بيد أن المهم في هذه العملية برمتها حسب هؤلاء المزارعين – هو وجود مزارعين لهم دراية بنوعية معينة من الأشجار يطلق عليها ” الذكور من النخيل “, والتي توفر عريشات تحتوي على مادة بيضاء , يتم قطفها لوضعها اتباعا داخل عريشات أشجار النخيل ” الأنثى ” , وهو ما يطلق عليه عملية التلقيح .
والأهم من كل ذلك وذاك , هو أن كل الأشجار ” الأنثى ” المتواجدة بمحيط ” ذكر ” شجر النخيل , لا يتم تلقيحها يدويا , لأنها تحصل مباشرة على تلك المادة البيضاء الضرورية لعملية التلقيح , فقط من خلال هبوب بعض الرياح المعتدلة التي تنقل هذه المادة البيضاء , لتتلقفها عريشات أشجار النخيل الأنثى .
وعملية تلقيح أشجار النخيل , في شقيها اليدوي والطبيعي , يعرفها جيدا مزارعو أشجار النخيل بالمنطقة , بل الأكثر من ذلك يعرفون حسب التجربة أن بعض أنواع أشجار النخيل – من قبيل نوع يطلق عليه ” أكليد “- لاتحتاج أصلا إلى تلقيح , لأن تلقيحها يضعف بالضرورة بلح الأعراش فيتحول إلى تمور غير صالحة للاستهلاك البشري يطلق عليها محليا ” الخسيان “.
وبالنظر لقيمة عملية التلقيح بواحة درعة , ما يزال مزارعو أشجار النخيل يقومون بها وهم يرددون عبارات موزونة متوارثة بصوت عال يغلب عليها الطابع الإيقاعي , والتي تشكر الباري تعالى على خيراته ونعمه الكثيرة .
إن عملية توالد وتلقيح أشجار النخيل , التي تستمر من مارس حتى ماي حسب المناطق , تشكل – فضلا عن بعدها الفلاحي الصرف – طقسا احتفاليا غالبا ما يقترن بأفراح أخرى ذات طابع اجتماعي , من ذلك على سبيل المثال لا الحصر , هو اقترانه هذه السنة بموجة كبيرة من الأعراس تشهدها المنطقة طيلة شهر أبريل .
وحسب هؤلاء المزارعين , فإن بشرى توالد أهم منتوج فلاحي محلي بكثرة ( النخيل ) ووجود مياه تكاد تكون كافية للمنتوجات الفلاحية وقرب تسويق بكثرة البطيخ الأحمر المحلي المتميز بمذاقه وجودته العالية , كل ذلك يشجع على الانخراط في أفراح أخرى , وعلى البقاء بالواحات عوض الهجرة إلى المدن في حالة استمرار فترات الجفاف.