تبا لكم أيها الابناء
أشد لحظات الإنسان أمل و معاناة هى فترة إنحدار منحى الحياة ،عندما يبدأ يعود ضعيفا كما وُلد، حيت يفقد بها الفرد جزء من خلاياه العقلية و تزوره الأمراض العصرية المزمنه مع مصاحبة الكرب و الحزن لذاته الداخلية، فيغدوا على خبر فقد لصديق ندّ له أو مصاب ألمّ بقريب أو جار مماثل لعمره أضف إلى ذلك فقدان الرغبة و الأمل فى التعايش و الحياة فيصدّر و يبث الحسرة و السأم لمن حوله من بشر و ناس .
هذا حال مجموعة من المسنين الدين التقيتم أثناء زيارة خاصة، يبدو من ملامحهم فيهم نفسيا و صحيا أعراض التدهور النفسى و العلل العضوية من هم بكامل صحتهم الجسدية بسبب الثقافة الضحلة المجتمعية حيث يصدر المجتمع حكم بالموت البطىء أو الحبس الانفرادى ، لمن وصل الى سن الشيخوخة فيضحى به في ميدان العجزى حيت صراع مكمون بين إحساسه بالجدارة و قدرته على التواصل و العطاء من جهة و بين إهمال و تجاهل الابناء والعائلة برمتها أو المجال المحيط لذاته و لكيانه فهو شىء أصبح تساوى وجوده او غيابه .
في زيارتي لدار المسنين تمنيت انى لم اذهب ، لانى لم اصدق مارايت احسست بان الدنيا سوداء وليس لها معنى اسئلة كثير طرحتها على نفسى لماذا هذا العقوق؟ لماذا اصبحت البنت او الاخ او الابن يتمنى زوال او وفاة الشخص الذى تمنى له الحياة فى يوم من الايام ام او اب سهرو وربو وهبو لك الحياة ، كنت لهم الدنيا وكنت لهم بمعنى الحياة، لماذا ترد الاحسان بالاساءة ؟ لماذا تخليت عن امك او اختك او والدك؟ لماذا ايتها الابنة التى والدتك تمنت ان تراك عروس وتتمنى لك حياة سعيدة ؟ لماذاهذا الجحود؟ لماذا هذا النكران؟ الا تعلمى انك سوف تصبحين ام ؟ او تصبح اب ؟ هل من المعقول وصلنا لهذا المستوى من قسوة القلب ؟ كيف تجرأت ان ترمى بوالدتك فى الطريق؟ وكانك لاتعرفها وتتصل بالشرطة لتاخذها الى دار المسنين؟ كيف لبنت أن تتجرا وتضرب وتهين امها وترميها فى دار للعجزة؟ عند الاتصال لزيارة امك او اباك ترد انا اسف الرقم خاطئ انا ابى او امى توفيا؟ لماذا هذه العقوق؟ لماذا؟؟ هل وصلنا الى هذا المستوى من انهيار القيم؟ ما هذا الانحطاط؟ كيف نفهم الانسانية فيك أيها الانسان؟
من القصص المبكية والمؤثرة قصة شيخ فتحت ضغوط الماديات و غلبة الأنانية و التمحور حول الأهداف الشخصية لأولاده وضجرهم من عبء إيوائهم بعد أن فقد كل شيء ، فتبنو الحل السهل الذي هو دار المسنين ، القصص تتشابه و الألم يعتصر من حضر والكل يتمني دوام الصحة و طول العمر و خصوصا مع استدارة الأيام و تبدل الحال كما هى سنة الكون غدا الأبناء جلادين و حاكمين طغاة يظهروا إشمأزازهم من فعل الزمان و يأملوا بحجز جذورهم بأقفاص إلى أن يعودوا لخالقهم .
الكثير من القصص المبكية التي تشهد على انهيار القيم الاجتماعية والتفكك الأسري، ما نشهده من انهيار في القيم الأخلاقية الآن سببه الجهل وقلة التعاطف والتراحم وهو مؤشر خطير يدعونا إلى اعادة النظروالوقوف وقفة تأمل نشر الوعي الأخلاقي والقيم الصحيحة عبر وسائل الإعلام ببر الوالدين والصدق والعطف على الضعيف وهي قيم تنبع من عاداتنا وتقاليدنا، هذه القيم التي أصبحنا نفتقدها شيئاً فشيئاً….
أعتقد أن المسن هو ثروة وطنية وانسانية حاملة لمجموعة من القيم التي ينظر من خلالها إلى العالم، ويتحدث إليه بلسانها، يتفاعل مع المجتمع بموجبها فيؤثر فيه ويتأثر به، ان حالة الاهتمام بالمسنين هي المعيار الذي يرفع قيمة الإنسان بما يحمله من خصال الخير والنفع لمَن حوله، أو تهبط به بما يحمله من صفات الشر والنفعية والأنانية والانتهازية والجشع….
وعندما يُفكِّر الإنسان ويقرر التخلي عن والديه من اجل المال أو المرأة أو…، فإنه يعود بصورة تلقائية أوتوماتيكية إلى مخزون القيم الذي اكتسبه عبر حياته ليلهمه هذا التصرف ، ان غياب قيم التضامن والتعايش بين الاجيال هي التي تحمي المرء من الخطأ والخلل والانحراف ، أو غيابها هي تقذف به إلى غياهب النكران والخطأ، فهي المؤشر الدائم الذي يحدد مسار الإنسان، فرقفا بالمسنين ورفقا بثروة الوطن.