موســم سـيدي بورجا بأيت سمكان
الموسم احتفال كبير، انه طقس اجتماعي عريق جدا، عرفته البشرية مند الأزل، ويرتبط اساساً بحياة الناس الثقافية والإجتماعية والحضارية بشكل عام، وقد لازم احتفال “الموسم” البشرية عبر تطورها، حيث نجد فعالياته عبر ربوع المغرب وخاصة الجنوب الشرقي. هذا الشريط الجغرافي الشبه الصحراوي، الذي احتضن والى حدود الآن جثامين مجموعة من الأولياء الصالحين الذين كانت تقام لهم مواسم مخصوصة في ايام معدودة.
ولعل موسم سيدي بورجا بأيت سمكان – لكراير- إلا واحداً من هذه المواسم الكثيرة التي عرفت ازدهاراً ورواجاً كبيرين. فمند متى يقام هذا الموسم؟ وماهي الطقوس الإجتماعية المرتبطة به، والمعالم الكبرى التي تميزه، والتي جعلت منه ذائعاً تشد الرحال إليه من كل حدب و صوب، ويحج إليه الصغير والكبير، حتى من أهل الجالية المقيمة بالخارج؟
اذا كان القرن العاشر عرف في المغرب مخاضاً كبيراً على صعيد الأولياء والزوايا المرتبطة بهم، ومنحت خلاله حضوة كبيرة لهذه الزوايا، فإن الثوثيق التاريخي الصحيح لظهور بعضها لم يحظى باهتمام يوازي ما منح لهذه المراكز الروحية من قدر واعتبار، وإذا تحدثــنا عن الوالي “سيدي بورجا”، الذي هو مدار مقالنا هذا فإننا نصطدم مند البداية بغياب تام للمعطيات التاريخية التي تحدد إطاره الزمني والحقبة المحددة التي استقر فيها بأيت سمكان، اللهم ما تمكنا من استجماعه من معطيات شفهية نحاول بها – جاهدين – ان نتوصل الى معلومات تقريبية لزمن وجود هذا الوالي في المنطقة.
إن الغموض الذي يكتنف تاريخ وجود الوالي “سيدي بورجا” بالمنطقة، والظروف التي دفعته الى الإستقرار بها، هو غموض مشترك بين جميع الزوايا بالمغرب، واذا كانت الغاية الكبرى الأساس التي تدفع هؤلاء الى الضرب في عرض الصحراء والقدوم الى مناطق منسية واحيانا ً قاحلة، هي الدعوة الى الدين ونشره وتقديم النصيحة بخصوصه، إلا أن هناك دوافع يطلب الكشف عنها مجهودات مضاعفة.
اقدم الروايات الشفهية وأقواها على الإطلاق، والرائجة بين الناس الى حدود الآن، تقول بأن الوالي “سيدي بورجا” سبق وجوده وجود الساكنة (القبيلة) الدين قدموا نحوه لظروف معلومة، اقلها طلباً للحماية والإستقواء به.
ومع مرور الزمن نشبت بين الساكنة والوالي علاقة انسجام روحية قوية، افضت الى منح هذا منزلةً رفيعة بين الناس، حيث خصص له احتفال كبير، هذا الذي يقام في الأسبوع الثاني من شهر غشت كل سنة، وتستمر طقوسه لثلاثة أيام متتابعة.
يتميز اليوم الأول قبل أنطلاق الموسم، بحركة دؤوب ترتبط بإعداد مستلزمات الطبخ والتنظيف وترتيب فضاء الضريح، هذه العملية الأخيرة التي توكل الى الفخدة “العظم” الذي من نصيبه رعاية احوال الضريح لمدة سنة، وهي عملية دورية بين فخِدات القبيلة،، أما صبيحة اليوم الأول فيجتمع أهل القبيلة والزوار امام المسجد، فيشكلون تجمعاً، كبيراً يتصدره الفقهاء بتهاليل خاصة يرددها الناس معهم وهم سائرون نحو الضريح، بعد وصولهم مباشرة فيشكلون تجمعاً كبيراً دائرة برئاسة إمام المسجد، هذا الأخير الذي يقرأ معهم القرآن ويتوجه للحاضرين وللشيخ بالدعاء الصالح، في هذه الأثناء يتبرك أهل القبيلة وزوارها شيباً وشباباً بوضع ما يتسر من تبركات عينية ومادية تحت إزارٍ يبسط من أجل ذلك وسط الحلقية، بعد حين ينتشر الجمع متجهين نحو الذبيحة التي عادةً ما تكون من صنف البقر، تذبح أمام الملأ وتقسم الى أجزاء صغيرة تكون رهن اشارة أهل القبيلة بسومة معلومة تدفع قبيل إنطلاق الموسم المقبل وهذا ما يسمى لدى السمكانين ب “الأحباس”.
اما بخصوص زوار الموسم فإنه يتكلف بوفادتهم أهل القبيلة يكرمونهم ويحسنون استقبالهم في ديارهم. اما في مساء هذا اليوم وخاصة بعد صلاة العصر فالناس يحجون ثانية الى الضريح يتبركون بأكل ما لذ من طعام مهيئ بمحاذاة الضريح، موازاة مع هذا تقوم فئة من الشباب بتزيين وإعداد فضاء ساحة “ارحبي نواماس”، استعداداً لإحفال الليل ” أحواش الدرست”، وبهذا المشهد الفلكلوري الدي يمنح للحاضرين فرجة كبيرة، تنتهي مراسيم اليوم الأول من هذا الموسم، مع شوق الجميع وترقبهم لليوم الموالي.
في اليوم الثاني تسند مند الصباح مهمة إعداد الكسكس “معروف ن انرارن” للنساء على ان يقدم للناس بعد صلاة العصر اسوة باليوم الأول، بعده واثناء الليل تحديداً بالمكان نفسه “ارحبي نواماس”، يعاد طقس ” أحواش الدرست”، فيجتمع الناس وهم في نشوة الإحتفال يستمتعون بدقات الطبول وحركات المستعرضين من الرجال، وفي اليوم الثالث و الأخير فيتميز عن اليومين السابقين بنشاط فلكلوري واحد هو” أحواش بـومــزدي”، الذي يعرف بحضور النسوة في ترديد الأهازيج مع الرجال ومشاركتهم طقس الإحتفال، هي عملية تدوم الى وقت متأخر من الليل، ويطبعها احاسيس الوداع وصعوبة الفراق، فهو الإحتفال الأخير الذي تختتم به فعاليات هذا الموسم على أمل اللقاء في العام المقبل.
كل هذه الطقوس المرتبطة بهذا الموسم والتي ذكرناها في هذا المقال عرفت تغيراً ملحوظاً، وخاصة في الآونة الأخيرة حيث ظهرت اساليب وممارسات جديدة اضفت على الموسم طابعاً جديداً، ممارسات تخص طقوس الإحتفال عموماً، وهو أمر طبيعي بالنظر الى تطور حضارة الإنسان وتغيرها واستحداث امور جديدة لم تكن مطروقة عند الأجداد في القديم، في مقابل هذا يسجل على الموسم اختفاء طقوس وعادات قديمة حافظ عليها السلف الى وقت قريب.
ان حديثنا عن الموسم بهذه الطريقة نابع من تقديرنا له ومحبتنا لطقوسه وعاداته والتي هي جزء من موروثنا الثقافي المحلي الذي نفتخر به، ورغم هذا التقدير الكبير الذي نكنه لموسم سيدي بورجا إلا أن هناك مجموعة من الأسئلة التي تموج بداخلنا وتفرض نفسها غصباً على كل من يهمه أمر هذا الموسم، أسئلة جريئة تخص واقع الضريح و الموسم و عاداتها فمن هذه الاسئلة مثلا نجد السؤال الجوهري الذي يدور حول استمرارية دور الضريح في اداء مهمته التقليدية المعروفة، ام انه سيأتي زمن يتخلى فيه الجميع عن كل هذه الممارسات الموروثة و يصبح موسم “سيدي بورجا” من خبر كان؟ ثم هل من حق كل الطاقات المحبة لهذا الطقس والعاملة على الذوذ عنه، ان تطرح أسئلةً عن كل التغيرات المستحدثة التي نراها الآن في طقوس الموسم، اي هل بإمكاننا – بمعنى آخر- ان نودع ممارسات بالية وخرافية ونرضى في مقابل ذلك بالجديد المستحدث؟.
بقلم ذ: ابــــراهيم اخـــتار