الغش في الامتحانات أو حينما تتحول الجريمة إلى حق

0 517

(من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه)  قولة يرددها تلاميذ المؤسسات التعليمية دفاعا عن سرطان ينخر جسد المدرسة المغربية ،فالغش في الامتحانات أضحى اليوم ظاهرة عادية ،إذ يتم الإفصاح عن الرغبة في ارتكاب الرذيلة جهرا و بمساعدة الآباء و بتواطؤ من الطاقم الإداري و التربوي لإخفاء الحالة التي وصل إليها نظامنا التعليمي في طبعته العمومية. .

فإذا كان  التلاميذ النجباء يرفعون من سقف التهئء للامتحان خلال شهر يونيو اعتمادا على دواتهم وعلى الله،فان فئة كبيرة منهم بدأت تلتجئ لمجموعة من الحيل للغش مستغلة التطور التكنولوجي و آخر صيحات عالم الحروز و السمطة ،بل تعتبر ماتقوم به حقا مكتسبا يستلزم الدفاع عنه و فرصة للتجديد و الإبداع السلبيين المدعومين بالمهارة و الحيلة و التكنولوجيا فيصبح في هذه الحالة غير المساهم في العملية منعوتا باقدح الصفات ، و الأستاذ الذي يمارس دوره في الضبط معنفا.

1- أشكال الغش في الامتحانات.

يتخذ الغش المعولم في الامتحانات أشكالا متعددة :

1 – استعمال ما يسميه التلاميذ الحروز أو السمطة أو النقلة…من خلال تصغير الدروس إذ تؤثث طوابير المكتبات خلال يونيو مجموعة من الغشاشين للحصول على النقلة مما جعل بعض شرفاء المكتبات يرفضون هذه العملية و واضعين إعلان “ممنوع التصغير “على واجهة محلاتهم.

2 – استعمال الهاتف النقال الحامل للكاميرا و أجهزة الإرسال و استقبال الرسائل.

3 – تناول عقارات دون و صفة طبية لتحسين التركيز

2 – لماذا الغش في الامتحانات؟

يمكن الإشارة إلى عناوين كبرى ،رغم انه من الصعوبة بمكان الحديث عن عوامل محددة:

1- طبيعة الامتحانات التي تأتي أحيانا عبارة عن أسئلة مباشرة .

2- اقتناع التلاميذ بأسلوب الغش مادام الكل يغش بدءا من الأساتذة الذين يجبرون تلاميذهم على الدروس الخصوصية(انظر مقالنا بجريدة ديما بلادي بعنوان “الدروس الخصوصية :ماكدونالد التعليم أم رشاوى للأساتذة؟) إلى الغش في الانتخابات .

3- تراجع الرغبة في الدراسة إذ لم تعد ذاك الملاذ الأمين للرقي الاجتماعي.

4 – التهيب من الأسئلة المفخخة و ضيق الوقت المخصص للامتحانات.

3 – اطلبوا الغش و لو في الصين.

الغش ليس ماركة مغربية أو عالمتالثية كما يظن البعض،بل هي ظاهرة عالمية .ففي دراسة بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 2003 شملت 18000 طالب بالثانوي ،اعترف أكثر من 70 في المائة من هؤلاء بأنهم غشوا في الامتحانات ،و بالصين اكتشفت الشرطة اكبر” عصابة سوق الامتحانات”و هي وكالات متخصصة على الانترنيت تمكن الطلبة من استئجار خبراء يشبهونهم لتعويضهم في كل الامتحانات .و بالمغرب سجل تسرب مواضيع امتحانات الباكالوريا سنة1979 ،بمعنى أن اللجوء إلى الغش قبل هذه السنة كان شبه منعدم لما تمثله هذه الفترة من تاريخ المغرب من انضباط على جميع الميادين ،غير أن الظاهرة بدأت تتناسل بداية تسعينيات القرن الماضي لتتخذ منحى دراماتيكيا سنة 2006 ، إذ أوردت جريدة الاتحاد الاشتراكي في صفحتها الأولى خبر تسرب امتحانات الباكالوريا بكل من الناضور و مكناس ،و في نفس الموضوع نشرت جريدة الصحراء المغربية خبر تعليق امتحانات في ثانوية بمكناس ،حيث أكد التلاميذ توصلهم بالأسئلة عبر الرسائل القصيرة و عبر الانترنيت ، وفي نفس السياق أوردت جريدة” صوت الناس أجواء امتحان السادس ابتدائي :إذ توزع أوراق التحرير على التلاميذ ،وتكتب الإجابات على السبورة، و في أحسن الأحوال يطلب من التلاميذ التعاون فيما بينهم .

سرطان الغش وصل إلى أروقة  البرلمان،ففي تدخله أمام مجلس النواب قبل إعلان نتائج الباكالوريا يونيه 2006 صرح وزير التربية الوطنية “إن ما وقع من تسرب للمواضيع مجرد عطب تقني من فعل أياد آثمة وان ما وقع ذا طابع محلي ليلتمس من البرلمانيين و الرأي العام عدم الخضوع لسلطة الإشاعة خاصة وان الأمر يهم شهادة أصبحت جزءا من هوية التلميذ”.

ما أثارني في تصريح الوزير هو تبخيس ماوقع فهو عنده مجرد عطب و إشاعة و ليس  جريمة تتحمل الوزارة الوصية مسؤوليتها،أيضا اعتباره ما وقع ذا طابع محلي و كان الوزير لا زال يعيش في كوكب آخر غير عصر المعلوميات الذي يجعل الأفكار تنتقل بسرعة الضوء إلى جميع مناطق العالم .

إذا كان الحصول على شهادة من حجم الباكالوريا يشكل جواز سفر و هوية للتلميذ كما جاء على لسان الوزير ،لماذا لم يتحل بالشجاعة السياسية و الأخلاقية ويقدم استقالته بعد فضيحة 2006 كما قدم زميل له صيني استقالته ليس في تسرب امتحان بل لشيء يبدو لنا نحن المغاربة بسيطا لأنه وجد امرأة مسنة أمية في احد أرياف الصين؟.أسئلة مؤرقة تلاحقنا نحن كأساتذة كلما أزف موعد الامتحانات سواء كمراقبين أو كمصححين،إذ أصبح الأستاذ المتشدد في ضبط التلاميذ استثناء يتم تغييره بأستاذ أكثر مرونة حتى تمر الامتحانات في ظروف حسنة و( مريضناما عندو باس).

4 – الإجراءات العالمية للحد من الغش

في بريطانيا و الولايات المتحدة سيتم إجراء الامتحانات في غرف مؤمنة مجهزة بالات الكشف عن المعادن و أجهزة الكشف عن ترددات الراديو لشل التواصل عبر الهواتف النقالة.و بأمريكا شرع ابتداء من 2006بخصوص الدخول لكليات الطب في استعمال التقنيات البيومترية المعتمدة في انجاز جواز السفر و بطاقات الهوية،إذ ينبغي على المرشحين للامتحان تقديم بصمات أصابعهم الكترونيا و الخضوع لتصويرهم رقميا مما سيسهل على لجان الامتحانات كشف الذين يقومون باستئجار بدلاء الامتحان نيابة عنهم .أما بالصين و كوريا الجنوبية يتم التهديد بإيقاع عقوبة السجن لسبع سنوات لمن يمارسون الغش في الامتحانات ،و ستخضع قاعات الامتحان لعمليات تشويش الكترونية .وبالسعودية تنادي أصوات عديدة بضرورة إرساء مراقبة الكترونية للمدارس و ذلك بتصوير ما يجري في الفصول الدراسية لأنه يتيح متابعة طبيعية لأداء المعلمين و المتعلمين .

أما على المستوى الوطني حسب مسئول في المركز الوطني للامتحانات بمناسبة امتحانات الباكالوريا 2006 تم اتخاذ إجراءين جديدين بهدف التحسيس و التحذير الاستباقي :

1- تسليم “دليل سير الامتحانات “على الأساتذة المكلفين بالحراسة وحثهم على تلاوة بعض مقتطفاته بهدف تذكير و تحسيس الممتحنين بشروط الامتحان .ويذكر هذا الدليل مثلا بوجوب وضع الهاتف النقال بعد إطفائه على طاولة الامتحان ،وكذا الإجراءات المتخذة في حق من يضبط في و ضعيةغش.

2 – تضمين الاستدعاء لاجتياز امتحان الباكالوريا ،الفقرة الخاصة بالإجراءات الزجرية المنصوص عليها في القانون و المتعلقة بالغش في الامتحانات .و ينص ظهير 25/06/1958 على المعاقبة بالحبس لمدة تتراوح بين شهر و ثلاث سنوات و بغرامة مالية كل عملية غش ترتكب في الامتحانات المتعلقة بولوج إدارة عمومية ،و يعرف الظهير عملية الغش” بتسريب مواضيع الامتحانات اواستعمال بطاقة هوية مزورة أو انتحال صفة”.

بالموازاة مع هذه الإجراءات ذات  الغايات الوقائية الزجرية بدأ العمل ببعض المقاربات التربوية الهادفة إلى تصور جديد للتقييم و الامتحان إذ بدأت جامعات بخفض اعتمادها على الامتحانات الموحدة لقبول الطلبة مفضلة الاعتماد على المقابلات الشخصية و هو مؤشر غير قابل للتزوير.

5 – خاتمة:

صفوة القول يمكن الإشارة أن سرطان الغش لا زال مستشريا في قاعات الامتحانات اليوم،و أعتقد أن الأمر يتطلب إرادية سياسية من الدولة لإعادة الاعتبار لقطاع يعد الرئة التي تتنفس بها بقية القطاعات .

    عبد الكريم الجعفري-أستاذ باحث – زاكورة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.