عن مباريات التدريس بالجامعة:الكوابح والمقالب
[box type=”shadow” align=”alignright” width=”95%” ] زاكورة بريس – سعيـد بوخليـط [باحث مغربي]
عن مباريات التدريس بالجامعة:الكوابح والمقالب [/box]
لاأحد منا ينكر،أن الجامعة المغربية براهنتيها قد ”فاتها القطار”حسب تعبير ديكتاتور اليمن السابق،وتخلفت عن موعدها مع التاريخ،بحيث يكفيك معاينة سريعة لفضاء أي مؤسسة لدينا،كي تتلمس غربة قاتلة،تشعرك بأن الأشياء قد تراجعت على نحو فظيع،فلم يعد يختلف مدرج للمعرفة، عن آخر لكرة القدم.السبب واضح،انسياق الجامعة وراء المسار العام المحيط بالمنظومة التعليمية ككل.
خلال عقود مضت،في إطار السعي إلى مغربة أطر التدريس الجامعي، جراء رحيل عدد من المدرسين المشارقة والغربيين، ثم أيضا نتيجة برنامج تشييد مراكز جامعية في مناطق أخرى من المغرب، الذي فسر آنذاك بأن الهدف منه توخى ضمنيا ضرب وحدة الصف الطلابي،وإضعاف المعقل الأساسي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب،كما جسدته خصوصا طيلة سنوات السبعينات دار المهراز،سيتم فتح الباب على مصراعيه للخريجين المغاربة،بحيث كفى أغلبهم وقتها الحصول على دبلوم الدراسات المعمقة DEA،كما سمي في نظام الدكتوراه السابق،كي يتقدم بشهادته إلى العمادة والحصول أوتوماتيكيا على لقب مدرس جامعي.هكذا،بقي أفراد هذه الأفواج،يكررون روتينيا يومياتهم،قابعين في مواقعهم،موصولين بجامعة صارت متهمة ثم محاصرة،ليس فيها ما يثير حفيظة حراس عقيدة الدولة،غير جينات الفكر التقدمي وحملته والحقول المعرفية المولدة له،ماعدا هذا،لايهم.لذلك،انكب مجهود الجهاز المخابراتي،كي يستدرج عقل الجامعة نحو مغارة اللا-حياة حيث هيمنة النمط ثم فقط البيروقراطية الرمادية.
بالتالي،لأن الجامعة تقليد يبعث على الارتياب والاحتراس،مادامت هي ورش لتأهيل العقول وتأهيل البشر،فقد ألقي به قصدا نحو زاوية جد هامشية،كي تصنف ضمن المجالات المكلفة التي تثقل عبء الدولة بمصاريف لاجدوى منها،مع أن تعليم الشعوب لايقدر بكنوز الدنيا.الدليل،قاطرة الإصلاح في المغرب الثقيلة،التي لا تتجاوز في إيقاعها دبيب الحلزون،مرده إلى انعدام المشروع المجتمعي،المتمحور حول مجتمع العلم.
أواخر التسعينات،صدر قانون إصلاح نظام الدكتوراه القديم،واستبداله بنظام الدكتوراه الوطنية.تم تحديد،مدة معينة لأصحابنا الذين ينتمون لهيئة التدريس الجامعي، بغير الدكتوراه، كي ينهوا أطارحيهم ومناقشتها. أسرع جلهم إلى عملية تجميع سريعة شبيهة ب”البريكولاج”،لدروس كرروها على مسامع أفواج متعددة،ثم حازوا بهكذا صنيع على “التيتر” الجامعي،وكفى الله المؤمنين شر القتال.لأن هدفهم الأول والأخير،انصب على تسوية وضعيتهم الإدارية ومن ورائها المالية. أما ماهية تواجدهم داخل منارة الفضاء الجامعي،حيث يفترض أن المشروعية الجوهرية لا تنزاح قيد أنملة،عن الإشعاع العلمي فقد أضحى هكذا مطلب في مغرب اليوم،كأنك تردد أزليات سيف بن ذي يزن.لذلك،سيبدو من أكبر علامات القيامة الكبرى،أن أعضاء اللجان التي توكل إليها مهمة الفصل في الملفات واختبار المترشحين،مشددين أيما تشديد على”مثالية” الملف حيث المنشورات والإصدارات والندوات والمقالات،المفارقة السوريالية،أن جل هؤلاء الحكام لا يتوفرون في هذا الجانب إلا على سيرة البطاقة الوطنية أو جواز السفر؟؟.أي منطق هذا.
إذا غدا مجالنا السياسي،يتباهى بزعماء آخر ساعة،و”رجال دولة محنكين”يصنعون على طريقة “الفاست فود”،في الصالونات المكيفة وبلاتوهات النشرات الإخبارية،فأيضا، شرذمة واسعة من المحسوبين على أطر التعليم العالي،لاعلاقة لهم أساسا بالتنصيب إلا الالتصاق الزماني بالكرسي،والاستيعاب المتملق لسبل “الهمزة” من المهرجانات الثقافية الصفراء،المغازلة شكلا ومضمونا للتوجه العام،أو هذا السيل العارم من “مراكز البحث” القائمة فقط على بياض الورق،بدون يافطة حقيقية،تسعى إلى أي منفعة ذاتية، سوى هاجس وكد البحث … .
هكذا،مع تفاهة المناصب المالية المخصصة للتدريس الجامعي،يقابله في الجهة الأخرى،تزايد المترشحين وتراكم أعدادهم بوتيرة هندسية،نلاحظ تمأسس جوانب “الكولسة” الغامضة المسيطرة على أجواء المباريات،فالزمالة والصداقة و المحسوبية والحزبية والفرقية والمذهبية(أصولي غير أصولي) ،في ظل شعار معنا أويغني خارج السرب،هي المعاييرالحاسمة،أما الهاجس العلمي الخالص، فيبقى نكتة.
في ظل استفحال وضع كهذا،تجلت بوضوح أيضا حيثيات شكلية ومضمونية،تحدد البناء الهيكلي لمنطوق الإعلان الرسمي عن المباريات،لايمكننا وصفها إلابالعرقلة البنيوية، حتى يبقى الإخبار مجرد داع بلا مستجيب، ينطبق عليه مثل : من منكم يستطيع بقدرة قادر عض أرنبة أنفه؟.فإذا،ردد رئيس الحكومة باستمرار،رفضه توظيف من يشد الرحيل نحو الرباط كي يعتصم،مادام يوجد آخر من الفئة ذاتها،يقطن منطقة جد نائية قد لايتوفر على إمكانية زميله،بالتالي،ستشكل المباراة الفيصل بين الجميع.كذلك،ووفق المنظور عينه،من يلقي نظرة سريعة على مايلي : (خمس نسخ من السيرة العلمية؟خمس نسخ من مجموع الأعمال العلمية؟خمس نسخ من الأطروحة؟شهادة العمل؟ ترخيص لاجتياز المباراة؟الوثائق الإدارية)خلال مدة لاتتجاوز في أفضل الظروف أسبوعين،بل وتشديد بعض الكليات، على ضرورة أن يحضر المترشح ملفه شخصيا إلى عين المكان، وإلا اعتبر لاغيا، في حالة إرساله عن طريق البريد؟؟.بناء عليه، نفترض أن مترشحا ينتمي مثلا إلى منطقة محاميد الغزلان،والجامعة المعنية توجد شمال المغرب،ألا تبدو جرة قرار بيرقراطي،ضحكا على الذقون بكل اللغات؟
مرة ثانية، لنتأمل جيدا بعين عقل إنساني سوي ،الوقائع الموضوعية التي تلف حاليا تفاصيل الترشح لمباريات التدريس في الجامعة،بحيث يظهر الأمر وكأن الوزارة الوصية، تعلن للعموم تلك المناصب، لكنها في قيرورة نفسها،غير راغبة تماما و تعض على أصابعها احتراقا،لذلك لا تزيد المسطرة سوى تعقيدا وكبحا :
أولا-كي لايتم إثقال كاهل المترشحين ماديا،ونخر جيوبهم المقفرة أصلا،يستحسن في رأيي أن يطلب من المتبارين،كخطوة مرحلية أولى،إرسال الوثائق الإدارية طبعا،إلى جانب عرض موجز عن أطروحته للدكتوراه وسيرته العلمية،ثم حين نجاحه،يطلب منه تتمة الملف.
ثانيا- تفرض قيم العدالة والضمير الإنساني،ضرورة احترام الترتيب الزمني بخصوص سنوات الحصول على الدكتوراه.
ثالثا-التزاما بفصول الميثاق الأخلاقي وشرف الفكر،يجب على أعضاء اللجان،المحسوبين في جميع الأحوال على النخبة والطليعة المثقفة لهذا البلد،الترفع عن الأحداث الصغيرة والأحاديث الجانبية،ففي أحيان كثيرة تعلن المباريات صوريا،بينما النتيجة معروفة سلفا،فتجري وقائع المباراة سينمائيا بكل تفاصيلها الفيلمية، فقط بهدف إضفاء المشروعية،على نجاح مؤكد لمترشح يشتغل غالبا في الكلية ذاتها كمتعاقد.
رابعا-تتعامل جل الكليات بلا مبالاة قاتلة،مع الملفات المعروضة،فينعدم أي تواصل مع أصحابها،سواء بالإشعار عن التوصل بها حين إرسالها بريديا،مع أننا في زمن الثورة المهولة لوسائل الاتصال. أكثر من هذا،في حالة عدم الانتقاء،يستمر الملف”المكلف ماديا” جاثما هناك وقد يضيع،دون أدنى مبادرة بإعادته إلى صاحبه أو على الأقل إحاطته علما بما يجب عمله.
خامسا-عملية انتقاء أفضل الملفات المترشحة،ملتبسة جدا وتحمل أسئلة كثيرة؟مادامت محكومة بالتعسف والمزاجية والحسابات الشخصية الضيقة،مما يضرب بعرض الحائط ،صدقية مجموعة من المباريات.
سادسا-أثقل مؤخرا كاهل طلب الترشيح، بوثيقتي شهادة العمل ثم الترخيص باجتياز المباراة. بالنسبة للأولى، فهي تقصي مباشرة الدكاترة غير المنتمين إلى أسلاك الوظيفة العمومية،مما يطرح السؤال عن قانونية الشرط؟أما الترخيص بالاجتياز،فيرسم بتؤدة العراقيل صوب الذين ينتمون إلى تلك الوظيفة.الترخيص وثيقة إدارية،ينبغي توقيعها من طرف الرئيس المباشر المتمثل في المدير ثم نائب وزارة التربية الوطنية وأخيرا مدير الأكاديمية الجهوية.المسؤولون الثلاث،سيطلبون من صاحب الترخيص مايعرف بالقانون المنظم للمباراة،كأن التربية الوطنية لاعلاقة لها بتاتا بما يحدث داخل وزارة التعليم العالي ولا تعلم شيئا !!
سابعا-إذا كانت هاته المباريات نزيهة وجدية ومحايدة،فعلى الجامعات المعنية،إغناء مواقعها الاليكترونية ،بكل شفافية وتجرد ووضوح،عن موجهات الانتقاء، وتقرير عن الاختبار بشقيه، والناجح في المباراة ومكامن تميزه قياسا إلى منافسيه،….
بغير كل هذا،ستظل الأمور مزيدا من تأزيم لوضعية الجامعة المغربية.