مرتكزات التنمية المحلية على ضوء المستجدات الدستورية
[box type=”shadow” align=”aligncenter” width=”90%” ]المقال عبارة عن ملخص لمداخلة تقدم بها الباحث في إطار الندوة المنظمة بتعاون مع المجلس الحضري لمدينة زاكورة و جمعية تقوية القدرات في موضوع ” رهانات التنمية المحلية ” المنعقدة يوم السبت 19 أكتوبر 2013[/box]
شهد المغرب مند سنة 2011 تحولا سياسيا ملحوظا، توج بمراجعة الوثيقة الدستورية و تلته في الأسابيع القليلة الماضية مجموعة من التعديلات الحكومية، لتهدف كل هذه التحولات السياسية إلى وضع نظام ديموقراطي حقيقي و متوازن.
و إذا كان المغرب يحاول في الوقت الراهن وضع تصور عام للإصلاح السياسي و المؤسساتي فنحن في إطار هذه الندوة لا يسعنا الوقت لكي نتحدث عن كل المقتضيات التي حملها الدستور الجديد، ولا عن كل الأوراش الإصلاحية التي انخرط فيها المغرب من أجل تنمية شاملة و مندمجة. لذا سنقتصر على ذكر بعض المستجدات الدستورية و التي يمكن أن تدفع بعجلة التنمية على المستوى المحلي.
يمكن أن نعرف التنمية المحلية بأنها عبارة عن أنشطة و عمليات تهدف إلى تغيير حياة السكان من وضعية أدنى إلى وضعية أحسن، و ذلك عن طريق حسن تعبئة و استغلال الموارد المتاحة وفق إستراتيجيات و برامج معينة. و قد تضمن الدستور الجديد مجموعة من المقتضيات القانونية و التنظيمية المرتبطة أساسا بموضوع التنمية المحلية، و على هذا الأساس سنقسم مداخلتنا في هذه الندوة إلى نقطتين أساسيتين:
– أولا: تكريس مبادئ الديموقراطية المحلية من أجل تنمية شاملة.
– ثانيا: اعتماد استراتيجيات واضحة و فعالة في مجال تدبير الشأن المحلي.
أولا: تكريس مبادئ الديموقراطية المحلية من أجل تنمية شاملة.
تضمنت بعض فصول دستور 2011 مجموعة من الإجراءات التي تأسس لنوع من الديموقراطية على المستوى المحلي، حيث أشار الفصل 14 من الدستور إلى أمكانية مساهمة المواطنين في المجال التشريعي عن طريق تقديم ملتمسات التشريع وفق مقتضيات يحددها قانون تنظيمي نص عليه ذات الفصل، إلا أن الفصل 14 يثير مجموعة من الإشكالات و التي تتمثل في مايلي:
– الفصل 14 جاء بصيغة عامة و لم يحدد المجلات التي يمكن للمواطنين يقديم ملتمسات التشريع بشأنها، فهل يقتصر هذا الحق على المجالات المخصصة للبرلمان و الحكومة أم يمتد هذا الحق لميادين أخرى؟
– عدم تحديد عدد الموقعين على ملتمس التشريع، و ربما يهدف المشرع إلى تحرير هذا الحق من العراقيل التي تعيق فعاليته.
وينص الفصل 139 أيضا على مقتضى آخر يتجلى في تقنية العرائض التي تقدم من طرف المواطنين، الهدف منها مطالبة المجالس بإدراج نقطة تندرج في إطار اختصاصاتها ضمن جدول أعمالها. و ينعكس هذا الإختصاص حتى على المستوى المحلي و من شأن هذا الحق الدفع قدما ببرامج التنمية على المستوى الترابي و الإقليمي، لكن ممارسة هذه الإختصاصات و تفعيلها رهين بصدور القوانين التنظيمية المنصوص عليها.
كما كرس الدستور أيضا مبدأ آخر من شأنه أن يعزز مبادئ الديموقراطية المحلية يتمثل في مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق الحقوق المدنية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و البيئية ( الفصل 19 من الدستور )، و ذلك انطلاقا من الوعي بالدور الكبير و المهم الذي تلعبه المرأة المغربية في مجال تدبير الشأن العام، و ضمانا كذلك لانخراطها التام في كل الأوراش الإصلاحية بهدف تحقيق تنمية محلية مندمجة و مستدامة في جميع المجالات، و استجابة حتى للتوجهات الملكية في مجال النهوض بأوضاع النساء. و نحن نعلم بأن الحكومة الحالية قامت بإقرار توجهات وطنية من أجل الإنصاف و المساواة بين الجنسين، و ذلك بإدراج مقاربة النوع الإجتماعي في أغلب السياسات العمومية و البرامج التنموية.
كخلاصة إنطلاقا مما تمت الإشارة إليه يتبين أن الدستور الجديد وسع من حيز المبادرة التشريعية حيث لم تعد تقتصر على مؤسستي الحكومة و البرلمان و إنما إمتد هذا الإختصاص حتى للمواطنين العاديين، كما تم التركيز عل الفرد كفاعل أساسي في مجال تدبير الشأن العام من خلال منحه حقوق دستورية مهمة.
ثانيا: اعتماد استراتيجيات واضحة و فعالة في مجال تدبير الشأن المحلي.
من المعلوم أن نظام اللامركزية بالمغرب يعاني من مجموعة من المشاكل، الشيء الذي يعرقل البرامج التنموية المسطرة في المخططات الوطنية التي تضعها الدولة، و يأثر أيضا على نجاعة الخدمات التي تقدما المرافق العمومية المحلية وغالبا ما ترتبط هذه المشاكل بالإطار القانوني المنظم للامركزية بالمغرب و الإختصاصات الممنوحة للجماعات الترابية.
و في هذا الإطار سأبين بعض الإشكالات المطوحة على المستوى الجهوي باعتبار الجهة المستوى الثاني بعد الدولة في ممارسة الإختصاصات و الوظائف. إن أول إشكال يطرح على مستوى الجهة يرتبط أساسا بالإختصاصات الممنوحة للجهة كجماعة ترابية، و لازال هذا الموضوع محل نقاش سياسي بين الفاعلين السياسيين أنتج تصورين مختلفين:
– التصور الأول: يعمل على تشجيع نظام المركزية من خلال احتفاظ الدولة بالإختصاصات التنفيدية لممثليها على المستوى الجهوي، و هذا ما ينص عليه القانون المنظم للجهات رقم 47.96.
– التصور الثاني: يدافع عن فكرة منح ا ختصاصات فعلية و حقيقة للمجالس الجهوية.
و في هذا السياق سأقسم هذا الشق من المداخة إلى نقطتين فرعيتين:
1- تجليات محدودية اختصاصات الجهة على ضوء القانون 47.96.
منح القانون المنظم للجهات رقم 47.96 اختصاصات متنوعة للجهات إلا أنها يطبعها طابع الضعف و العمومية و التداخل و عدم الوضوح، و الإختصاصات الممنوحة للجهات حسب هذا القانون ثلاث أصناف:
إختصاصات ذاتية: وهي المنصوص عليها في المادة 7 من القانون رقم 47.96 و المر المرتبطة أساسا بدراسة الميزانية و الحسابات الإدارية و التصويت عليها، و إعداد مخططات التنمية الإقتصادية و الإجتماعية للجهات و التصاميم الجهوية لإعداد التراب و القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الإستثمارات على المستوى الجهوي إلى غير ذلك من الإختصاصات.
إختصاصات منقولة: و تتمثل في الإختصاصات التي تنقلها الدولة للجهات، و قد تم التنصيص عليها في المادة 8 من القانون 47.96 و تتمثل في إقامة و صيانة المستشفيات و الثانويات و المؤسسات الجامعية و توزيع المنح الدراسية، إضافة إلى تكوين أعضاء الجماعات المحلية .
إختصاصات استشارية: نصت عليها المادة 9 و تتعلق هذه الإختصاصات بإبداء الرأي و تقديم الإقتراحات خاصة في مجال إحداث المرافق العمومية الجهوية و طرق تدبيرها، إضافة إلى ما يتعلق بتدبير الاستثمارات الجهوية ثم إبداء الرأي حول السياسات المتعلقة بإعداد التراب الوطني و التعمير.
كل هذه الإختصاصات المشار إليها تهم المجالات الإقتصادية و الإجتماعية و غيرها ويمنع على المجلس التداول في القضايا ذات الطابع السياسي، و ما يمكن ملاحظته على الإختصاصات الممنوحة للجهات أن المشرع أهمل مجالات حيوية و رئيسية يمكنها أن تدعم برامج التنمية الجهوية مثل مجال الفلاحة و النهوض بالعالم القروي و النقل و الصيد البحري…
2- مستجدات الدستور في مجال التنظيم الجهوي.
خصص الدستور الباب التاسع بأكمله للجماعات الترابية، و أقر في الفصل 140 الإختصاصات الممنوحة للجهات كجماعات ترابية و حصرها في اختصاصات ذاتية و أخرى مشتركة مع الدولة، ثم اختصاصات منقولة و من بين النقط التي تحسب للدستور الجديد في هذا المجال هي أنه رفع من هذه الإختصاصات إلى مرتبة البنود الدستورية، كما منح الجهة مكانة الصدارة ما بين الجماعات الترابية.
و من بين ما جاء به الدستور الجديد في مجال التنطيم الجهوي، أنه عمل على دمقرطة المجالس الجهوية من خلال انتخاب مجال الجهات بالإقتراع العام المباشر، كما تم أيضا منح السلطة التنظيمية لهذه المجالس من أجل تقوية الممارسة الجهوية في مجال اتخاد القرارات و تدبير شؤون الجهة.
وقد تم التنصيص أيضا على مبدأ التفريع في توزيع الإختصاصات الممنوحة للجهات و باقي الجماعات الترابية، و يعتبر هذا المبدأ من الأنظمة الحديثة المتبعة في الأنظمة اللامركزية، و مفاده إسناد الإختصاص المناسب للمستوى الترابي المناسب الذي يمكن أن يمارسه بجودة و فاعلية و يساهم مبدأ التفريع تنظيم القدرة على اتخاد القرارات بشكل سريع و فوري، و من بين إيجابيات هذا المبدأ هو القضاء على مشكل تنازع الإختصاصات مابين الدولة و باقي الجماعات الترابية و تقوية المبادرة لدى المسيرين المحليين.
كما تم اعتماد مبدأ التدبير الحر في ممارسة الإختصاصات الممنوحة للجهات و باقي الجماعات الترابية، و يفيد هذا المبدأ ترك نوع من الحرية للمجالس الجهوية في ممارسة اختصاصاتها و برمجة اختياراتها التنموية. و قد كانت فرنسا هي السباقة إلى تطبيق هذا المبدأ حيت تم التنصيص عليه في دستور سنة 1958.
و في الختام نخلص إلى أن أكبر رهان مطروح في ضل الدستور الجديد من أجل بلورة تنمية جهوية مندمجة و مستدامة هو ضرورة الإفراج على القوانين التنظيمية لتفعيل الإختصاصات الممنوحة للجهات و باقي الجماعات الترابية و مؤسسات الحكامة.
صلاح الدين كرزابي
باحث في القانون العام و العلوم الإدارية