي كان عنوانها ” الكرسي الرئاسي مقابل ضمان مواجهة الإرهابيين وكل من يقف ضد المشروع الغربي”؟
فبعد سقوط نظام ابن علي بتونس ، هذا النظام الذي كان يضرب به المثل في بعض الإصلاحات الأساسية في شمال إفريقيا. وسقوط نظام حسني مبارك في ظرفية قصيرة لم تتجاوز شهر من الانتفاضة الشعبية … ثم بداية اشتعال الثورات الشعبية في كل من ليبيا واليمن والبحرين…لابد من الوقوف لحظة تأمل لقراءة كل هذه الأحداث التي أصبحت هي الأكلة الدسمة لوسائل الإعلام العربية والغربية ، حيث أصبحت القنوات التلفزية تتسابق نحو نقل غضب الشعوب الثالثية وكذلك المبادرات الاصلاحية التي تقدم عليها بعض الأنظمة الديكتاتورية خوفا على نفسها من لهيب نار ثورة الفيسبوك والذي يعني “وجه الكتاب” وبما له من دلالة رمزية. متمنيين أن يتم فتح الكتاب بشكل رسمي مستقبلا وليس ان نكتفي بوجهه فقط ، لكي نقرأ فلسفة الشعوب مع القهر والعبودية واستغلال البشر ، لكي نتصفح الكتاب الحقيقي لكل المستعمرات السابقة لدول أوروبا وأمريكا والتي مازالت تتقن سياسة العربة والحصان فلا احد يستطيع أن يبدع ويتبادر في ابسط الأمور إلا بموافقة أهل الرأي والشأن ولو في اندلاع الثورات… لكن الأمل كل الأمل في أن ينقلب السحر على الساحر في يوم ما وفي زمن ما.
ولنعود من خلال هذا المقال الذي يشكل وجهة نظر لمتتبع مغاربي نسعى ان نتناول من خلاله النقط التالية:(لكن اود قبل ذلك ان اشير الى ان هذه المبادرات الثورية مهمة جدا واتمنى ان تستغل بشكل ايجابي وباستقلالية تامة)
1.العقل أولا وسياسة القطيع ثانيا:
إن أصعب ما يملكه الإنسان هو العقل، فبفضله يصبح إنسانا وبدونه يصبح لعبة سهلة التحريك والتحكم والتسيير.فقد يظهر لنا بان ثورات شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط قد ارتكزت على استعمال العقل وتنويره ، لكن أي عقل؟ هل هو عقل شباب وأبناء هذه الشعوب ام عقل أخر ومدبر له مشروع سياسي يسعى إلى ترسيم وتحديد خريطة مستقبل هذه الشعوب بل خريطة العالم كقرية لها سائق واحد ولها حاكم واحد ولها برلمان واحد. هنا يظهر لنا درجات العقل ودرجات استخدامه، فهناك فعلا عقل وأيضا عقل العقل كما أن هناك حاكم دولة وهناك حاكم الحاكم.فلكي يدرك العقل الأول مدى صحة قولنا هذا ومدى استخدامه للعقل في تسيير واندلاع ما يسمى بثورات الشعوب اليوم يكفي أن يتساءل عن المدة التي استغرقتها هذه الثورات وعن زعماء المعارضة الذين تم تكوينهم في الخارج وبالضبط في أمريكا وفي انكلترا وفي فرنسا(البرادعي بالنسبة لمصر والغنوشي بالنسبة لتونس ومولاي هشام بالنسبة للمغرب …)ثم عن الصفقات والمشاورات التي تتم مع المؤسسات العسكرية من اجل احتواء الوضع والتدخل وفق الطلب الغربي.فكيف سيتم استخدام عقل لم يتم تكوينه أبدا على النقد وعلى السؤال وعدم تقبل الاملاءات؟ وكيف لنا ان نملك عقلا من الدرجة الأولى وليس عقل تابع للعقل يستهلك فقط ما ينتجه الأول، بدون مدارس مبنية على التفكير الفلسفي وعلى التفكير الناقد منذ الصغر؟ ثم هل هناك ثورات في التاريخ يحدد لها تاريخ اندلاعها؟ ام هي تأتي بعد نضج أفكارها ومشروعية مطالبها؟
ثم ألا يحق لنا، بعد استخدام العقل واستبعاد العاطفة، أن نتسائل عن سياسة القطيع التي أصبحت تغطي هذه الثورات فمن تونس ثم الى مصر ثم إلى ليبيا ثم البحرين ثم اليمن الى غير ذلك بمعنى لابد ان ننتظر حتى يبدأ الزعيم ثم يتبعه القطيع وبنفس الخطى ونفس المراحل ولو اختلفت الظروف السياسية والاقتصادية والتاريخية …ولماذا لم يتم التفكير في توحيد الثورة واندلاعها في نفس الوقت مادامت الوسائل التكنولوجية متوفرة والفيسبوك هو ساحة الاكورا لمناقشة الحيثيات والملابسات وتنوير العقول والدفع بها للخروج الى الشارع؟
أم أن الأمر هو مرتبط بخطة الدولة المستعمرة والتي ستستفيد من التغيير، وهنا اذكر بان أول من زار مصر بعد سقوط حسني مبارك هو وزير الخارجية البريطاني ثم ان من يزود ليبيا في مواجهة المظاهرات هي ايطاليا ، ثم مدى تدخل فرنسا في شؤون تونس أثناء وبعد الثورة… بالجملة البسيطة السيناريو الاستعماري واضح جدا.فكيف ذلك؟
2.ثورات شعوب العالم الثالث هو استعمار جديد بأسلوب جديد:
يكفي لكل متتبع ان يعرف بان الاقتصاد الرأسمالي مبني أساسا على اقتصاد السوق أي على العرض والطلب وبالتالي احتمال توالي الأزمات الاقتصادية الدورية والتي هي عادية ثم الأزمات المرحلية التي تتطلب تدخل الدولة في الاقتصاد وهذا ما عرفه العالم منذ سنة 2008 إلى يومنا هذا مما جعل الدول الغربية تفكر في حل هذه الأزمة بطرق جديدة وذلك برد التوازن للاسواق المالية والبورصات العالمية عن طريق حلول كان أولها الإشارة إلى ظهور ما يسمى بمرض انفلونزا الخنازير(H1N1) والذي تناولته وسائل الإعلام بشكل غريب جدا مما جعل جل دول العالم وخاصة دول العالم الثالث تصرف أموالا ضخمة في اقتناء الأدوات الطبية والوقائية والمراقبة بالمطارات وكذلك الخبرة الطبية، هذا في الوقت الذي توجد أمراض فتاكة مازالت تحصد الملايين من البشر في إفريقيا وفي الدول العربية واسيا.وبعد تفاقم الأزمة وتزايدها،تم التفكير في اللجوء إلى الاستعمار والاستثمار في الأسواق الخارجية وفي المستعمرات السابقة…هذا ما دفع الى ضرورة اندلاع ثورات شعبية تهدف تغيير الأنظمة وبالتالي إمكانية التدخل ورسم السياسة الجديدة بهذه الدول والاستفادة من كل الصفقات في جميع الأصعدة والميادين. وهنا أشير إلى النقط التالية التي تجعل من الأزمة الاقتصادية تتراجع :
– أول استفادة هي التمكن من الحفاظ على السيولة الداخلية للدول الغربية بعدم خروجها وبالتالي تصريفها داخليا كمثال على ذلك : مدخولات السياحة التي كانت ستوجه الى شمال افريقيا والشرق الأوسط تغيرت وجهتها الى دول اوروبية مثل اسبانيا وفرنسا وامريكا، بحجة غياب الأمن والاستقرار.
– تصريف الأزمة إلى الخارج وعدم التفكير فيها من طرف السكان عن طريق تقديم ما يجري بالدول العربية عن طريق وسائل الاعلام.
– كل ما تم تخريبه وتدميره من سيتكلف ببنائه وإعادة بناءه ؟ بطبيعة الحال شركات غربية حسب التقسيم الاستعماري السابق.
– سيتم انتخاب رؤساء جدد وغالبا من المعارضة التي شبت وترعرعت في أحضان الغرب، مما سيسهل من الوصول إلى كل المصالح والامتيازات الاقتصادية.
– في حضور مثل هذه الثورات سيعاد التفكير في حلول جديدة للتسلح وبالتالي فتح أبواب أمام صفقات كبيرة جدا لشراء واقتناء الأسلحة المتطورة وهنا ستستفيد أمريكا بالدرجة الأولى كما استفادت من سياسة الإرهاب العالمي.
– وبما ان الانترنيت والفيسبوك هي مصدر الثورات فان الحكومات والحكام الجدد سيستثمرون في اقتناء أحدث الوسائل التكنولوجية من اجل ضمان المراقبة الأمنية والتصنت وتتبع كل ما يجري وما يحدث.
– دون أن ننسى الإصلاحات الضرورية التي طالبت بها الشعوب والتي تحتاج الى إمكانيات مادية ضخمة وخبرة أجنبية عالية مما يجعل الدول الصناعية والغربية هي الملجأ الوحيد لتلبية هذه الطلبات الملحة والسريعة عن طريق القروض الدولية مقابل امتيازات.
– ثم إن الاصلاحات التي ستشهدها الدول العربية ودول شمال إفريقيا بالخصوص ستساهم في التقليل من الهجرة السرية والقانونية بل ستشجع المهاجرين للعودة الى بلدانهم وبالتالي تحقيق ما كان يدعوا إليه احد الديمغرافيين الفرنسسين عندما قال حول الحل الوحيد للهجرة : ” الثروة والبشر متلازمان : فإما أن ترحل الثروة إلى حيث يوجد البشر او أن يرحل البشر إلى حيث توجد الثروة” بمعنى إذا تم تحقيق الشرط الأول ( وهو الان يتحقق بسبب الثورة) فان الشرط الثاني سيلغى، أو العكس.
3.أمريكا وقيادة العالم مع ضرورة احترام سياسة العربة والحصان:
فبعد الحروب العالمية الأولى والثانية، كان سؤال من سيقود هذا العالم هو البارز الى السطح مما جعل الحرب الباردة تندلع إلى أن تم إسقاط النظام السوفياتي السابق وتم فتح الفرصة أمام أمريكا لتسيطر على العالم ومع العالم القرية الصغيرة التي ابتدعا العالم الأمريكي ماكلوهان فان طموحات الزعامة والقيادة للعالم وفرض أمركة العالم وسيادة النموذج الأمريكي في كل أنحاء المعمور.وهنا نستحضر تلك المؤسسات الدولية التي تسخرها امريكا لخدمة هذا الغرض. اذ اصبح الهدف الاسمى هو جعل العالم بمثابة دولة واحدة وقرية صغيرة تتحكم فيه امريكا عن طريق حكومة دولية ببألف دائما من رؤساء الدول الصناعية والدول المتقدمة لكن الرئاسة لأمريكا ويهود العالم أما نيابة الرئاسة فهي مناصفة بين اسرائيل وبريطانيا. والهدف من مشروع ثورات شعوب العالم الثالث هو تحقيق المرحلة الثانية من مشروع القيادة وهو إمكانية تغيير الحكام وتعيين الجدد عن طريق التدخل الأمريكي ، إذ بدأ يصبح من العادة إن يتم الاستنجاد ومشاورة أمريكا في حل الأزمات الداخلية للدول عن طريق انتظار رأيها وقرارها.فعندما اندلعت الثورة في تونس ومصر بدأ الجميع يسير بخطى أمريكا وهنا اقصد المؤسسة العسكرية. ولكي يتضح لنا هذا التوجه أشير إلى النقط التالية:
– تدخلت أمريكا فغيرت النظام في العراق عن طريق القوة لتعطي درسا نموذجيا لكل الدول الأخرى.
– تدخلت أمريكا في تغيير النظام في أفغانستان.
– تم تقسيم السودان بفضل خطة أمريكا وتم خلق دولة مسيحية في الجنوب مقابل دولة إسلامية في الشمال.كما تدخلت وطلبت اعتقال عمر البشير.
– تخلت عن حسني مبارك رغم ما قدمه لمشرعها في الشرق الأوسط بمعنى ان سياسة أمريكا فوق كل اعتبار وأنها تستطيع ان تبدل رئيس بأخر ما تشاء وفي أي زمان ومكان.
– ليس من مصلحة الدول الغربية بزعامة أمريكا أن تبقى دول العالم الثالث متخلفة وبالتالي فشل مشروعها الصناعي والتجاري، بل لابد من احترام المسافة الثابتة والمحددة بين العربة والحصان أي لضمان الاستمرارية فكلما خطت الدول الصناعية خطوتين تخطو وراءها الدول الثالثية خطوة لتساير مستجداتها وتعمل على استهلاك منتوجاتها، فعلى سبيل المثال ما جدوى صنع الهاتف النقال في الوقت التي لم يتم فيه محاربة الأمية الأبجدية ثم ما جدوى تقديم خدمات الكومبيوتر في الوقت الذي مازال فيه الأسواق في العالم الثالث لا تعرف لهذه الخدمة او لم يتم تزويدها بالكهرباء والماء…فبعض المنظمات والشركات الغربية تقدم هيبات ومساعدات مالية لتزويد السكان في الدول العربية وشمال إفريقيا بالكهرباء ضمانا لتسويق منتوجاتها : فالأسرة تستفيد من الكهرباء وبالتالي فهي تقتني التلفاز والثلاجة والفرن والهاتف والمذياع والمكيف الهوائي ….
– هناك مشروع الألفية الثالثة (نتذكر مشروع مارشال)والذي خصصت له أمريكا دعم مالي مهم تستفيد منه الدول مقابل اصلاحات هامة في مجالات عدة منها : مجال حقوق الإنسان، مجال المساواة بين الرجل والمرأة، مجال التنمية البشرية ومحاربة الأمية، إصلاح التعليم، مجال الإعلام وحرية التعبير…
– تم إحداث سجن عالمي تابع لأمريكا (كوانتنامو) لمعاقبة أو تكوين كل معارض لسياسة الدولة الزعيم.
4.الإعلام والانترنيت هما سلطلتا التغيير بالعالم:
أصبحت الانترنيت ووسائل الإعلام هي السلطتين اللتين تعتمد عليها الدول الغربية في تحقيق التغيير في دول العالم بحسب الجرعة المرغوب فيها، فتم إحداث قنوات تلفزية لها من الإمكانيات المادية والبشرية ما يجعلها تنقل كل الأخبار والأحداث وباللغات الأكثر انتشارا كالعربية والفرنسية والانجليزية والاسبانية ، وفي المقابل تجعلها في المواجهة وفي خانة العدو من اجل ضمان استقلاليتها و مصداقيتها فهي قد تلجأ إلى قصف مواقعها في بعض الحالات او اعتقال وحبس بعض صحافيها.كما أن هذه القنوات تعمل جاهدة لاستقراء الفكر العربي وفكر دول العالم الثالث بشكل عام عن طريق برامج وحوارات تستضيف فيها جل التيارات المتعارضة وذلك في إطار الرأي والرأي الأخر.وعن طريق الإصلاحات التي تفرضها على الدول على مستوى الإعلام تبقى هذه القنوات المسخرة هي المؤشر الوحيد للحكم على مدى استجابة هذه الدول لحرية التعبير وحرية الاعلام والصحافة وليس عن طريق مؤشر القنوات الداخلية والوطنية والتي مازالت متخلفة بشكل كبير جدا عند جل الدول الثالثية وخاصة العربية.
أما القنوات التلفزية الداخلية فهي كانت تستهلك الأفلام المصرية في السابق نظرا لكون الشخصية المصرية هي النموذج الذي يريده الغرب ان يسود… لكن مع تغير الأوضاع واعتماد النموذج التركي أصبحت الأفلام التركية المدبلجة من سوريا ولبنان هي التي تسيطر اليوم على البيوت.
أما الانترنيت، فهي بدورها لها خدمة كبيرة جدا ويكفي ان نتذكر من ابتكر هذه الشبكة ، أليس النظام العسكري الأمريكي هو من صنعها لخدمة أغراضه الأمنية وبالتالي فهي مازالت على ذلك الهدف الأسمى والأول.
5.المؤسسة العسكرية هي صاحبة الرأي :
لقد تبين منذ زمن بعيد بان من يملك مفتاح المؤسسة العسكرية هو الذي يستطيع ان يضمن لنفسه البقاء في السلطة ومن لم ترضى عنه هذه المؤسسة فهو سيسقط لا محالة، عكس الدول الغربية التي تحتكم الى الشعب والى المؤسسات …هذه الحكمة هي التي فهمتها السياسة الغربية من خلال تجربتها الطويلة في العالم وخاصة في الدول الإفريقية وبالتالي فهي تراهن دائما على تجاوب العسكر و تعاملهم معها.وخلال هذه الثورات التي نعيشها اليوم فالعسكر يتحرك وفق ما يحدده الغرب من خطوات وبالتالي فهو يسعى دائما إلى لعب دور الحكم في الدولة ودور الوسيط مع الغرب.فتجربة موريطانيا هي من الدلالة ما يؤكد دور المؤسسة العسكرية أي أن دول العالم الثالث هي تابعة ومستعمرة عن طريق الجهاز الأمني الداخلي.وهنا نتذكر لعبة الجيش مع بن علي بتونس و كذلك تعامل العسكر مع حسني مبارك.
على سبيل الختم:
أود في الأخير أن أشير إلى أن ما أسعى إليه من خلال هذه الأسطر التي هي في الأصل مجرد رأي شخصي، إلى أن الثورة الحقيقية هي الثورة مع الذات الإنسانية من اجل التخلص من الخوف ومن القصور والجبن والكسل ، هذه القيم السلبية التي تم تربيتها في الفرد منذ صغره عن طريق مختلف المؤسسات التي صنعها كل نظام لدولته…لكن الشيء الجميل والذي نصفق له خلال هذه الثورات التي انظر إليها من النصف الأخر للكأس هو تلك العبارات والشعارات التي رفعت في المظاهرات سواء السلمية وغير السلمية ، هذه الكلمات مثل ” ارحل يا رئيس” ” الشعب يريد التغيير” ” الحرية الحرية” ” تغيير … حرية … عدالة اجتماعية ” ” علّى وعلّى وعلّى الصوت…الى بيهتف مش حيموت” “الشعب يريد إسقاط النظام” ” الشعب يريد محاكمة الرئيس” ” ثورة ثورة حتى النصر … ثورة في كل شوارع” ” … هذه الشعارات التي تبين بأن الشعوب قد تخلصت من خوفها وبدأت ترفع رأسها المنحني منذ زمن بعيد ليتحقق بذلك التحرك الشعبي وبالتالي قدرة الثوار على إحداث التغيير المنشود حسب ثقافة ورؤية الشباب الذي كانت الأنظمة تستهين به وتعتبره غير واع وغير مبال بما يجري… و صحيح أن الفقر والجوع والحد من حرية الرأي والتعبير هي الأسباب التي أفاضت الكأس وهي التي كانت وراء كل هذه الثورات والتظاهرات الشعبيىة ولكن ليس المطالب الاجتماعية هي التي يجب ان تحرك الثورات فقط بل لابد من مشروع مجتمعي ورؤية واضحة تحدد مسار الشعب بعد الثورة تفاديا للفراغ او العودة الى مثل النظام السابق عن طريق عناصر أخرى مشابهة،او من توجه اجنبي كما هو تصوري ألان …وهنا يأتي دور الثقافة السياسية السائدة في المجتمع وموقع البلد ضمن شبكة المصالح الجيوستراتيجية الغربية.إن الجغرافيا السياسية والعوامل الخارجية تلعب دورا في اندلاع الثورات أو في توجيه تداعياتها كما اشرنا سابقا وبالتالي لابد من تدارك الأمر و على الشباب ان يدركوا بان الثورة هي ليست مجرد إطاحة النظام وإسقاط رأس الدولة وحاشيته ، بل كيف يمكن تصور وبناء مستقبل الدولة بعد الثورة؟ فالتاريخ لا يرحم. كما ان الدول المتخلفة هي دول بالأساس دول حمقاء كما يصفها الدكتور علي بولحسن، ونعلم جميعا بان الأحمق هو من له خلل في الرأس أي ان رأسه مريضة وبالتالي فجميع الأعضاء تصاب بالجنون, فكيف نريد أن نحقق الثورة في جسد مريض وأحمق؟ لكن ما يستفاد الان هو أن ثقافة الثورة قد حلت محل ثقافة الخوف وهذا ما يشكل في أمر الواقع منعطفا تاريخيا في تاريخ شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
امحمد عليلوش( Iyider النقوب )