يا إلهي ما أعظمها من لحظةَ..!
[box type=”shadow” align=”alignright” width=”95%” ]
بقلم: عبد الله العبضلاوي
[/box]
إنها والله لحظة عظيمة تنتظر الجميع دون استثناء ,تنتظر الإنسان والجن ,تنتظر الجبال كما تنتظر السموات والأرضين, تنتظر الفقير كما تنتظر الغني ,تنتظر الطفل كما تنتظر الطفلة ,لحظة لا تميز أحد دون أحد بل الكل سواسية في تلك اللحظة ,لحظة نتخوف منها جميعا لكن خوفنا هذا لا يشفع لنا لأننا لا بد لكل واحد منا من الوقوف عند تلك اللحظة حيث سينتهي كل شيء وتنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة مصيرية أخرى.
إنها نقطة نهاية ونقطة بداية في نفس الآن, إنها الحقيقة الجلية التي نحاول تجاهلها عسانا نعيش حياتنا دون منغصات وننسى أن الإنسان خلق في كبد ومشقة وضنك ,لحظة سيكون فيها بصر كل واحد منا حتى لو كان أعمى ثاقبا لأنه سيتذوق طعم تلك اللحظة وسيرى بأم عينيه ما كان محجوبا عنه من عالم الملائكة وما ينتظره من جزاء إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر.
لحظة لو تأملنها لوجدناها بلسما لجروح كثيرة قد غارت في نفوسنا بسبب أدران المعاصي والمنكرات التي باشرناها في لحظة ضعف انتصر فيها إبليس اللعين على حنكة إنسان يتخاطفه هواه تارة ونفسه الأمارة بالسوء تارة أخرى, لحظة لا ينفع فيها جاه ولا مال ولا ملك ولا ينفع فيها نسب حيث النسب الحقيقي هو تقوى الله ولا شيء غيره.
لحظة يكون فيه أقرب الناس إليك عند رأسك أو عند قدميك لكن ليس في مقدوره التدخل لأن الأمر جلل والأمر فوق طاقته, لحظة يغسل فيها الأب فلدة كبده ويكفنه ثم يحمله فوق عاتقه ليضعه في حفرة بسخاء قل نظيره نعم هناك حرقة لكن ما عساه يفعل, لحظة تذرف فيها الأم الدموع الغزار لكن بعد فترة تجف هذه الدموع ثم يبقى طيفك فقط قابعا في ذاكرتها.
لحظة تنسى فيها أقرب الناس إليك, زوجتك ,أبناءك ,والداك ولا تتذكر إلا عمل قد كنت فعلته في زمن غابر عساه ينقدك من الإفلاس الحقيقي الذي يمكن أن يكون سببا في نهاية أبدية حالكة مظلمة تعيشها في مقعدك في بيتك المظلم هناك لا قدر الله, لحظة يمكن أن يتمزق فيها جسمك أطرافا الى درجة يحار الجامع لأطرافك هاته هل هي العلوية أم السفلية, لحظة يمكن أن تعيشها وأنت ساجد في صلاة ليل أو نهار أو صوم اثنين أو خميس.
لحظة يمكنها مباغتتك وأنت تعاقر الخمر أو تباشر الزنى, كما يمكنها مباغتتك وأنت تتحرش بالفتيات في الأزقة والشوارع, و يمكنها مباغتة النساء في المراقص الليلية أو في الحدائق وزوايا الأزقة وهن متلبسات بزنى أو متجردات من لباس الحشمة مبديات عوراتهن للقاصي والداني .
لحظة يمكن أن نشارك فيه الآخرين حزنهم حتى لو كانت بيننا وبينهم قطيعة وخصومة ,لحظة يمكننا رؤية تأثيرها على الآخر الذي يعيشها من خلال المتغيرات التي تحصل له وهو يجود بأغلى ما يملكه ,لحظة ترتفع فيها نبضات القلب ويهتز معها الصدر وتصدر عنه حشرجة تقطع الفؤاد, لحظة ترتعد فيها الأطراف وتهتز وتتغير ملامح الوجه ,لحظة يزداد فيها ثقل الجسم بعد مغادرة الروح له حتى إن العصبة لتنوء بثقل ذاك الجسم الذي كان خفيفا وأصبح لا يطاق حمله من شدة ثقله.
لحظة يمكن أن تنطق فيه بأعظم كلمة خلق لأجلها هذا الكون وتكون بذلك من المبشرين بأغلى ما يتمناه كل انسان عاقل, لحظة يمكن أن تنطق فيها بكلام وقر في القلب ” كدندنة…دندنة ” وتبعث وأنت تدندن بما وقر في قلبك وختم به عمرك, لحظة يمكنها مباغتك وأنت في فصول الدراسة أو في ملاعب الكرة أو المسابح ,كما يمكنها أن تباغتك وأنت تكتب رسالة عشق لفتاة مدعيا حبك لها وأنت تخفي في نفسك ما الله مطلع عليه من غدر وأنانية.
لحظة يمكن أن تهز أركان عرشك وأنت تعدين العقد والتمائم قصد إلجام زوجك ببعض الخزعبلات السحرية, لحظة يمكن لزائرها أن يقبض الأرواح والناس في معتكف لصنم أو قبة ولي يطرد الأرواح والسحر ويأتي بالولد الذكر كما أنه يزوج العوانس, لحظة يمكن أن تحين عندما تذبح الجزور وتقرأ ” البوردة ” من طرف ” فقهاء ” ومريدين في قبة شيخهم الهالك منذ قرون و الذي لازالت بركته سارية المفعول الى قيام الساعة وإن سألتهم عن معنى كلمة ما في كتاب الله لتأولوها حتى تلائم هرطقتهم وشطحاتهم, لحظة يمكن أن تعيشها وأنت تزاحم الحمقى والفارغين لمتابعة أغنية ساقط أو ساقطة في مهرجان موازين الذي لن يزن من المنظور الشرعي جناح بعوضة.
لحظة يمكن لأي أحد منا أن يكون بطلها الذي سيلعب دورا حقيقيا دون إرادته ,لحظة يمكن أن تباغت سكان المقاهي وهم يقتلون سويعات أعمارهم أمام شاشات كبيرة أو صغيرة يتابعون مجموعة من الحمقى والمغفلين وهم يضربون كرة قدم ما أن تلج المرمى حتى يتصاعد الصراخ بهستيرية مبالغ فيها وحتى يرتفع الصفير والكلام النابي .
لحظة يمكن أن تقطف فيها زهرة شاب أو شابة وهي واضعة يدها في يده وهو المحرم عليها والمحرمة عليه ما لم يتم الزواج الشرعي بينهما ,وهي تبادله تعابير الحب والود وما إن تسأله عن الزواج حتى يهددها بالبحث عن أخرى و هذا إن لم يكن قد زنى بها فعلا.
لحظة يمكن أن يعيشها شاب ليلة زفافه وهو ينتظر وصول عروسه, كما يمكن للعروس أن تعيشها وهي في فترة الاستعداد والانتظار فسبحان الواحد القهار ما أعدله.
لحظة تكثر فيها الآهات على فراق حبيب أو صديق ,لحظة يعيشها الناس بخشوع نادر, يفتقدونه وهم مصطفون لأداء صلاة ظهر أو عصر أو أي صلاة أخرى, لحظة تشخص الأعين نحو الأعلى في مشهد عجيب غريب متابعة لطيف روح صعدت بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب نحو رب راض أو غضبان فنسأل الله السلامة والعافية.
إنها اللحظة التي سيودع فيها كل واحد منا هذه الدنيا ليرحل الى عالم أبدي والى حياة أخرى بطعم آخر ومنظر آخر وخلق آخر ,فاللهم إنا نسألك حسن الخاتمة.