التعليم…بين الإصلاح و الفَلاَح -الجزء الأول-

0 446

” التعليم قطاع غير منتج “، « التعليم مصدر جحافل المعطلين “، التعليم…”…، هي عبارات تتردد ين الفينة والأخرى على أفواه البعض، معبرة عن سخطها و عدم رضاها عن أوضاع هذا القطاع الحيوي، الذي يعتبر العماد الأول للنهضة والتنمية، كونه يزود المجتمع بمقومات التقدم {المهندسين، أطباء، قضاة…}،مجرد مقارنة بسيطة بين الدول المتقدمة و الدول النامية تحيلنا إلى مكانته عند كل منهما،ففي الأولى أي المتقدمة،تخصص له ميزانيات ضخمة،تهم البنيات التحتية و الأطر والوسائل،فتكون النتيجة هي تحقيق فرص تعليم جيدة و تكوينات حسب سوق الشغل.

لكن مع كامل الأسف،نجد في بعض الدول النامية قهرا لهذا القطاع الأساسي و عدم اعتباره أولوية في مشاريع التنمية،و على الرغم أحيانا من تخصيص ميزانيات متزايدة له،إلا أن دار لقمان تلزم حالها،حيث تبقى تلك المشاكل و العوائق القديمة الجديدة تكرر نذكر منها: الهدر المدرسي،التكرار،هشاشة في البنيات التربوية و ندرتها،تكوين غير مؤهل لسوق الشغل،نقص في الأطر،تجريب متكرر لبيداغوجيات التعلم،…إلخ،إذ يلاحظ صراحة غياب تام لإستراتيجية شاملة و مضبوطة لهذا القطاع، الذي ظل منذ زمن مسرحا لصراعات و جدالات لا تسمن و لا تغني من جوع.

فمشروع الإصلاح،يتطلب الوقوف بكل شجاعة على مكامن الخلل وتحديد المعيقات بدقة،بعدها تطرح الحلول المندمجة و المترابط فيما بينها مثلا:

– بالنسبة لظاهرة التكرار، يمكن تفادي هذا الإجراء في بعض مستويات التعليم الابتدائي {الأول،الثاني،الثالث}،والشروع في تطبيقه ابتداء من السنة الرابعة،كون المستويات السالفة الذكر هي حقا للتربية و تثبيت التعلمات وترسيخ بعض المبادئ,وليس لتحديد الصاعد من الراسب،فتلقائيا مع تطبيق هذه العملية،ستتقلص تدريجيا نسبة التكرار،ممهدة الطريق نحو تخفيف أزمة الهدر المدرسي.

– مسألة التأهيل لسوق الشغل هي رهينة بإعادة هيكلة نمط التكوين بالجامعة و كذلك مراكز التكوين،فبدل الاعتماد على نظريات و أطروحات فضفاضة من عهد قديم،يجب تغليب الجانب العملي بنسبة تفوق 80%،حيث يُكَوَّنُ الطالب و يٌهَيئ داخل المقاولة،عند تخرجه إذن يصير مؤهلا ذا كفاءة،بدل عاطل ذا شهادة.

– ضرورة فسح المجال أمام العقول و الخبرات المحلية،التي تستوعب بدقة التقاليد و العادات و المعطيات العامة،وتعي بالتأكيد ما هو محلي ومتطلباته،لتحديد تحديد نمط تعلم و بيداغوجية يتلاءمان مع المتعلم المحلي،كذلك تكييف مناهج التعلم مع الوسط التعليمي والبحث عن تحقيق الانسجام {فكيف يعقل أن تَشْرح للمتعلم درسا حول الباخرة و هو قاطن ببيداء قاحلة ؟}.

– أما فيما يتعلق بالخصاص في الأطر، فيمكن تقليصه تدريجيا بتجميع شتات فرعيات العالم القروي في مدارس جماعتية،تتوفر طبعا على حجرات كافية و داخليات للأطر و المتعلمين،فهذا النوع من المدارس يضمن المحافظة على الزمن المدرسي و توفير شروط الاشتغال الآمن للكل،حيث نتخلص من التوزيع غير المتكافئ للأساتذة على  المجموعات المدرسية،و نوفر عددا مهما منه لتغطية خصاص مقاطعات أخرى.

– فيما مشكل البنيات التربوية، هو ليس بعسير تفاديه إن وفرت كل جماعة قسطا من ميزانيتها،لصيانة المؤسسات الخاضعة لنفوذها الترابي، مثلا : بناء السكنيات، ترميم الحجرات المتهالكة، تشييد الأسوار الواقية، توفير الكهرباء، الماء، مرافق صحية، حجرة خاصة بالتعليم الأولي…

وتبقى تلك الحلول السالفة الذكر{هي طبعا اقتراحات حلول قابلة للتعديل}،مرتكزة على المقاربة الشمولية المتبعة من طرف جميع المكونات و الهيئات،للنهوض بهذا القطاع و الدفع به نحو الأمام،باعتباره قاطرة للتنمية و اللبنة الأساسية للمجتمع الحديث،فمتى يا ترى سيتخلص قطاعنا من إشكالاته المزمنة ؟ و إلى أي حد سيظل حقلا لتجارب تلعن فيها اللاحقة التي سبقتها ؟

بقلم : عمر صديق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.