الأدب الشفهي بتنغير … واقع يطرح أكثر من علامة استفهام
تعيش مدينة تنغير اليوم ومعها تودغى على إيقاع تحولات كبرى تهم مختلف المجالاتوتتمظهر أساساً في تحولها من وسط شبه حضري إلى وسط حضري، بفعل مجموعة من الأوراش الكبرى التي تعرفها المدينة. هذه النقلة النوعية والتي تهدف بالأساسلمسايرة الركب الحضاري و الرقي الاجتماعي وتحقيق الديمقراطية المجالية قد أثرت وتأثر بشكل ملموس وكبير في بنية المجتمع و تفاعلات أفراده في ما بينهم.
إذ أضحى الناس يستغنون وبشكل كبير عن موروثهم الثقافي تحت درائع متعددة وبحجة ضرورة مسايرة التطور والتقدم الهائل الذي يعرفه العالم اليوم في مختلف الأصعدة. وبسبب هذا الفكر الرائج خاصة في صفوف فئة الشباب والذي يعد من تبعات العولمة الثقافية “واستراتجيات الغرب” الذي يسعى إلى تنميط جميع شعوب العالم مع ما يتناسب وإيديولوجيته، بالإضافة إلى تطور أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وتراجع الاهتمام بالجانب الثقافي والأدبي المحلي والهوياتي.
فلا يختلف اثنان على أن هذا الأخير خاصة الشفهي منه تعرض لنصيب وافر منالإهمال و التهميش و الذي طال جميع أجناسه بدون استثناء، فبعد أن كان الناس يستمعون إلى القصص و الحكايات التي يرويها الأجداد في ليالي الشتاء الطويلةمع ما يصاحبها من طقوس وعادات ذات دلالات اجتماعية وثقافية عميقة كالابتهالات والأناشيد والأحاجي والألغاز التي تعمل الأم من خلالها على اختبار حدة وذكاء أبنائها ومدى قدرتهم على استيعاب كل المراحل العمرية وكذا المتغيرات الاجتماعية، ونموذج الأحجية أو اللغز غالباً ما يكون ذو حمولة معرفية وفكرية هامة تساهم في ترسخ بعض القيم الإيجابية لديه كما تساعد على تنشيط واكتمال نموه العقلي وبنائه شخصيته وتطورها.
إلا أن الوضع بات الآن مختلفا تماما، فحلت أجهزة الاتصال الحديثة بكل مكوناتهاوأشكالها مكانه وأضحى الأدب الذي كانت الأجيال تتوارثه منذ القدم والذي لعبت الذاكرة الشعبية دورا هاما في الحفاظ عليه، يعيش مرحلة صعبة قد تكون بمثابة المسمار الأخير الذي يدك في نعشه، لذلك تبدو أهمية النهوض به وتسجيله، أمرا ضروريا لانقاد ما يمكن إنقاذه وحمايته من الاندثار الذي يتهدده كل يوم. أمام هذا الوضع الكارثي والمقلق والذي قد يؤدي به إلى الزوال والدخول في غياهب النسيان.نسجل صمتا رهيبا من قبل السلطات والجهات المختصة في ضرورة الإسراع لحماية هذا الموروث الثقافي الهام والذي يميز الهوية الثقافية للمدينة وللواحة، اللهم إذا استثنينا بعض المبادرات الخجولة والمحتشمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع و التي تتبناها بعض مكونات المجتمع المدني.
و إلى أن يستيقظ المسئولون من سباتهم و يدركوا قيمة الأدب الشفهي وأهميته، فإنه علينا العمل كباحثين واختصاصيين وفاعلين في المجتمع المدني على جمع وحفظ وتدوين ونشر هذا التراث الشفهي بكافة أجناسه والقيام بمبادرات لأجل الاحتفاء برموزه وإعادة الاعتبار لهم تقديرا منا لما قدموه لتنغير الحبيبة على مر السنين.