سبع خضاري بتسركات بين مواجهة لسعات البرد والرغبة في الفوز بساروت بيت الخزين
الاستعداد للبرد بقرية تسركات الواقعة على بعد ثمان كيلومترات من زاكورة له طعم خاص ،فموقع القرية على هضبة مرتفعة تجعل أهلها لا يكتفون بالألبسة من جلابيب وعمامات ومعاطف صوفية ، فالألبسة قد تحمي الجسم من لسعة البرد لكنها لا تكفي، فقد تفتقت عبقرية المرأة هنا بتهييء مشروبات ساخنة كطصابونت التي تعطي طاقة منعشة ناهيك عن فوائدها الصحية نظرا لما تحويه من أعشاب صحراوية جافة.
لكن هذا لا يكفي فالجسم بحاجة الى مأكولات ساخنة خاصة بالليل، فالاستعداد للبرد بتسركات وبقرى عديدة بزاكورة يحكي الاستعداد للحرب كما أكد ذلك الرسول (ص) ،ولذا كلما أزفت “الليالي” وهو مصطلح زاكوري يقصد به انتصاف فصل الشتاء حيث تنخفض درجة الحرارة لمدة قد تصل الى اربعين يوما “وعشرون يوما الاولى هي الليالي كما يقول العارفون بأدبيات التغيرات المناخية الزاكورية”.ولذا ففي هذه الفترة تستعد النساء لتهييء لوازم سبع خضاري، وللرقم دلالته التي قد تفيد أيام الاسبوع أو سبع سماوات لكن المهم في ذلك هو أن سبع خضاري تحوي أكثر من هذا الرقم فجميع الخضر الشتوية والصيفية تهيأ في قدر طيني تقليدي مع الكسكس التي هي وجبة ليلية قارة لأغلب الاسر ،حيث تجتمع العائلة ليلا بعد شرب وجبة الشاي المرصع بالشيبة .ولهذا الحفل طقوس محلية فهو احتفاء واحتفال بموسم الخضر ، صحيح أن الصيف للفقراء بالصحراء لكن ولأسباب مناخية محلية ففصل الشتاء تكثر به الخضر يستفيد منها اغنياء الناس وفقرائهم على السواء حيث يختلف الصغار والكبار الى قصعة الكسكس المضمخة بجميع الخضر ولحم الراس والكرداس اضافة الى ثمرة بوسكري التي لانعرف لماذا تم اختيارها لوحدها من بين أنواع عديدة تشتهر بها درعة ، وأعتقد أن ذلك ربما راجع الى صلابتها والى قيمتها المادية التي جعلت الاباء يحرصون على منع أبنائهم من أكل بوسكري لأنه في نظرهم يسبب مرض الحمى؟؟؟؟ ،يتواصل الجو الاحتفالي في التهام الكسكس بالايدي ممايسبب احتراق أصابع الصبيان والصبايا و”اللي كا ليك الكسكسو بارد يدير فيه يديه “على ان مربط الفرس في وجبة الاحتفاء هاته هو ايجاد نواة بوسكري التي يفوز بها غالبا الكبير قبل الصغيرليتوج بذلك كأمين عن بيت الخزين الذي تجمع فيه محصولات السنة من خضروات والمزروعات …
والحال اذا كانت بعض الاسر لاتزال تعض بالنواجد على تصابونت وسبع خضاري بتسركات وفي قرى زاكورة المترامية الاطراف ، فالعادات الغذائية المحلية اصبحت تندثر امام عادات غذائية مدينية اقتحمت المنزل التسركاتي في عصر الصورة .فهل تستطيع العولمة القضاء على هذا الموروث الدرعي الضارب في لجج التاريخ؟؟؟سؤال نتركه للمستقبل أن يجيب عنه.
عبد الكريم الجعفري – زاكورة.