كيف لا تكون يدك عاهرة في مدينة كمراكش..؟
كان من أجمل الدواوين التي قرأتها للشاعر” عبدالله زريق” ذلك الديوان الشعري الذي حوت إحدى أبياته جملة جميلة اقتبسها لأجعلها جزءا من عنوان هذا المقال ألا وهي ” كيف لا تكون يدك عاهرة ” ثم أضفت لها ” في مدينة كمراكش ” حتى تحمل معنى يسمح لي بكتابة هذا موضوع ,وما دامت مراكش الوجهة المفضلة للسياح “الأفاضل” كان من الضروري التركيز عليها في التحليل.
كان ذلك أواخر سنة 2007 حيث كنت أتجول داخل ساحة ” جامع الفنا ” رفقة أحد الأصدقاء وكنا حينئذ طلبة بكلية الحقوق, وكان من جملة ما أثار انتباهي” حلقة ” ينشطها شخصان مشردان بين الفينة والأخرى يخرجان كيسا بلاستيكياليتنشقا روائح مادة “السيليسويون” من أجل زيادة الفرجة وتمتيع المتفرجين وإذا بهما يبدآن في القيام بحركات مثيرة بأساليب فكاهية من قبيل الصاق أحد المنشطين حوضه بمؤخرة الآخر, وأمام هذا المشهد رفعت بصري في الحاضرين وإذا بهم خليط بين المغاربة والسياح الأجانب والكل يستمتع بمشاهدة مناظر الرذيلة هاته فوكزت صاحبي ثم انطلقنا صوب ” حلقة ” أخرى.
فكانت هذه المرة “حلقة ” ينشطها شخص يبدو من كلامه التمرس والإبداع في الأساليب الفكاهية كما كان له أسلوب رائع في الحكي إذ تحس من خلال كلامه بشاسعة خياله ,إلا أن هذه الحلقة تتميز عن سابقتها بوجود فتيات في عمر الزهور جالسات في أبهى صورة قرب الحكواتي يرتدين ملابس ملتصقة على أجسادهن وصدورهن بادية فسألت رفيقي ما حاجة هذا الحكواتي لهؤلاء الفتيات فأجابني بأسلوب رائع إنه ” الماركتين ” يا صديقي.
فاكتشفت بعد دقائق فراسة صاحبي لكون أغلب من كان يقف في” الحلقة ” لم يكن يعير الحكواتي أي اهتمام بينما كان أهم ما يشد انتباههم تغنج الفتيات والحصول منهن على أرقام هواتفهن,بينما أنا في تركيز تام في مشاهدة هذا التناقض الصارخ لما يقولون عنه تراث عالمي, ناد المنادي لصلاة العشاء, ونحن نخترق الجموع المزدحمة وقع بصري على سائحين غربين يتعانقان ويتبادلان القبل في مشهد يندى له الجبين وتساءلت إن كنت لازلت أحافظ على وضوئي أم أنه قد انتقضفاضطررت الى إعادته.
لقد كانت الصدمة كبيرة جدا لهذا المنظر الرهيب إذ كيف يعقل بدولة تدعي الاسلام دينا لها تسمح بوقوع مثل هذه المشاهد وفي الأماكن العامة التي قد تجد أسرة بكاملها تتجول فيقع بصر الفتاة والفتى والأطفال على هذه الحركات المثيرة التي لن يجرء الأب و لا الأم على شرحها لأبنائهما ,لكن لا أعتقد أن أبا يحترم نفسه سيصحب أبناءه الى وكر الدعارة هذا الذي يسمونه جزءا من التراث العالمي ,كأننا نتحدث عن مسجد عبد الحميد في تركيا أو حدائق الفراشات في ماليزيا, أو الأهرامات في مصر,حتى الحديقة الخلفية لمسجد ” الكتبية ” الذي شهد على عبقرية الرجال الذين كانوا يحترمون أنفسهم وكانت أوربا كلها ترتعد فرائسها من أسمائهم كيعقوب المنصور, يوسف ابن تاشفين, طارق ابن زياد, عقبة بن نافع وآخرون تحولت لأسف الشديد الى ملتقى للشواذ والمثليين.
أما ” العرصات ” الموروثة عن هذا الجيل فتحولت هي الأخرى الى ملتقى العشاق وأماكن للزنى في واضح النهار, فمثلا الحديقة القريبة من كلية اللغة كانت وجهتنا المفضلة للمراجعة خلال الأيام الأولى لالتحاقنا بالكلية لكن مع الوقت أصبحنا لا نطيق الجلوس على كراسيها للمشاهد التي قد يصطدم بها بصرك من تبادل للقبل واللمس المتعمد للمناطق الحساسة من طرف كلا الجنسين, مما حدى بنا الى هجر هذه الحديقة مكرهين منتقلين الى حديقة أخرى في “الوحدة الرابعة”.
لكن للأسف نفس المظاهر المخلة بالحياء منتشرة في هذه الحديقة بدورها, إذ أغلب المترددين عليها هم مراهقون في المستويات الاعدادية والثانوية وهؤلاء في مراحلهم الأولى للفورة الجنسية مما يجعلهم يتصرفون بوقاحة بادية للعيان دون أدنى احترام للمصلين الذين يترددون على المسجد المجاور لهذه الحديقة,وهكذا أينما حليت وارتحلت في هذه المدينة الا وتصطدم بمظاهر عري وتفسخ وانحلال أخلاقي رهيب.
في أحد الأيام و أنا متجه نحو مسجد “بن بكار” المجاور لدوار المساكين حيث كنا نقطن حينها, لأداء صلاة الصبح مرت بجانبي سيارة تسير ببطيء وإذا بداخلها شاب عاري الساقين والأفخاذ يضع في حجره فتاة جميلة واضعة يدها على المقود بينما صاحبنا يتلمس مناطقها الحساسة, فتساءلت مع نفسي ماذا لو باغتهم ملك الموت ماذا سيكون حالهم أمام الله ,الناس الأسوياء يبدؤون يومهم بعبادته سبحانه بينما هؤلاء يصرون على المعاصي ويتمادون في ارتكاب الموبقات.
وهناك ظاهرة أخرى لاحظتها في هذه المدينة حيث هناك نوعان من السكان, سكان الليل وسكان النهار, فأما سكان النهار فهم أناس عاديون يلبسون ملابسنا ويزاحموننا في المساجد كما في الأسواق ,ويتحدثون الينا بلطف غالبا وبلكنة مراكشية جميلة تأسرك للوهلة الأولى كما أنهم يخلدون الى بيوتهم في أوقات مبكرة, بينما سكان الليل فهم جفاة قساة ,بين متشرد ومتسكع وبائع للمخدرات ومومس لم تخرج من بيتها الا في أوقات متأخرة وفي أبهى صورة حيث المكياجات والملابس الشفافة والملتصقة تلهب مشاعر الشباب الأسوياء مثلي وتحرك ما كمن من غرائزهم.
أما إن أردت أن تخرج الى عالم التحضر كما يسمونه فعليك ” بكليز”, حيث الأفخاذ العارية ,والصدور البادية, والبطون المكشوفة, ولغات شتى وكأنك في حي من أحياء باريس أو نيويورك بينما أنت في زريبة كبيرة وجميلة تضم مخلوقات غريبة هي أقرب لعالم الحيوان منها لعالم الانس وما خفي كان أعظم إذ سمعت عن ما يقع في الملاهي الليلية والفنادق المصنفة والمنتجعات السياحية من زنى ومعاقرة للخمور ولواط ومناكر شتى .
أحسست بغربة كبيرة وأنا أتجول في هذا العالم من مراكش وأنا البدوي الأصيل الذي لازالت عادات الآباء والأمهات تجري في دمي ككريات حمراء حيث صورة ” ملحفة ” أمي وخالتي ,وبنات الجيران و” ذراعية ” عمي وخالي وأبناء الجيران كامنة في ذهني لم تفارقه وحيث مشهد الخيمة والابل وحنين النوق لم يفارقني بالرغم من المدة التي قضيتها في عالمي الجديد هذا.
وأنا أنتظر الحافلة الحضرية لتخرجني من هذا العالم الكئيب ,وقفت الى جانبي شابة في مقتبل العمر تنتظر الحافلة هي الأخرى مرتدية سروالا ملتصقا واذا بأحد السياح الأجانب يقترب منها ويسألها إن كانت تريد مصاحبته بلغة فرنسية وبطريقة متبجحة, فرفضت الفتاة وانزاحت عنه ثم تبعها من جديد و أحسست بفوران غريب في دمي وبدأت أغضب وبعد برهة وأمام تصلب الفتاة امتطى أول حافلة قادمة ثم اختفى بين الشوارع, فتذكرت المرأة التي نادت ” وامعتصماه ” عندما ظلمت في أرض الروم فأرسل المعتصم بالله رسالة الى ملكهم قائلا فيها “من المعتصم بالله الى كلب الروم – فيما معناها – إما أن تعطيالمرأة المسلمة حقها وإلا جئتك بجيش أوله عندك وآخره عندي” وهذه ظلمت في أرض الروم وكيف كان الرد بينما بناتنا تنتهك أعراضهن في دولتنا الحبيبة ولا من يحرك ساكنا.
إنها العزة, إنها الشهامة ,إنها المروءة التي افتقدت في زماننا هذا حيث بيعت الأعراض وانهار الشرف وبدأت ذئاب الروم تنهش لحوم بناتنا وأطفالنا ويتلقون العفو تلو العفو, فمرة باسم السياحة ومرات باسم الفن وأحايين أخرى باسم تلاقح الثقافات وفي الغالب باسم العلاقات الدولية, يا عالم أين المعتصم بالله..؟, أين يوسف ابن تاشفين..؟,أين يعقوب المنصور..؟
يا أهلنا في مراكش أماتت فيكم مروءة أجدادكم وشهامتهم..؟ ,ماذا ورثتم من هؤلاء العظام..؟ أورثتم منهم السراويل ” المسروبة “,وتغنجات الفتيات حتى لم نعد نميز بين إناثكم من ذكوركم, أورثتم منهم الجثث الضخمة والعضلات المفتولة للمباهاة فقط وليس للدفاع عن الأعراض والشرف, أعجزت نساءكم عن إنجاب مثل هؤلاء الرجال..؟, أم أنكم أمنتم مكر الله.
إن لله جنودا في الأرض فلا تحسبوه غافلا عما يحدث عندكم , فولله إني أخاف عليكم جبال الأطلس, كما أخاف عليكم حرارة الصيف وزمهرير الشتاء, وما مدينة بومباي اليونانية ببعيدة عنكم إذ نفس المنكرات التي كانت سائدة عندهم وعوقبوا بسببها قد انتشرت فيكم وبينكم وكأني بتلك الجبال قد انفجرت وأرسلت حمما وأنهارا حمراء تذيب الصخور قبل الأجسام, وكأني بتلك العيون قد غارت وفقدتم معها الماء,وكأني بجبال من برد قد سقطت من السماء فأغرقتكم فهلك الصالح والطالح بسبب المنكرات التي انتشرت في مدينتكم.
إن الذي دمر إقليم “جينوا” عن بكرة أبيه بتسونامي بحري لن يعجزه تدمير مراكش بتسونامي صخري أو ثلجي أو مائي, والقاسم المشترك هو الرذيلة والفواحش بمختلف أشكالها, تلك دولة إسلامية وهذه دولة إسلامية ورب العزة لا يحابي أحدا.
يا أهلنا في مراكش إنها صرخة مدوية من قلب قد احترق غضبا واشمئزازا من استهتار السياح بأخلاقنا وضربهم لديننا في العمق ,يا أهلنا في مراكش إنهم أطفالنا وفلذات أكبادنا من يغتصبون ,أتريدون بناء مستقبل أمة بأطفال انتهكت أعراضهم وجرحت كرامتهم؟إن الأمة التي لا تستطيع أن تحمي أبناءها وبناتها من مخالب ذئاب الروم فإنها لا تستحق الحياة بل إنها لا تستحق حتى الموت ,إن الأمة التي تبني اقتصادها بهدم أعراض بناتها أمة لا بارك الله في اقتصادها.
كنا نطبل ونزمر لعشرة آلاف سائح خلال 2010, وكان هدفا كبيرا جدا أنفقت عليه الدولة الشيء الكثير, و كسبت من خلاله الفنادق والمنتجعات ودور الدعارة المبالغ الطائلة لكن للأسف الشديد خسرنا فيه أعظم ما نملكه ألا وهي كرامتنا و ربحنا منه أمراضا جنسية لم نكن نعرفها, فاللهم إنا نبرأ إليك من جشع مسؤولينا.
العبضلاوي عبدالله: تقني متخصص في تدبير المقاولات
Elabdellaoui.abdellah@gmail.com
أقولها وبدون مجاملة: اٍنه من أروع المقالات التي قرأتها على الٍاطلاق, فلحسن الحظ أنه لازال في مجتمعنا من يسمي المسميات باٍسمائها بدلا من السقوط في فخ العلمانية الفاجرة التي تبيح كل شيئ باسم الحرية والتحضر. فألف شكر لصاحب المقال وأتمنى له التوفيق والمزيد من العطاء.