العنف المدرسي ، الشبح الذي يهدد تعليمنا ( جزء 2)

0 488

أسباب العنف المدرسي
مما لا جدال فيه أن العنف المدرسي ليس ظاهرة معزولة في الزمان والمكان ، فالمدرسة أكثر الفضاءات تأثرا بالمتغيرات التي تحدث في المجتمع لذا نستطيع أن نقول جازمين ؛ إن هذا العنف نتيجة طبيعية لمتغيرات تعرفها المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والحقوقية … ، فمظاهر العنف في المجتمع كثيرة ومتعددة وهي متجذرة مند القدم ، أقلها المساومة للحصول على بطاقة وطنية أو عقد ازدياد أو رخصة إصلاح .
بيد أن العنف حينما يتخطى أسوار المؤسسات التعليمية ، ويتخذ وسائل مميتة ( سكين ، قضبان حديدية …) يصبح في نظرنا – نحن المواطنين – ظاهرة غريبة بحكم النظرة التقديسية لهذا الفضاء وللعاملين به ، كما ينظر لمرتكب العنف من التلاميذ على انه ” غير مؤدب ” ووو ، أما عنف الاستاذ على التلميذ فقد كان يُعتبر من ضروريات التربية الحسنة ، وكان آباؤنا يباركونه ويوصون أساتذتنا بـ” سلْخنا ” عملا بمقولة “العصا لمن يعصى ” . لذا سأقتصر في حديثي عن أسباب العنف ، عن العنف الممارَس ضد رجال التعليم .
لا يخفى على أحد أن المتغيرات التي حدثت في العالم في السنوات الأخيرة ، أدت الى إحداث زلزال و ثورة عنيفة في جميع المجالات ، لعل أبرزها مجال تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت في متناول المراهقين بتكلفة زهيدة كما حولت العالم الى قرية مكشوفة تتطاير فيه الأخبار بسرعة البرق . هذا المعطى جعل شباننا ينفتحون على ثقافات متعددة و يستوردون منها كل ما هو فريد وغريب عن مجتمعهم في سباق محموم ، ومن ذلك ، التعامل مع الاستاذ تلك المعاملة التي تضع التلميذ مع الاستاذ ندا للند دون أدنى احترام أو وقار لرجل يعتبر بمنزلة الأب الثاني . كما أن ظهور بعض الافلام المدبلجة والغير المدبلجة في الآونة الاخيرة شوهت صورة الاستاذ / المربي وتحاملت عليه وأعطت المثل الأعلى بالتلميذ المشاغب الذي يتحدى كل الأعراف ويثور في وجه الكبار تحت عناوين براقة كالحرية الفردية ، و هذا من شأنه أن يشجع السلوكات العنيفة و يقوي من شوكتها .
من الأسباب المباشرة للعنف المدرسي كذلك انتشار التعاطي للمخدرات بين صفوف المراهقين ، وهي ظاهرة ناتجة عن متغيرات ديمغرافية بسبب الهجرة القروية الى المدن ، وقلة الفضاءات الترفيهية التي بإمكانها استيعاب الافواج الهائلة من الشباب خلال أيام العطل الدراسية مما يجعلهم صيدا سهلا لمروجي هذه المواد السامة ، حتى غدت الفضاءات المجاورة للمؤسسات التعليمية سوقا نشيطة وتحول طلاب العلم الى زبناء من الدرجة الاولى .
إن المراهقين – حيثما وُجدوا – يعيشون أزمة داخلية بين الرغبة في تأكيد الذات بشتى الطرق وبين القوانين العائلية والمجتمعية التي تحاصر الشعلة المتقدة في أعماقهم ، هذا الصراع الداخلي يحتاج الى مُحاوِر ذكي متفهِّم يرعى هذه الطموحات ويتابعها بصبر لتزهر، وهذا لن يحدث إلا بالتواصل المستمر الايجابي مع المراهقين . غياب هذا التواصل – وهو سبب آخر للعنف المدرسي – يشعر شبابنا بالضياع فيدخلون في مرحلة من القلق تتحول الى ردود أفعال عنيفة يكتوي بنارها الأستاذ ثم الأسرة والمجتمع ككل .
من العوامل الأخرى المشجعة على العنف المدرسي ، العامل الحقوقي المرتبط بمجموعة من المذكرات الوزارية الصادرة في السنوات الأخيرة والتي تمنع عقاب التلميذ الى حد تجريم الفعل ، وهذا ما يشجع الكثير من المراهقين على ارتكاب عنف و” حماقات ” وإهمال الدروس والاقدام على الغياب المجاني و… ولعمري لو علموا بوجود سلطة عقابية رادعة ما كانوا ليقدموا على ذلك ، وصدق من قال ” إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ” . صحيح أن العقاب الزائد في حق التلميذ والمراهق يؤدي الى نتائج سيئة ولكن لا ينبغي أن يدفعنا ذلك الى تجاهل الكوارث التي يخلفها الـ ” لا عقاب ” حتى على الجماعة . ولعل هذه السلطة العقابية هي التي أنجبت لنا هذه الأجيال العظيمة من العلماء والعباقرة عبر التاريخ .
من جهة أخرى لعبت المذكرتان 118 و 137 دورا كبيرا في إرجاع أفواج من المفصولين في جميع المستويات الى صفوف الدراسة وأعطتهم فرصة أخرى للإنقاذ في إطار محاربة الهدر المدرسي والتشجيع على التمدرس غير أن النتائج المُحصلة من قبل هذه الفئة هزيلة جدا ، وأضحى حضورُها يشكل عبئا ثقيلا و” مرضا معديا ” لبقية المتعلمين من خلال التشويش عليهم بشتى الطرق . فالكثير من هذه الفئة ، إن لم نقل جلهم ، لا رغبة لديهم في متابعة الدراسة بعد الفصل أو التثليث ، ولكنهم لا يستطيعون مواجهة رغبات آبائهم أو أوليائهم لذا يصبح فضاء المؤسسة في نظرهم مكانا لتصريف مكبوتاتهم بالشغب و إثارة المشاكل معتقدين أنهم بذلك يحققون بطولات عجزوا عن تحقيقها بالدرس والتحصيل .
كما أن الخريطة المدرسية ، التي تحدد عتبة النجاح بالعدد لا بالأهلية ، جعلت الكثير من التلاميذ يعتقد اعتقادا لا ريب فيه أن النجاح الى القسم الموالي لم يعد بحاجة الى بذل مجهود أو المواظبة على الحضور ، وهذا ما يؤدى الى الإهمال وتكوين ” عصابات تلاميذية ” للتشويش و العنف داخل الفصول الدراسية . وعندما يصلون الى مستويات متقدمة تحتاج الى الجد والاجتهاد للنجاح ، يجدون أنفسهم عاجزين عن مسايرة أقرانهم مما يدخلهم في دوامة الشك والخوف من المصير المحتوم ( التكرار ) فيضاعفون من عنفهم وشغبهم لتحميل الآخر سبب فشلهم .
كثيرا ما تتشكل لدى التلاميذ نظرة سوداوية عن المؤسسات التعليمية بشكل خاص والمؤسسات العمومية بشكل عام ، وهذا ما نستخلصه من خلال التعامل العنيف مع هذه المؤسسات بالتخريب والـلا مبالاة ، ولعل هذا يرجع بالأساس الى عاملين اثنين : الأول ثقافي تربوي مرتبط بانعدام الوعي بالملك العمومي لدى الكثير من المواطنين حيث يُنظر الى هذه المؤسسات على أنها ملك للآخر وخرابها لا تأثير له عليهم . والثاني سيكولوجي نفسي يعكس علاقة التلاميذ بهذه الفضاءات – التعليمية خاصة – من حيث التعلق والحب أو النفور والمقت ، وذلك بحسب الظروف المحيطة بأجواء التعلم والاستفادة ، فالكثير من التلاميذ يعتبرون المدرسة / القسم سجنا يخنق أنفاسهم على مدار موسم كامل ، وتشتد وطأة هذا الطوق عندما يكون المدرس / المعلم صارما ، يحاسب تلامذته على كل صغيرة وكبيرة . هــذه “المعاناة ” تترسب في نفسية التلميذ لتشكل ضغوطا تتطور لتصبح حقدا على ذلك المدرس ، لكنها لا تظهر كردود أفعال عنيفة دفاعية إلا بعد بلوغ التلميذ سن المراهقة ، حيث يشتد عوده ويقوى على المواجهة . حينها يصبح المدرس ، أي مدرس ، في نظره هدفا مشروعا للعنف . لذا يمكن اعتبار الرغبة في الانتقام والثأر للنفس من الأسباب الدافعة الى العنف المدرسي .

(يتبع…)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.