منتوج البطيخ الأخضر بزاكورة بين متطلبات السوق وإكراه ندرة المياه
تعد مدينة زاكورة من إحدى المدن الواحية التي تستوطن بالجنوب الشرقي للمغرب، تتصف المدينة عامة بمناخها الجاف، يتميز بحرارة مرتفعة خلال فصل الصيف و ببرودة شديدة في فصل الشتاء، معدل التساقطات بها لا يتجاوز 150ملم سنويا، كما تتميز بارتفاع معدل التبخر حيث يتجاوز 2000ملم سنويا، بسبب ارتفاع الحرارة. في ظل هذه الخصوصيات الهشة التي توحي مسبقا بندرة الماء كعنصر ضروري للحياة، أصبحت مدينة زاكورة خلال السنوات القليلة الماضية تعد من كبريات المدن المصدرة لمنتوج البطيخ الأخضر. منتوج دخيل على المنطقة مستورد إما محليا وطنيا أو دوليا، بل أصبحت كل الفعاليات الاقتصادية والمستثمرين مغاربة وأجانب يتهافتون للاستثمار في إنتاج البطيخ الأخضر. فما السر في ذلك؟
إن المتتبع للشأن الاقتصادي والمحلي عامة بإقليم زاكورة، قد يعرف مكانة هذا المنتوج لدى الفلاحين والمستثمرين، إذ أصبح اغلب المستثمرين خاصة الفلاحين الكبار يستخدمون تقنيات حديثة: من مكننة، استعمال البدور المنتقاة، تقنية السقي بالتنقيط…. والمتداول في السوق الوطنية هو أن البطيخ –الزاكوري- لا يحتاج للطبع نظرا لجودته، وأن المنطقة بفعل ما تتميز به من ارتفاع درجة الحرارة، إضافة إلى التقنيات الحديثة المستعملة في الإنتاج، فإن البطيخ بهذه المنطقة لا يستغرق وقتا طويلا ليصل إلى مرحلة الاستهلاك. بهذه الميزات يكون بطيخ الأخضر بزاكورة أول ما يدخل إلى الأسواق سواء الوطنية أو الدولية. وبهذا يحقق هذا المنتوج ربح إضافي للمنتجين والفلاحين خاصة الكبار.
لكن إذا كان البطيخ الأخضر بزاكورة يحقق عائدا ماديا للمستثمر، بينما تبقى استفادة المنطقة ضئيلة (نسبية) تتمثل في أحسن الأحوال في بعض فرص الشغل المؤقتة التي يخلقها، فإن إنتاجه في ظل ما تزخر به المنطقة من خصوصيات هشة، قد ينعكس سلبا على البيئة والمحيط الطبيعي عامة. خاصة تأثيره على كميات مهمة من الماء، ويزيد هذا الطلب بفعل ارتفاع درجة الحرارة، فحسب دراسة أجرتها الجريدة الالكترونية هسبريس مؤخرا، فإن جل المناطق التي تعرف إنتاج هذا المنتوج من ما بات يعرف لدى العامية بالفايجا بزاكورة، جماعة تنزولين، جماعة النقوب… عرفت بها الفرشة الباطنية نزولا خطيرا خلال العقد الأخير، واستمرار إنتاج البطيخ الأخضر بهذه المناطق يعني بشكل ضمني استمرار نزول الفرشة المائية التي تزيد من حدتها ندرة التساقطات المطرية، وهذا إن ذل على شيء فإنه يدل على استمرار معاناة الكثير من السكان المحليين.
وإذا أردنا مقاربة الظاهرة بالمقارنة مع البرامج والاستراتيجيات الوطنية، فإننا سنجد بالتأكيد أن تشجيع الاستثمار بهذه المناطق على هذا النحو، يتناقض مع فلسفة ومبادئ المقاربة المحلية (التنمية المحلية) التي تدعوا إلى ضرورة احترام الخصوصيات المحلية للمنطقة بل وأن تكون البرامج والمخططات منبثقة منها أي مما تزخر به. وتتناقض كذلك مع وفلسفة التنمية المستدامة التي تدعوا الترشيد في استغلال الموارد الطبيعية بشكل يراعي حظوظ الأجيال المقبلة. وكذلك هذه السياسة – إنتاج البطيخ الأخضر- بالمناطق الواحية يتناقض مع فلسفة المخطط الأخضر الذي خص المناطق الجافة والشبه الجافة، بالدعامة الثانية التي تهم الفلاحة التضامنية، وإذا كانت فلسفة هذه الأخيرة تعني عكس ذلك فإن على المسؤولين إعادة صياغة مثل هذه البرامج والمخططات.
وخلاصة القول، إن استثمار واستخدام عقلية المستثمر الاقتصادي الذي لا هم له سوى الربح، قد يفضي إلى نتائج كارثية بالمنطقة، تتجاوز ما هي عليه في الوقت الراهن من ندرة الماء وما يخلفه ذلك من انعكاسات سلبية خطيرة على البيئة والمحيط الطبيعي بالمنطقة، وعلى الساكنة المحلية التي أصبحت تعرف هجرة كبيرة إلى المراكز الحضرية الكبرى…. ولذلك أدعوا المسؤولين إلى النظر في مثل هذه السياسات والبرامج بعين المسؤول الحامل حس وطنه، وأن يأخذوا الأمور في شموليتها وكليتها.