الفلسفة … ذلك الفارس المزدوج
[box type=”shadow” align=”alignright” width=”95%” ]
بقلم: محمد نيت سيدي يوسف
[/box]
احيانا يطول الكلام ، وتجد المرء يحاول تبرير شيء لم يقصده أصلا ، بل و لم يفكر في القيام به يوما حتى ،أو دفع أقوال تم اتهامه بها دونما سبب ، ان سكت ظنوا أنه فعل ، و بسكوته هذا، فهو عاجز عن الدفاع عن نفسه ، و إن حاول الدفاع عن نفسه ألصقوه تهمة “الجحود” بتعريف آخر يلائم السياق “انكار التهمة رغم القيام بها ” . و للنقاش طعم آخر مع البعض ، خصوصا إذا قيس بما يسمى عندهم ب “الطابوهات” ، و الحل بالنسبه لهم ، إدراج النقاش في خانة خاصة بمصطلح دخيل تم تعريبه ليصبح في آخر المطاف “فلسفة” ، ذلك المصطلح الفارس ، ليس مجرد فارس ، انه “الفارس المزدوج”.
لست اريد بادء ذي بدء ، أن أذكر التعريف المتداول لكلمة “فلسفة” ، أو بالاحرى الذي تم الاتفاق علية بالاجماع من طرف الرفاق الفلاسفة ، -أي محبة الحكمة- ، و لكن الانطلاق منه على أساس الطريقة التي ينظر (برفع الياء) بها اليه ، لا من طرف العامة فحسب ، بل من طرف بعض المتعلمين أيضا بالجنوب الشرقي ، أولئك الذين أقر الله تعالى باختلافهم و تميزهم عن غيرهم ، و هو ما أكده في كتابه الحكيم إذ يقول –بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- “…قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون…الآية ” – صدق الله العظيم .( الزمر ، الآية 9)
ان ما أحاول قوله أخطر مما يمكن تصوره ، و لا أدري أي عقل حباه الله تعالى كل هذه القدرة ليلبس كلمة قناع أخرى بقدرة قادر رغم بعد المسافة التي بينهما – لن تكون أقل من المسافة بين الارض و السماء حتما- . ان مفهوم الفلسفة و الفيلسوف عند بعض العامة بالجنوب الشرقي – أقول بعض العامة لان التعميم تعتيم ، و لكل قاعدة استثناء ، ألا قد برأت قلمي من أية تهمة ، اللهم فاشهد- لا ينفصل عن كلمة “الالحاد” – بالمعنى الصافي للكلمة. اي ان الفيلسوف و المتعاطي للنقاش العقلي الموضوعي لا يخرجان عن خانة اللادينيين ، هذا ما كان شائعا بقدرة قادر ، و انتشرت الفكرة بين الاوساط المتعلمة انتشار العدوى حال ظهورها ، هذا رغم أنهم يرتادون المدارس و يملكون بذلك من العلم ما ليس باليسير ، والغريب في الامر هو المبرر الذي عقد على لسان بعض مما أجمعني بهم النقاش بمحض الصدفة، و هو منطق التبعية و مسايرة السائد – أي منطق هذا ما ألفينا عليه آباءنا – كأن تحصيلهم الدراسي و تعليمهم لم ينجهم من ظلام الامية ، و لم يستطع إنقاذ عقلهم من تلك الاحكام المسبقة المسوسة ، و بالتالي بدل أن يكون ( من التكوين) عقولهم اكتفى فقط بملئها.
ان كشف الحجاب عن كلمة فلسفة يضفي عليها طابع البراءة الذي تستحقه ، و ترفع عنها بهذا ذلك الخوف و الرعب الرمزيين اللذين “تعشعشا ” في المخيلة لما بقيت في قناعها الأصلي ،و يطال الشيء نفسه مجموعة من الكلمات كلما سمعها المرء ، و نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كلمة ” إديولوجية” التي لا تعني سوى ” نسق من التصورات و الأفكار التي توحد مجموعة معينة” ، أو الاثنولوجيا و غيرها من الكلمات ذات التأثير “الفوبي ” ( من الفوبيا) رمزيا.
محبة الحكمة ، تلك التي تقود الى معرفة الله تعالى و بالتالي الوصول إلى قمة اليقين و الإيمان المبنيين على توابث لا يزلزلها الشك و لا تحركها ريح بعض الافكار المسمومة ذات الحجج الواهية ، والناتجة بالضرورة عن التبعية و ” خمول الذهن عن التفكير” و بالتالي فتح الباب أمام “التفكير العاطفي” كلما عزف من سولت له نفسه على الوتر الحساس ( و الكل يعرفه) . و الحكمة كما يعلم الجميع ، لم يجعلها الله تعالى في موضع واحد، رغم أنه ميز بها البعض عن البعض الآخر ، و ذي لعمري من أفضاله ، و الهدف من ذلك هو تبادل العلم و تشجيع طلبه مصداقا لحديث للمصطفى عليه السلام يدعو من خلاله الى طلب الحكمة و لو من كافر، و يستفاد من هذا مدى أهمية الاطلاع على الفكر بغض النظر عن جنس ، لون، و دين صاحبه ، و حقائق التاريخ كنبع لا ينضب ، ننهل منها ابن رشد على سبيل المثال الذي ترجم مجموعة من مؤلفات أرسطو- و لقلة الامثلة ما يبرره ، و هو أن لا يتحول المقال إلى درس في أحد المواد عوض تصحيح نظرة مغلوطة –
أقول (ليس أقول أسمع كما علمونا في الابتدائي على سبيل المزاح)، و التاريخ يشهد، أن التعريف المرتبط بكلمة ” فلسفة” قد أثبت نفسه بجدارة عن طريق دخول مجموعة من المفكرين و كبار الفلاسفة في الدين الحق ،لهذا ، فمن الغباء أن يخرج علينا قوم و يصيحون فينا من أجل مقاطعة كل فكر لا يتماشى مع الملة و الدين بدعوى التأثر السلبى بما جاء فيه ، ناسون من جانب آخر “الكنوز” المختبئة بين سطوره، و إلا فما دور عقل حبانا الله به إذا ، إذا كان عاجزا عن تمييز الصالح من الطالح ، و انتقاء النافع من المتوفر على بعض الضار؟
ان النقاش الفكري ، الجاد و المسؤول مع بعض الاطراف بالجنوب الشرقي يكون فيه المرء ضحية ” تيكيتات” ما أنزل رب السماء بها من سلطان ، و نسرد منها ” الضرب في المثالية” ، سخونية الراس” ، ” التجرؤ على الله تعالى” ، ” استعراض العضلات اللغوية” ، “المغضوب عليهم و الضالين” ، و الأكثر خطورة …” الإلحاد”. أية محاولة للنقاش المنطقي العقلاني تساوي كونك “فيلسوفا”، ذلك القناع الذي يخفي وراءه “لادينيا” في نظرهم ، لا لشيء سوى لكون بعض الفلاسفة متنكرين للدين كرفاق التنوير الأوربي ” ديدروو غيرهم” ، و أعتذر للرفاق الفلاسفة من أفلاطون إلى هوسرل و غيرهم من رفاقنا المفكرين بالعالم الإسلامي ” العروي ، الحبابي و طه عبد الرحمان….” عن هذا التعريف الجديد المختفي وراء حجج واهية ، و نعترف بكل عفوية دون قيد أو شرط أو حتى رقابة أنه ” ما بيننا و بين الفلسفة غير شي مؤلفات ف المكتبة المتواضعة” .
ان المسألة بسيطة ، بسيطة جدا ، و لا تستدعي منا سوى مراجعة دقيقة لمكمن الخلل ، و يمكن إجمالل ذلك فيما يلي :
أشرت سابقا إلى مسألة التبعية و مسايرة السائد
اعتبار المصطلح دخيل على المنطقة ، و تطرف بعض الاساتذة المشرفين على المادة في بعض مؤسسات المنطقة
كثرة الزوايا بالمنطقة و بالتالي هيمنة الفكر و التفكير ” اللاهوتيين” ( أعتذر للرفيق باروخ اسبينوزا على استعارة المصطلح) ، و أدى هذا الى سيادة النقاش الديني و دونه ليس نوع من الطوباوية و العبثية المؤديان إلى ضياع الوقت
عدم وفرة الكتب بالمستوى المطلوب في المؤسسات التعليمية مما لا يفتح مجالا لتوسيع المعارف و إغناء الثقافة العامة من خلال الانفتاح على منابع العلوم المتنوعة و الكثيرة
الاهمال الشبه التام للجانب الثقافي المساعد على تربية المتعلمين على ” ثقافة النقاش و تقبل الافكار الجديدة” من طرف الجمعيات و المؤسسات على حد سواء
هنا يبقى دورنا لتصحيح هذه النظرة عن طريق النقاش و القلم ، و خصوصا هذا الأخير الذي قال عنه الشاعر ” هو قلمي أهش به على ألمي و لي فيه مآرب أخرى” و تجسيدا لقول الرفيق نزار القباني ” كل من قاتل بحرف شجاع ثم مات فإنه من الشهداء”، نقاتل ماذ؟ نقاتل الجهل و الأمية و نحارب عيوب الثقافة السائدة ، لذا لا تثريب علي ما دمت أعرف نفسي أكثر من نفسي
السلام عليكم
تحية لك سي محمد على هذا المقال الرائع، الذي يحمل في طياته أفكارا عميقة عمق فكرك. هذا التأخر الفكري ناتج عن التبعية و عدم استخدام العقل الذي أصاب أمة محمد. المقارعة بالحجة و الدليل غائب تمام، عليك أن تفعل ما أقوم به أو أنت في النار. لقد غابت المناظرات الفكرية التي قال عنها أركون في قولة منسوبة إليه: لم نتخلف بسبب الاستعمار و إنما تخلفنا بسبب غياب المناظرات الفكرية كما كان من ذي قبل.
الفلسفة هي دعوة لاستخدام العقول و هي لا تخالف دعوة الله في القران الى التفكر و التدبر.
مشكور السي ادريس على التفاعل، و معذرة عن التأخر في الرد. هي رسالة بسيطة أتمنى أن تصل. شكرا مجددا