المغاربة و النفاق الاجتماعي
دَوَّنَ على صفحته الفايسبوكية :” من طرائف التْلْفَة الفكرية لِّي ضارْبَا المغاربة، ونحن نتناقش في الحانة حول موضوع الساعة، أن انبرى أحدهم يدافع بحماس: أن لشكر ما عْنْدُوشْ الحْقّْ يمَسّْ في ثوابت الدين، واننا نحن مسلمين، ولا يمكن الخروج عن المعلوم من الدين، وووو …. نظرت اليه مشدوها و أجبته: انْتَا أصاحْبي أش جالْسْ كا تْديرْ معايا هْنَا ، نُوضْ سيرْ بْحالْكْ لْلجَّامْعْ و بْعادْ عْليكْ مْنْ البِيرَانْ راهُمْ ما يْصْلْحُوشْ لِكْ”.
1- في السياق وسبب النزول
نص يعكس في عمقه جوهر هذا السجال الذي يجتاح نخب الشعب المغربي بكل أطيافها و مواقعها، و انخرط فيه الاعلام السمعي البصري و الورقي و الالكتروني بقوة، حيث يتم التراشق بقذائف التكفير من طرف “المحافظين” و قنابل “التنفيق” من طرف “الحداثيين”. وقد انطلقت مرة أخرى شرارة هذا السجال من دعوة للكاتب لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية السيد ادريس لشكر في اجتماع للنساء الاتحاديات يوم الأحد 22 دجنبر 3013، الى مراجعة أحكام الإرث و تجريم تعدد الزوجات في مدونة الأحوال الشخصية، بما يسمح بمساواة النساء للرجال في الارث . و كان من بين ردود الفعل على دعوة إدريس لشكر، أن أحدهم (عبد الحميد أبو النعيم ) صرح في شريط بث على الانترنيت بأن ما قال به إدريس لشكر يدخل في نطاق الكفر، ما دام يدعو الى مراجعة ما هو معلوم من الدين بالضرورة، و ما هو قطعي الدلالة والثبوت من أحكام الشريعة الإسلامية، فتوالت الردود من المعسكر المقابل ،حيث وصلت أوجها مع تصريح الناشط الأمازيغي أحمد عصيد في برنامج حواري في القناة الثانية، إذ اتهم فيه المجتمع المغربي برمته بالنفاق بحجة أن بعض السلوكات الواقعية المنحرفة لهذا المجتمع و بعض ممارساته العملية الشاذة تتناقض مع ما يؤمن به من عقيدة اسلامية و ما يريده و يدعو إليه من شريعة إسلامية.
2- في تعريف النفاق
في الحقيقة يحار المرء عندما يقرأ ويسمع العلمانيين و حتى الملحدين يوظفون في خطاباتهم مفردات و مصطلحات شرعية لها حمولة دينية واضحة، ولا يلجئون الى استعمال المفاهيم السيكولوجية و المصطلحات السوسيولوجية في حديثهم و توصيفهم للعديد من الظواهر السياسية و الاجتماعية الأخلاقية، أثناء خوضهم في الكثير من القضايا، و من أهم هذه المصطلحات و المفردات الدينية الأكثر تداولا في الخطاب العلماني مصطلحات الإرهاب و الكفر و النفاق و الشهيد و غيرها.
و النفاق في تعريفه البسيط هو هو استبطان الكفر و إظهار الإسلام ، و لا أقول الايمان ، لان الايمان بطبيعته باطني ، والاسلام بطبعه ظاهري ، والانسان في وضعه الطبيعي يكون ظاهره، المتجسد في المواقف و السلوكات، في الغالب انعكاس لباطنه المتمثل في العقائد و الأفكار. و المعروف أن الانسان يعمل بشكل دائم جاهدا لكي تكون سلوكاته ومواقفه في مستوى عقيدته و أفكاره، و من الصعب عليه أن يتمثل أفكاره بشكل كامل ، لكون الافكار و العقائد عبارة عن مُثُل نظرية، ومن المستحيل تنزيلها في واقع السلوك كما هي ، و هذا ينطبق على جميع الأديان و العقائد و النظريات و التصورات و الايديولوجيات، باستثناء الانبياء و الرسل فهم الوحيدين الذي يتمثلون رسالاتهم بسلوكاتهم ، وهذا يدخل في عصمتهم، و عليه فارتكاب المسلم لبعض السلوكات التي تتناقض مع عقيدته الاسلامية و اقترافه لبعض المواقف التي تتنافى مع أفكاره الاسلامية ليس نفاقا، و ليس مبررا أو حجة لكي يغير المسلم عقيدته و أفكاره بسبب اقترافه لسلوكات تتنافى مع تلك العقيدة ، فالصحيح أنه يجب أن يعمل على تصحيح سلوكاته لتنطبق مع عقيدته و ليس تغيير عقيدته لتنطبق مع سلوكاته،
3- في جوهر النازلة و لُب القضية
من المعلوم لدى كل الدارسين لتطور الفكر البشري أن العقائد و الأفكار و التصورات تكون دائما سامية و مثالية، و أكثر رقيا و سموا و تباثا من السلوكات و المواقف و التطبيقات، فالأفكار و التصورات هي خلاصة تَجْمعُ كل ما تفرق من خبرات و تجارب في كل الأفراد و في كل المجتمعات بل في كل الأمم، و عبر كل مراحل التاريخ، في حين أن السلوكات و التطبيقات عبارة أنشطة فردية ظرفية في سياقات اجتماعية و زمنية محددة. و العقائد والأفكار و التصورات أكثر ثباتا من السلوكات و المواقف ، و لهذا فالتغيير في العقائد و الأفكار و التصورات لا يكون في أصولها و مبادئها، وإنما يكون غالبا في جزئياتها و تفاصيلها الدقيقة، و بوثيرة بطيئة جدا، سواء على مستوى الأفراد، حيث يحتاج التغيير الى عقود من الزمن، أو على مستوى المجتمعات، حيث يكون أكثر بطئا، و يحتاج الى أجيال من الزمن، إن لم نقل قرون. في الوقت الذي يكون فيه التغيير و التطور في السلوكات و المواقف سريعا و ظرفيا و فجائيا. و هذا ما يجعل الإنسان يكافح و يكابد و يكدح كي يجعل سلوكه و مواقفه أقرب ما يمكن الى عقائده و أفكاره، و ليس العكس، حيث لا يعمل بتاتا لتغيير عقائده و أفكاره لتكون موافقة لسلوكه و مواقفه، ولذلك يتم تقويم و تقييم السلوكات و المواقف بالعقائد و الأفكار و التصورات، لان احتمال الانحراف و الخطأ في العقائد و الأفكار و التصورات أقل بكثير من احتمال الانحراف والخطأ في السلوكات و المواقف. فالمطلوب و المرغوب والواجب هو تغيير سلوك الشخص و مواقفه لتنسجم مع أفكاره و عقائده و تصوراته و ليس تغيير عقائده و مواقفه و تصوراته لتنسجم مع سلوكاته المنحرفة و مواقفه الشاذة.. كما يسعى العلمانيون عندما يتهمون المجتمع المغربي بالنفاق.
و بيت القصيد في هذا هو فهم جوهر و أهداف هذه الدعوات العلمانية التي تظهر بين الفينة و الأخرى ، و تدعو الى تغيير أصول الإسلام و الى ضرب قَطْعِياته ، حتى ينسجم مع سلوكات منحرفة و مواقف شاذة، قد تكون متفشية في المجتمع لظروف معينة، بدل الدعوة الى تغيير تقويم هذه السلوكات المنحرفة و تصحيح هذه المواقف الشاذة بالإسلام وعلى أساس الإسلام. و قد مست هذه الانحرافات الأخلاقية سلوكات الأفراد و مواقفهم ، في الوقت الذي صمدت في عقيدتهم و أفكارهم الاسلامية، أمام الرياح العاتية لعقائد الغرب و أفكاره المادية والعلمانية خلال مرحلة الاحتكاك مع الاستعمار ، ليشرع بعد ذلك جزء من هذه النخب، التي سقطت صرعى هذا الفكر العلماني ، يتهم مجتمعاتنا الصامدة عقيدتها الاسلامية، و المنحرفة في بعض سلوكاتها بالنفاق ، وتدعوها الى تغيير تلك العقيدة و ما تفرع منها من شرائع و قوانين و أعراف لكي تكون موافقة و منسجمة مع هذه الانحرافات السلوكية الظرفية. إذن فالإشكال واضح و المعركة بينة، هي بين من يدعو المجتمع ليُغَيرَ عقائده و أفكاره الإسلامية لتنطبق مع سلوكاته المنحرفة ، وبين من يدعو المجتمع لتصحيح سلوكاته المنحرفة لكي تتمثل عقائده و أفكاره الإسلامية،..
4- عود على بدء
تواجده في الحانة و كونه “سكايري” لا يجب أن يكون مبررا و دافعا له كي يغير قناعاته العقدية التي عبر عنها برفضه و تنديد بما صدر عن إدريس لشكر من دعوة لتغيير قطعيات من الدين، بحجة ، بحجة أن ذلك يتناقض مع تواجده في الحانة و كونه “سكايري” ، فتلك القناعات العقدية التي تستيقظ في ضميره بين الفينة و الأخرى، هي التي ستجعله في ما بعد يغير سلوكه بالتخلي عن السكر و الذهاب الى الحانات. فالسلوكيات هي التي تُقَوَّمُ بالمعتقدات و الأفكار، وليس الأفكار التي تغير لتنسجم مع السلوكات، فالأمر لا يتعلق لا بالأقنعة و لا ب”النفاق” كما يحلو للبعض أن يسميه.
لان الإنسان قد تكون عقائده سليمة و أفكاره صحيحة (نسبيا) ، و سلوكه منحرف و مواقفه شاذة (نسبيا) في ميزان تلك العقائد والتصورات، و هذا التناقض غالبا ما يعبر عنه بالندم على ما يفعله، كل ما شعر بالألم النفسي الذي يحدث ذلك التناقض في نفسه.. و يعبر عنه ب “الله يعفو علينا” و “الله يسمح لينا”.. لذا فالمطلوب هو أن يصحح سلوكه و مواقفه بناء على عقائده ، و ليس تغيير عقائده لتنسم مع سلوكاته الشاذة، فالأمر ليس فيه لا نفاق و لا هم يحزنون.
argumentation logique
argumentation claire et logique