مشكلة القيم في المجتمع المغربي بين انحلالها و التشبث بها

1 1٬325

هكذا أصبح المجتمع المغربي يعيش نوعا من التشتت و التشرذم و الاغتراب القيمي وعدم الاستقرار الخلقي ، بعد أن كان معروفا بالكرم و الجود و الأمانة و الأخلاق الإسلامية الرفيعة . وقف اليوم حائرا أمام أمرين مثيرين للجدل بين السير في اتجاه التيار الجارف من القيم الحداثية و ( العصرنة المعلوماتية ) ، و التشبث بالقيم الأصيلة و الهوية العريقة . فأين ذاتية المجتمع المغربي و خصوصيته العربية الإسلامية ؟
لقد أصبح المجتمع المغربي من الناحية القيمية و الخلقية حائرا تائها يبحث عن موقع له بين الأصالة و المعاصرة ، وفي رغبته التقدم و التطور في نظره إلى الأمام ، ومحاكاة المجتمعات المتحضرة ، ولو على حساب أصالته و هويته العربية و الإسلامية . لكن هذه الأخيرة تقف له عائقا كبيرا في تحقيق هذه الرغبة و هذا التطور بهذا الشكل الملاحظ ، لذلك فالإشكال ليس في التطور و الرقي و التحضر بل الإشكال في الكيفية و الطريقة التي يتبعها لبلوغ هذا المقصد ؛ فكانت وسيلته البارزة هي التقليد وليس التقليد المبصر بل التقليد ذو (العين العمياء و العين المضببة ) . فوصل إلى مفترق الطرق لا هو من هذا و لا هو من ذاك ، (كالغراب الذي أراد تقليد البطة في مشيتها ، فلم يفلح و عندما أرد الرجوع إلى مشيته تعذر عليه ذلك أيضا ، فلا هو أفلح في التقليد ولا هو بقي على أصله ) هذا هو حال المجتمع المغربي في المعظم المظاهر، و خاصة الأخلاقية منها . و ما سأركز عليه هنا هو الجانب القيمي الأخلاقي و ذلك الموقع الذي تبوأه المجتمع بين المضي قدما والعودة إلى الوراء. وهل وجد نفسه وذاته بينهما ؟
صحيح أن المجتمع المغربي تتنوع فيه الأجناس و الأشكال و الثقافات و كذا الميولات و الأهواء . إلا أننا نقر وبشكل جازم أن عقيدته الإسلام ، هذا لا يعني أن الكل متخلق بالشكل الذي تحث عليه الشريعة ، ولا يعني أن الكل لا أخلاق لهم . بل الوضع الذي عليه المجتمع اليوم لا يبشر بالخير ؛ أخلاقه طغت عليها الماديات و الملاهي و الشهوات والأنانية و المصلحة الذاتية ناهيك عن المحرمات بشتى أنواعها ، و عند السؤال يجيبونك بأن هذه هي الوسطية و الاعتدال ومسايرة العصر و غيرها من التعليلات الغير مبررة .
ونحن نتحدث بحرقة تجاه هذه الأوضاع اللا إنسانية التي أضحى عليها الإنسان اليوم، وبدورنا لا نريد لهذا الإنسان أن يمشي على رأسه و يفكر برجليه . فإذا أردت أن ترى مظاهر هذا الانقلاب ما عليك إلا أن تنزل إلى الشارع لترى العجب العجاب و إذا كنت من المحضوضين سيأتيك ذلك إلى مكانك و تسمعه في كل مكان ـ بين شاب سُلبت هويته وقلد من لا أخلاق له ، و نساء انشغلن بالموضة و الزينة ومتابعة المسلسلات الفارغة .. ورجال اتخذوا المقاهي مقرا لهم يتغذوا على القمر و الكلام الفارغ ـ هذا ما تصطدم به على ظاهر ما يعيشه المجتمع ، فما بالك إذا حاولت البحث و التنقيب و التعمق في مظاهر الإجرام والقتل و الانتحار و زنا المحارم … و مشاهد لا أخلاقية لا تعد و لا تحصى . و في المقابل ابحث عن القيم الأصيلة و الأخلاق الرفيعة؟ فلن تجد ما يشفي غليلك ، لكن هذا لا يعني أنها منعدما تماما بل لازالت و الحمد لله وفي مناطق معينة ( كالبوادي و القرى ) تحافظ على هذه القيم الأخلاقية الرفيعة مثل العفة و الحشمة و الحياء و حفظ الأمانة و الكرم و الضمير الأخلاقي و غيرها … فلماذا تغيرت هذه القيم الأخلاقية و خصوصا في مناطق أخرى كالمدن الكبيرة حتى صارت تفقد قدسيتها ؟ هل لانعدام الضمير الأخلاقي أم الوازع الديني أم طغيان الجانب المادي على الجانب الروحي ؟؟؟
يبدوا الإنسان على أشكاله يقع ، وكبوة الإنسان العربي كانت كبيرة يتجرع مرارتها اليوم . فبعد أن كان هو الرائد في جميع المجالات و خاصة العلمية منها، فتلك مكنته بسط اخلاقه على العالم وذاع صيته في العلى حتى تهافت عله أصحاب العقول النيرة ، فما إن احتفل بصعوده حتى حدث عطب في التاريخ فسقطت أعمته و تدهورت أوضاعه ، فبدأ يفقد مكانته لصالح وافد جديد عرف أسباب التقدم و قوانين الرقي و مبادئ النمو ، فمسك بزمام الأمور وطور امكانياته العلمية و الاقتصادية و الصناعية و السياسية … وصار الكل ينوه بانجازه ويشيد بعظمته ، فتساقطت العديد من المجتمعات أمام هذا المد الجارف وصارت تلهت وراءه و تقتات من بقاياه .
ولم يفلت المجتمع المغربي هو الآخر من ذلك السيل الجارف الذي جرف العالم ، وما قد يحتسب للمجتمع المغربي هو أنه رفض في بادئ الأمر تغيير جلبابه ، لكن بعد أن أرغم عليه خلعُها ، استبدلها بقميص جديد لكنه غير ساتر ، فما استطاع الرجوع إلى جلبابه رغم حنينه لها ، ولم يقدر على ترك القميص الجديد الذي آلفه … هذا هو واقعنا الحالي. فلماذا هذا النفاق الإجماعي (القيمي) ؟ نريد الحداثة و المعاصرة و في نفس الوقت نظل في الأصالة و العروبة ، نريد التوفيق بين ما فرض علينا من طرف الآخر ، و لم نستطع التخلي عن موروثنا . و الغريب أننا نريد حضارة غربية بشكل عربي ، وهذا في نظري غير ممكن البتة ؛ لأن كل مجتمع له خصوصياته الثقافية و الدينية الإختماعية … و بالتالي فلكل حضارته وفق شروطه الداخلية و إمكاناته الخاصة . إذن فهل توفق المجتمع المغربي في التوفيق بين قيم الحرية و المساواة الوضعية و اللامشروطة ، والحرية و المسؤولية الدينية المشروعة ؟
أظنه استطاع وبشكل كبير في مهمة التوفيق بين قيم الغرب الموضوعة و قيم العرب المشرَّعة من ناحية المظهر و الأشكال الخارجية فقط: كاللباس و الكلام و الثقافة السطحية… أما من الماحية الداخلية فلم يستطع قطعا ولا أضمن لك ذلك ؛ لأنه يقف على حافتين حادتين وحالة المجتمع النفسية مضطربة ، ويعيش صراع داخليا بين الضمير الطبيعي لهوية و أصله مع (أناه) الحاضرة التي تأمره بالتحضر و التقليد ، إذن فهو ليس في حالة راحة . فاسأل على سبيل المثال الفتيات اللائي يرتدين لباس الحشمة على رؤوسهن (الفولار) وتلك السراويل اللاصقة على جسدهن ، يجبناك بأنهن غير مرتاحات لهذا اللباس إما لأنه مفروض عليهن إما من آبائهن أو من أرباب العمل و المؤسسات ، لذلك تقف الفتاة مضطربة داخليا لا تعرف ما اللباس الأليق هل العلوي أم السفلي أم لا هذا ولا ذاك …. وقس على ذلك .
هذا لا يقف عند حد اللباس وفقط بل حتى الكلام و المأكل والتفكير والرمجة الزمينة… كله تقليد بلا تمحيص من البنات و الشباب و الرجال و النساء بل حتى الأطفال يتربون الآن على هذا المنوال. فأين عفة أمهاتنا وحياء أمهاتنا ؟ وأين شجاعة و مسؤولية آبائنا وأجدادنا؟ حتى يتربى أبناؤنا ؟؟؟
فإلى متى سنظل على هذا الحال ؟

تعليق 1
  1. إسماعيل يقول

    شكرا مقالة رائعة متكاملة دقيقة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.