كانت ما يسمى “بالخيريات ” في السابق لا ترقى الى تسميتها بالمرفق العمومي ، بل كانت مرادفا للاحسان و الصدقات ، و ارتبط تسييرها بالتحكم و الكثمان مما جعلها بؤرة من بؤر الفساد ، بدءا بتعيين مكاتب جمعيات خيرية لتسييرها بمنطق الباطرونة المستفحل في المؤسسات الاقتصادية و تدبيرها لهذه المؤسسات بمنطق الهوى مما جعل هذه المؤسسات تتحول الى سجون اجتماعية بسبب السيطرة التي تعاني منها .
لكن زيارة ملك البلاد محمد السادس لمقر الجمعية الخيرية بعين الشق التي اكتشف من خلالها هول الكارثة و مدى بشاعة وجه هذه المؤسسات التي يفترض فيها ان تكون تربوية وتعبر عن اخلاق ومبادئ المجتمع ، غيرت مسار هذه المؤسسات حيث انكبت الوزارة الوصية على القطاع ومديرية التعاون الوطني على اعداد قانون منظم لمثل هذه المؤسسات و تقنينها وبهذا صدر قانون 14/05 الذي وضع ضوابط لفتح و تدبير اي مؤسسة رعاية اجتماعية بالمملكة ، لكن هذا القانون نسي او تناسى الجنود الذين يعانون من سلطوية الجمعيات الخيرية وتناسي وضعيتهم الادارية و القانونية بل و المالية في كثير من المؤسسات بالمغرب ، مما جعل هذه المؤسسات تتخبط في صراع دائم بين الجمعيات الخيرية التي الفت منطق السلطوية بالمؤسسات و بين الاطر و المستخدمين الذين يسعون الى تطبيق القانون الجديد و يسعون الى ان يعملوا بكل كرامة وحرية داخل ضوابط القانون وحمايته .
المشاكل التي تواجهـها المؤسسات و الأطر و المستخدمين على حد سواء
1 – المشاكل التي تهم المؤسسات :
تتواجد حاليا بالمغرب 1940 مؤسسة رعاية اجتماعية منها:
• 933 مؤسسة نشأت قبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية :
و تعاني من بنية تحتية هشة ونقص في الموارد البشرية وبعضها غير حاصلة على رخصة الفتح و لا يشملها قان 14/05 وتستقبل عددا كبيرا من المستفيدين.
• 557 مؤسسة نشأت في ظل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية :
رغم حداثتها إلا أن طاقتها الاستيعابية ضعيفة جدا و غير متوفرة على مرافق تخضع لشروط قانون 14/05 و وأغلبها حاصل على رخصة فتح مؤقتة مشروطة رغم عدم مطابقتها للشروط التي يشترطها دفتر التحملات الخاص بشروط فتح وتدبير هذه المؤسسات .
و تعاني بعض هذه المؤسسات من
• سوء التسيير قد يصل أحيانا في بعض المؤسسات إلى انعدام تام للأطر المسيرة الشيء الذي سينعكس سلبا على مستفيدي المؤسسة وأطرها ومستخدميها وعلى سمعتها بصفة عامة .
• غياب لجان التدبير و عدم إنزالها على أرض الواقع .
• غرق رؤساء الجمعيات المشرفة في المشاكل خصوصا بعد توقيعهم على دفتر تحملات لا وجود له على ارض الواقع .
• جهل أغلب رؤساء الجمعيات الخيرية بالقوانين المنظمة للقطاع والقوانين المنظمة للحريات العامة وتدخلهم المباشر في التسيير الإداري والمالي و التربوي و الاجتماعي للمؤسسات بشكل مخالف لمقتضيات قانون 14/05.
• نذرة الموارد المالية تخلق سنويا صراعا بين رؤساء الجمعيات مع الأطر و الممونين بسبب المنح (المحن) المقدمة للجمعيات سواء من التعاون الوطني أو المجالس المنتخبة او المحسنين والتي لا تكفي حتى لسداد أجور الأطر والمستخدمين العاملين مع غياب رغبة حقيقية لدى أغلب الجمعيات في البحث عن موارد مالية أخرى .
• غياب في اغلب الأحيان لتأمين صحي للمستفيدين و الأطر والمستخدمين بالمؤسسات .
• غياب في اغلب الأحيان لتغطية صحية و تعويضات العائلية و التعويضات عن المسؤولية و الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لأطر ومستخدمي المؤسسات و أعوانها .
• انعدام الأطر الضرورية المؤهلة في بعض المؤسسات قد يصل أحيانا إلى غياب المدير و المسؤول المالي والمسؤول التربوي .
• غياب الجودة في المواد الاستهلاكية نظرا لغرق المؤسسات في عجز مالي في كثير من المؤسسات الشئ الذي يهدد سلامة المستفيدين الصحية .
• استرزاق مجموعة من رؤساء الجمعيات وأمنائها على ميزانيات المؤسسات عن طريق مجموعة من المصاريف المبالغ فيها وكلها غير مبررة .
• عدم القيام بمناقصة قانونية فيما يخص اختيار الممونين .
• غياب السجلات خاصة سجلات التبرير بأغلب المؤسسات .
• أن الافتحاص الذي قامت به مجموعة من اللجتن الاقليمية و المركزية كشفت عن مجموعة من الاختلالات بهذه المؤسسات من بينها :
غياب الرعاية الصحية ونقص التربية والتكوين و المواكبة الاجتماعية
غياب المرافق الادارية الكاملة وقاعات الاستقبال و المراجعة و الصلاة والسبورات الحائطية .
نقص التجهيزات الادارية
استقبال المؤسسات لاكثر من طاقتها الاستعابية القانونية
غياب وسائل الاشتغال (سجلات و خواتم …)
2 – مشاكل تخص الأطر والمستخدمين :
• غياب وضعية قانونية و إدارية صحيحة من داخل هذه المؤسسات قادرة على على حماية الاطر و المستخدمين من الشطط في استعمال السلطة
• أطر ومستخدمين مهملين من داخل المؤسسات حيث يشكلون عبئا على الجمعيات أكثر من كونهم مساعدين أو مسيرين .
• تعرض الأطر والمستخدمين للابتزاز و للاستفزاز من طرف بعض أعضاء الجمعيات (المشرفة) على المؤسسات بل واتهامهم أحيانا ببعض السلوكات قصد التخلص منهم نظرا لوجود حسابات سياسوية أو حزبية أو نقابية أو قبلية معينة أو قصد التخلص من العجز الذي تعاني منه الجمعية .
• تعرض الأطر والمستخدمين للطرد التعسفي دون اتخاذ المساطر و الإجراءات القانونية لاتخاذ مثل هذه القرارات الشيء الذي يعزز منطق الباطرونة من داخل هذه المؤسسات نظرا لتعنت رؤساء الجمعيات كون بعض الاطر والمستخدمين لم يتقاضوا اجورهم .
• تقاضي الأطر و المستخدمين أجـور هزيلة جدا لا ترقى حتى إلى الحد الأدنى للأجور و لا ترقى إلى مستوى المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم ،
• عدم تقاضي هذه الأجور كاملة في كثير من الاحيان .
• عدم أداء أجور الصيف للعديد من المستخدمين و الاطر الادارية رغم هزا لتها .
• تقاضي هذه الأجور بطريقة مهينة اما عن طريق إشهاد مصادق عليه من طرف السلطات المحلية ، او الإمضاء بالإبهام او عن طريق شيك او التوقيع في سجل الأجور وقلة قليلة تتقاضى هذه الأجور عن طريق التحويل البنكي .
• خصم أجور بعض الأشهر لبعض الأطر و المستخدمين بدعوى العجز المالي .
• عدم استفادة الكثير من الأطر و المستخدمين من الضمان الاجتماعي و التغطية الصحية و التعويضات العائلية و التعويض عن المسؤولية وباقي التعويضات الاجتماعية الأخرى …
• عمل هؤلاء الأطر و المستخدمين من داخل المؤسسات 24/24 ساعة طيلة أيام الدراسة بالمؤسسات التي تستقبل التلاميذ و اكثر من الساعات اليومية القانون بالمؤسسات الاخرى.
• عدم وجود حرية تامة في القيام بالعمل حيث تتدخل بعض الجمعيات (المسيرة) في اختصاصات الأطر و المستخدمين العاملين بل إجبارهم أحيانا على القيام بأعمال ليست من اختصاصاتهم و لا علاقة لها بالمؤسسة .
• عدم التوفر على آليات الاشتغال الشيء الذي يجعل تسيير المؤسسات عشوائي و ارتجالي .
• بعد المؤسسات عن مقر سكنى الأطر الشيء الذي يكلفهم ميزانية مهولة للتنقل تصل إلى 60.00 درهم ذهابا و إيابا قصد التنقل مرة واحدة في الأسبوع وقد يضطر البعض إلى قطع مسافات طويلة ترجلا .
• غياب تكوينات متخصصة للأطر والمستخدمين على حد سواء .
• عدم تطرق القانون 14/05 لتأهيل الموارد البشرية
هذا في الوقت الذي نسجل فيه علاقة تعاون بين الأطر من داخل كل مؤسسة و علاقة طيبة بين الأطر و المستفيدين و أولياء أمورهم حيث ترقى هذه العلاقة إلى شبه عائلية من خلال المساعدة المجانية المتمثلة في دروس الدعم التي يقدمها الأطر للمستفيدين إضافة إلى الأنشطة التربوية و الثقافية و الرياضية و الترفيهية و الإشعاعية … .
الحلول المقترحة لهذه المشاكل :
1. الحلول الخاصة بالموارد البشرية :
• تسوية الوضعية القانونية للاطر و المستخدمين عن طريق تبني التعاون الوطني لهذه المؤسسات خصوصا بعد تسجيل عدم قدرة الكثيرمن الجمعيات الخيرية على تسييرها
• استصدار قانون تنظيمي خاص بالعاملين بمؤسسات الرعاية الاجتماعية و يبين حقوقهموواجباتهم
• وضع اجور قانونية للاطر يراعى فيها شهادات المستخدمين و اقدمية عملهم وتجربتهم
2. الحلول الخاصة بخلق موارد مالية قارة
• وضع ميزانيات قارة و محددة مسبقا تضمن اجور مستقرة للمستخدمين و تموين المستفيدين
• خلق مشاريع توفر دخل قار للمؤسسات تشجعها على التحسين من خدماتها بالنسبة للمستفيدين
• 3 . الحلول الخاصة بتأهيل المؤسسات ونظم تسييرها
• تفعيل لجان التدبير و تحديد اختصاصات الأطر والمستخدمين .
• تطوير البنية التحتية للمؤسسات و توسيعها لتتوافق مع ما هو موقع عليه في دفتر التحملات.
• توفير آليات الاشتغال الحديثة بالمؤسسات خصوصا تلك التي تعتمد على المعلوميات .
• تنظيم دورات تكوينية منتظمة لفائدة الأطر والمستخدمين في إطار ما يعرف بالتكوين المستمر .
• تحديد ساعات العمل للأطر والمستخدمين لا تتجاوز ثمان ساعات في اليوم مع الاستفادة من رخص المرض و الرخص العائلية إضافة إلى الرخصة السنوية و الرخص الاستثنائية .
• انشاء صندوق خاص بالمؤسسات على غرار صناديق القطاعات الاخرى .
وفي الأخير فإن معالجة كل هذه المشاكل لا ينقصها إلا الإرادة القوية لدى السلطات المركزية في إصلاح هذا الوضع المزري و الكارثي .