مهرجان مراكش السينمائي:هل راكم ثقافة سينمائية غير مهرجانية؟

0 443

هناك، فرق شاسع وهائل،بين وضع السينما لما تتجمّل بمختلف المساحيق المصطنعة،فوق السجاد الأحمر،ثم واقع حال هاته السينما ! . ماهي،مستويات تجليات الحقيقة بين الإخراج السينمائي للقطات هؤلاء السينمائيين والسينمائيات،وهم يصطنعون التبختر أمام الكاميرات المشتعلة،يتطاولون زيفا فوق البساط، يتوخى كل منهم أن ترميه أقصى درجات انتباه الآخرين،يعرضون ويبسطن بسخاء شحمهم ولحمهم وآخر فتوحات تسوقهم،ثم ما استجد في أدبيات الديونتولوجيا ،من دبلوماسية الابتسامات والتحايا والإشارات وتحريك الشفاه والقسمات واستعمال لمفردات بعينها وتغنج وتدلل وتفكه وغمز ولمز وتقليص أو إرخاء للأسارير،والترجل من سيارات على الطريقة الإمبراطورية ،بحيث يتبدى لدى هؤلاء،كل بطريقته توضيبا سينمائيا لإيتكيت يحاول استعراض مقاييس مخملية للتحضر الآدمي؟ثم كنه، دائما هؤلاء،عندما يطوى السجاد الأحمر،وتنطفئ الكاميرات،ويفرغون إلى وجود عرائهم الأرضي؟فهل يستمر نبل السينما وشفافية الفنان السينمائي،منهجا دؤوبا ونبراسا قويما،ثم يكف شخص البهرجة المبرمج،لكي يبدأ الإنسان بكل ماتحمله الكلمة من دلالة،… .
الدرس الأول للفن عامة والسينما خاصة: أن تكون ذاتك،بكل تفاصيلها.
(2)
حتما، لامجال للمقارنة بين السجاد الأحمر كما يتمدد في أوروبا وأمريكا،ثم مثيله هنا وباقي جغرافية العالم العربي.السجاد الأحمر،هناك لايقف عند كونه مجرد قطعة قماش من النسيج، يلقى بها ارتجاليا وسط خضم مفارق لواقعه،بغية تسويق صورمركّبة. بل، يجسد فعلا لبنة جوهرية ضمن لبنات منظومة مجتمعية تسمو بالعقل الجمالي،تشتغل وتتكامل روافدها علميا وسياسيا واقتصاديا،حيث المجتمع ينعم ويتغنى زاخرا بأسباب الحياة،لذلك تراهم مقبلين على الحياة،بالتالي عشقهم للسينما،فيعكسون بصدق المقولة الشهيرة “من يحب الحياة يذهب إلى السينما”.الأخيرة، بدورها لاتقف عند حدود ترف فوقي زائد،تحدده الموسمية،والدواعي التجارية لكنه مشروع سوسيو-تربوي متجذر بين ثنايا التربة المحلية، كي يتصالح الناس مع أنفسهم وواقعهم.السينما،آلة لتكريس القيم الكبرى،التي يستحيل على المجموعة الاجتماعية العيش متجردتا منها.البساط الأحمر،في أوروبا وأمريكا،هو فلسفة استراحة لحظية وتوقف تأملي،من أجل إعادة قراءة عرض قسم من الذكاء المجتمعي خلال فترة من فتراته،لكن الأهم الارتقاء بالجماعة نحو درجة أرقى بخصوص تمثل واستيعاب وبلورة الحس الجمالي،مما ينحو بنا صوب الدرس السينمائي الثاني :لكي تستمر السينما تشييدا للجمال، وإغناء زخم الجوانب الآدمية،فعليها أن تجد بالموازاة،كي تؤدي رسالتها على الوجه الأكمل،مجتمعا يستمتع بوجوده،يعيش، يعشق، يحلم ويبادر.
(3)
أيضا في أوروبا وأمريكا،لاتتحقق الأشياء بين عشية وضحاها،تحت الطاولة،بالتالي لايمكن مثلا لعمود خشبي أن يغدو ببساطة شجرة فيحاء.الفرص “مطروحة في الطريق”،محكومة بالكفاءة ولا تنتشل غفلة أو حيفا.لذلك،لا يمكن لأي احتلال موقع ما بأية طريقة، بل ينبغي عليه أن يقنع بعطائه وإبداعه.الفنان عامة والسينمائي بين طياته،مؤسسة مكتملة قائمة الذات،سلطة نافذة تحظى بنفس القوة المادية والاعتبارية لباقي السلط الأخرى،إنه ليس مجرد عارض على الهامش،أو لاعب قابع فوق كرسي الاحتياط،يترقب فجوة الانسلال إلى السجاد الأحمر،فيتلوى يمنة ويسرة،عسى أن تجود عليه الجرائد بصور تسويقية صبيحة اليوم التالي.إذن،الدرس السينمائي الثالث:الفنان إما مبدع أوغير مبدع.المبرر الوحيد،لامتطائه ذاك السجاد ،ما يجره خلفه من أثر ثم نوعية القيم التي أغنى بها مجتمعه، فالفنان موقف متكامل،رؤية وممارسة.
(4)
هوية النجم السينمائي،ليست بالتحديد التجاري أو الاستهلاكي والدعائي،ثم قبل ذلك،ليس هو بالتعريف المنتهي.النجم بالنسبة إلي،قد لايكون هو نفسه عندك أو لدى الآخر،لذلك يستحيل تعميم نموذجه على الأقل بمنطق الاستسهال الذي نعانيه هنا.نحن اليوم،رغم الاتساع الهائل للمنابر الصحفية،لا نتوفر على نقد فني وفق معاير النقد الأكاديمي، مما يضعف ثقافتنا الجمالية وفي إطارها تذوقنا للسينما،إضافة إلى غياب هذه المسحة الشاعرية عن المنظومة التعليمية في مدارسنا. لنستدل بمراكش،أي موقع يحتله الفضاء السينمائي على امتداد يوميات هذه المدينة،قبل المهرجان وبعده؟مدينة بقاعتين سينمائيتين أو ثلاث !!الأنكى، في الضواحي التي لا تبعد عنها بساعتين زمانيا، لم يتمثل التلاميذ قط مرة واحدة في حياتهم وقد بلغوا مستويات الثانوي، ظلمة قاعة سينمائية،بل لايعرفون معنى لشيء اسمه السينما.إذن، من بوسعه في خضم صحراء معرفية ،التباهي أنه نجم بالتصنيف الموضوعي للكلمة؟في هكذا سياق، تصنع النجومية ورقيا،وتنتهي كذلك،فكلما تطلعت إلى ما يفترض أنه صفحات فنية،إلا وأصابك غثيان التفاهة: هذه تزوجت،تلك لم تتزوج،ذاك غرد فيسبوكيا ليخبرنا بأنه في الحمام ، تلك تدثرت، أخرى ألقت بثيابها جانبا،هذه حامل،ذاك دونجوان تتساقط عليه النساء كأوراق الخريف،إلخ،يا أخي ماذا يهمني أنا من كل هاته الترهات؟؟أين المتن المبدع؟.تقفز ذاكرتي حاليا،صوب أواخر الثمانينات وبداية التسعينات،عندما كانت جريدة “العلم”،تتحفنا كل يوم أحد بملفات عن السينما العربية والعالمية. كم استمعت !! أنا وأصدقائي في مقهى ماطيش الشعبية بجامع الفنا، متحلقين ومحلقين على مقالات خالد الخضري وأحمد السجلماسي، نحو العوالم السينمائية الرائعة ل: بازوليني، فيليني، أكيرا كوروساوا، كلود لولوش، ستيفن سبيلبرغ، سكور سيزي،وحيد سيف،شادي عبد السلام، يوسف شاهين،محمد الركاب،محمد عصفور،محمد الدرقاوي،نبيل لحلو،وغيرهم.ثم حين العودة إلى منازلنا،سيكمل كل واحد منا تضاريس حلمه حميميا مع صمت الليل، على وقع البرنامج التلفزي لنور الدين الصايل “سينما منتصف الليل”.اليوم،ومع كل اللغط، يسود إعلامنا بمختلف مكوناته،توجها فنيا في غاية التبخيس والضحالة.الدرس السينمائي الرابع:كيف يمكن خلق سينما بدون ثقافة سينمائية قوية؟
(5)
ليس كل من يلاحق خطاه فوق سجاد أحمر،بالممثل البارع المحترف المتمكن من أدواته،الذي يؤدي ويقنع،بالتالي يكون السجاد بمثابة منصة تتويج فعلية لمنجزه الفني وليس الشفوي،واستراحة محارب في انتظار الاستحقاق المقبل.بل جحافل كبيرة من هؤلاء،ألفوا هكذا لعبة التمثيل على أنهم يمثلون.فإذا كان واقعنا الفني جراء عوامل كثيرة،لا ينجب مع كل مرة ممثلا فنيا جديرا بالوصف،فعلى العكس من هذا،صار واقعنا اليومي ورشا خصبا لتكوين ممثلين حقيقيين وكومبارس،يتقمصون الأدوار الموكلة إليهم،بتشخيص تتفاوت مستوياته كما يحدث في السينما،حسب الخبرة التي راكمها صاحبنا. ممثلون بإخراج سيئ في :السياسة والدين والثقافة والرياضة والإعلام،يتقنون البهلوانية من خلال فن ارتداء الأقنعة،يمسخون ملامحهم حسب القصد والمقام ومقتضيات العرض والطلب.الدرس السينمائي المطلق :منطلق السينما،واقع لايمثل،لكنه يمارس عنفوان الحياة. بوخليط.jpg

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.