الكتابة بين النشوة والمعاناة

0 494

كيف يتشرب القارئ الفكرة من خلال الكلمات دون إزعاج عصي أو نفسي؟ وكيف تكون الكتابة معتدلة، سلسة و سهلة يتبنها القارئ دون عسر هضم. كتىرا مادارت في ذهني هاته التساؤلات وأظن أنما تؤرق الكثيرين من حملة القلم بشتى تخصصاتهم.
و يلحق بهذه التساؤلات تساؤل هام هو متى يحق لكاتب ما إن يشير إلى الآخرين, من خلال فكره أو إنتاجه الأدبي proselytisme. أن يتبعوا هذا الطريق أو ذاك في حياتهم العملية والاجتماعية. وهل قادر الكتابة يستطيع أن يوصل رسالته إلى القارئ أم أن دلك يحتاج إلى موهبة خاصة وقدرة من نوع ما.
هذه الأسئلة يمكن أن توضع بأشكال أخرى أهم هي :هل الكتابة بأشكالها المختلفة فن أم علم ؟ أهي موهبة أم خبرة و ممارسة؟
و هل هناك دائما معاناة من نوع ما يعانيها الكاتب أو الكاتبة قبل أن ينتهي من عمله الأدبي أو الفكري ؟
هل الكاتب المبدع يمكن أن يظهر فجأة و يختفي فجأة كان يكون لدى شخص ما دافع خفي يجعله يكتب موضوعا أو قصة أو مقالا يبدع فيه ينتهي هذا الإبداع بانتهاء ذلك العمل؟
كل تلك الأسئلة المؤرقة تطوق بخاطري عندما أستعرض تجارب المبدعين.
المشاكل الشخصية والإنسانية، و كذلك المشاكل العامة الوطنية والقومية، قد تخلق ذلك الكاتب المبدع من خلال معاناته، إما الشخصية أو العامة
و من القصص الظريفة في مجال الخلق و الإبداع بدافع ذاتي، قصة (مرجريت متشل( MITCHEL Margaret
الصحفية الشابة التي كانت طريحة
تستطيع أن تسليها مدة أطول. ولم تكن الصحفية واتقة أن ما كتبته صالح للنشر حتى طلب منها ناشر أعجب بما كتبت الفراش نتيجة حادت طريق عادي ، فعندما كانت تقطع الطريق مع زوجها في إحد شوارع أتلانتا
الأمريكية، صدمتها سيارة مسرعة أقعدتها عن الحركة لمدة ثلاث سنوات و حتى تقضي على المعاناة الملل داومت على القراءة إلى أن جاء الوقت الذي لم يستطع فيه زوجها أن يجلب له كتبا جديدة من مكتبة الحي فأقترح عليها أن تكتب هي بدلا من أن فحسب . وبدأت بالفعل محاولة كتابة رواية طويلة و طلب منها كتابة الفصل الأول للرواية ، تلك الرواية التي عرفت فيما بعد بعنوانها (ذهب مع الريح) و التي حولت إلى فلم سنمائي ناجح وبيع منها ملايين النسخ، إل أن الأقدار كانت لها بالمرصاد ففي مساء أحد أيام غشت 1949
كانت مارجريت متشل تعبر الشارع مع زوجها هذه المرة في طريقها إلى المبنى الواقع عبر الشارع لمشاهدة فيلم (ذهب مع الريح)
وفجأة جاءت سيارة أجرة مسرعة لتصدم مرجريت المسكينة في حادت جديد هذه المرة لتبقى خمسة أيام أخرى على قيد الحياة تم تفارقها متأترت بجراحها. وتذهب مرجريت لتظل روايتها ( ذهب مع الريح) رواية خالدة في تاريخ الأدب الأمريكي و العلمي و الرواية الوحيدة للمؤلفة المغمورة.

يقول لنا تاريخ الأدب إن شخصية روائية مثل( إرنست همنجواي) المحب للحياة بكل ملذاتها يتحول بقدرة قادر إلى شخص أخر عندما يبدأ كتابت رواية له، ففي الوقت الذي كان يفتح مقر اقامته لأصدقائه الكثيرين من الفنانين وكتاب وسينمائيين في مزرعته الكبيرة غرب الولايات المتحدة في الأوقات العادية، كان يطلب من الجميع عدم زيارته أو مغادرة المكان إن كانوا هناك حين يبدأ في كتابة رواية أو قصة، فوق ذلك ينصرف عن الحديث للمقربين منه بل مع من يسكن معه في المنزل و يغلق عليه حجرة الكتابة في الوقت الذي يضع لافتة على باب منزله كتب عليها : يمنع الدخول.
كما يذ كر لنا تاريخ الأدب أن (جورج سيمونز) كان عندما يكتب يتصرف وكأنه مسافر أو مريض، فالزيارات غير مسموح بها و الرسائل و البرقيات لا تفتح وحتى الهاتف لا يرد على ندائه، وعندما تتعثر الكتابة لأي سبب كان يلقي بكل ما كتبه في سلة المهملات كي يبدأ من جديد.
أما (أجاتا كريستي) التي شغلت نفسها بالكتابة في الجرائم سبر أغوار القصص البوليسية فكانت تستوحي أفكارها في (الحمام)، وكانت تقول (إني في العشرة أيام الأخيرة قبل الكتابة أحتاج لتركيز محكم على أن أظل وحدي دون ضيوف و دون رسائل ، ثم أبدأ في كتابة الرواية بعد ذلك).
ولكن هل هذه تصرفات شاذة أم هي حالة طبيعية يمر بها الكاتب الخلاق نتيجة معاناة إنسانية حقيقة كي ينتج ما ينتج من فن أو أدب.
الكتابة ليست عملية ميكانيكية فإذا اختفت المعاناة اختفى الإبداع، و نحن نجد اليوم عشرات بل مئات المقالات و القصص والروايات والمؤلفات ولكن عندما يفتقد كتابها المعاناة تفتقد كتابتهم الروح المؤثرة على القارئ فتصبح مجرد كلمات.
و الكتابة بجانب كونها إبداعاً وفناً هي علم وتقنيات.
فعدم الإلمام بهذا العلم أو التقنية يجعل من الكاتب مجرد هاو على أبعد تقدير. فكما للقصة و الرواية تقنية محددة يتبعها الكاتب، كذلك للمقال والدراسة و حتى للتحقيق الصحفي. و هناك مؤلفات تمكن عبر مطالعتها من التمرس على الكتابة و إتقان أبجدياتها.
والفرق بين الكاتب الجيد و الغير الجيد هو فرق في المعاناة و المدخل والتناول.
ليس جمع المعلومات و تنظيمها ثم وضعها على ورق يعني الإنجاز الجيد لكاتب مقال أو دراسة، و ليس مقدمة و حبكة نهاية القصة هو المطلوب في القصاص والروائي، ولكن بجانب ذلك فإن المعاناة الإنسانية للكاتب و القاص هي التي تجعل عمله ناجحاً أو العكس.
فكاتب المقال الصحفي إن لم يكن ملما بتقنية الكتابة مثل كيفية الدخول في الموضوع و مناقشة أراء الخصوم واحد تلو الأخر بدأ بأقوى حجة لديهم منتهيا بأضعفها, مبتدئا بعد ذلك بأضعف حجة لديه منتهيا بأقواها كي يترك الانطباع الأقوى لدى القارئ أو السامع، إن لم يكن ملما بهذه التقنية فهو جامع كلمات أكثر منه كاتب مقال صحفي ناجح ومثاله مثال آخرين في مهن أخرى.
وكما لا يستطيع أي مغني أن يطرب، وكل عازف على آلة موسيقية أن يشجي، لا يستطيع جامع الكلمات أن يؤثر و يصبح كاتبا إلا إذا أتقن فنه علما و معاناة.
من هنا نجد أن الكتابة فن وعلم و كذلك عملية سهلة و ممتنعة، فدون تعميق الموهبة بالعلم والدراسة وفهم تقنية الكتابة وإجادتها، تسود الصفحات دون طائل أو جدوى.
ونجد اليوم في بلادنا أمثلة كثيرة على ذلك، فمن يكتب في الثراث قد يسئ إليه أكثر مما يخدمه إن هو تجاوز حدود العلم. و من يكتب في السياسة و الاجتماع و الفكر دون رؤية و معاناة يفسد الرسالة، بل قد تأتي النتائج مضادة للهدف المراد.

عمر غندون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.