بكل لغات العالم، أنعي لكم يا رفاقي كذبة أبريل، عبد الوهاب قد انتحر

ما أصعب الانتكاسة والشعور بالإحباط عندما يكتشف الناس أنهم انخدعوا بأوهام، وأن القديم أقوى من الجديد، وأن الوقائع تعمل ضدهم ولا تعمل لصالحهم، وأن الزمان الجديد والعهد الجديد الذي أخذوا عليه ميثاقا خليطا والذي كانوا ينتظرونه لم يأت بعد ولن يأتي أبدا، في هذه الحالة يصبح شعورهم بالإحباط أقسى وأقوى مما كان عليه سابقا، لأنهم ضحوا بعدة أشياء لرؤية أبطالهم يتنفسون الهواء، وأصبحوا يكتشفون الآن أنهم خسروا كل شيء، وهاهم يكتشفون أنهم في الوراء و إلى الوراء عائدون، وأنهم معرضون لهجمات وأن الكلاب المسعورة التي تنهش اللحوم البشرية النيئة لا زالت تنهش أحبتهم ورفاقهم، وأن البوليس ينتقم منهم ….
وهاهو المقهور والمستغل، بعد أن أخمدت انتفاضته، وبعد أن البسوه الكفن قصرا، يتحول إلى متهم بالانتحار بعد أن عُلق جسده النحيف أكثر من مرة ليمارس عليه السجان هوايته في القتل والتعذيب..
لنا أن نقول بعد المجهود والتضحية، يأتي الآن وقت التعب والكلل، وبعد الإفراط في الأمل يأتي وقت الإفراط في التشاؤم، من لا يسقط في الاستسلام يسقط فيما هو أخطر منه (الإعدام شنقا)، ومن لا يمارس الآن أي نشاط في صالح مثله العليا يصبح يمارس نشاطه لمحاربة تلك المثل، ليس هناك رجعي أشرس من السجان القاتل، وليس هناك عدو أقسى على الأفيال المتوحشة من الأفيال المدجنة….
أيها السادة في بلدتنا لا تنهار فقط أمال الناس، بل يقع مسخها وتشويهها، لقد أمل الناس في بلدتي مع شهيدهم أن يتوفر الخبز يوما ما ليطعموا، أما الآن بعد أن خطفته الأيادي القدرة من ينهم، فلم يتبقى لهم إلا حق الأمل في الحفاظ على حياتهم، وأن تتوفر لهم أحجار يأكلونها…
أقول هذا الكلام وأنا أحاول جاهدا أن أركب الصورة التي تجمعت عناصرها في ذاكرتي، تحكي عن علاقة بطولية تم نسجها بين الشهيد ورفاقه عبر سنوات ولحظات ومواقف، وأنا أحاول رغم كل ذلك أن أعبر عن موقف أكاد أقول نهائي عن علاقة لا نهائية….
هناك إذن شعور عارم يرغمنا على الصراخ في وجه من اغتال عبد الوهاب نور الدين، هؤلاء القتلة اللذين يحلمون بوطن لا يتسع إلا لهم، وجيوب لا تؤول إلا لهم، وثروات يغرقون فيها لوحدهم، يا لله كم هو غريب وعجيب ومشوق دائما، أن نجد الأجوبة الجاهزة عندما ينهي السجان صلاحية بعض البشر في الحياة، ويقبر أحلامهم بكل وقاحة وبدون اعتبار…
بكل لغات العالم، أنعي لكم يا رفاقي كذبة أبريل، عبد الوهاب قد انتحر، فلا تبحثوا عن الخبر، وإياكم أن تصرخوا في وجه البشر فرفيقنا قد مات ورحل، هكذا أريد لنا أن نصدق الخبر بكل بساطة وسذاجة بصر، هم في الواقع يحتاجون إلى ساذج يصدقهم ويصبح مثلهم، أو إلى فاسق يصدقهم ويصدق نفسه ويستغل الساذجين أمثاله…

أيها السادة آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق، وللقتلة أن ييأسوا حتى الموت، وهذا لن يتأتى طبعا إلا بالتنسيق مع مختلف القوى التقدمية، ومحاربة النظرة الضيقة للأمور، وتقبل أن الشهيد قد قتل، فما عدا ذلك فإن ما تبقى من تضارب مجاني في المواقف إزاء قضية الشهيد ليست في حقيقة الأمر إلا مضيعة للوقت والجهد، وعليه يبقى مصير الحقيقة هي الضحية من كل ذلك…
صدقا عبد الوهاب لن ننساك رغم إيماننا بأننا قد ” نتحايل على النهر فنحصره ماءه، وإن في بركة، ونستحم فيه مرتين، ولكن لن نستطيع الاستضاءة بنور الشمعة مرتين”….