هكذا تكلمت درعة
أسْعَدَنا في فريق البحث لتوثيق التراث الشفهي برابطة أدباء الجنوب التجاوب الاهتمام و الاحتفاء الذي استُقْبِلَ به كتاب ″هكذا تكلمت درعة″، وبقدر ما كنا نعلم جسامة المسؤولية التي كانت ملقاة على عاتقنا باقتحامنا لمجال متحرّك مثل سفينة، فإن النيّة الصادقة و محبة أرض درعة و تراثها كانا سندا و عونا على الاهتمام للوصول إلى المبتغى.
كان لابد أن يرافق الاحتفاء الكبير بهذا الكتاب ملاحظات واستفسارات اتخذ بعضها منحى علميا وجنح بعضها إلى تدقيق و تمحيص أكثر ذاتية، لكننا نأخذه أخذا إيجابيا ونعلم أنه بدافع المحبة أيضا.
كانت المقالة التي كُتبت حول الكتاب، على موقع زاكورة بريس، نابعة من تقدير لفريق البحث، ونحن نبادل صاحبها، الأستاذ محمد الجلالي، هذه المحبة ونشكر له قراءة الكتاب. أما في ما يتعلق بالملاحظات التي بسطتها المقالات فإننا سنحاورها، ليس ردا و لا مماحكة ولا سجالا بل في سياق التكامل الذي يحدث في كل حوار ثقافي، وسنردّ على الأفكار دون حاجة لمساجلة صاحبها، ،إذ نعلم اهتمامه وغيرته الأكيدة المشكورة على تراث البلاد.
أولا: فيما يتعلّق بالملاحظة الأولى المتعلقة بعدم الاتصال ببعض الشيوخ، ممن أغفلنا أسماءهم في الكتاب، فنقول إننا فعلا اتصلنا ببعض من ذُكروا ، لكن الأبواب كانت موصدة دوننا، وقد أشرنا إلى ذكر ذلك في مقدمة الكتاب، لقد رفض بعض الشيوخ فعلا أن يمدّونا بأي شيء. لكننا اعتبرنا هذا الكتاب لبنة أولى في صرح توثيق تراث درعة، ونحن مستعدون، بعد صدور الكتاب، لإدراج كل القصائد التي يضعها الإخوة والشيوخ بين أيدينا ضمن الكتب القادمة، مستدركين ما سقط شهوا أو غلطا أو بسبب عدم رغبة بعض الشيوخ بمدنا بالمادة.
ثانيا: صحيح، نظرّيا، بأن القصائد الواردة في الكتاب والأنواع والأجناس والألوان الفنية تحتاج إلى تقديم، لكن أعمالا أخرى سبقت هذا الكتاب قدّمت لهذه الأنواع، كما هو الحال في كتاب ″الفنون الغنائية بواحات درعة″ للأستاذ ″لمحمد البوزيدي″، ومقالات كثيرة حول الشعر الدرعي كتبها الدكتور عبد الكريم الفزني، ومقالات كثيرة في منابر وكتب أصدرتها منشورات الثقافة الجنوبية. ثم إنّ المشروع كان هدفه توثيق المتون و حمايتها من الضياع تاركا مهمة البحث و التحليل لباحثين آخرين سيَحذون حذونا.
ثالثا:في ما يتعلق بكوننا قد نسبنا بعض القصائد إلى راو أو جامع دون شيخه ،فإن هذا الأمر إذا صحَّ، وقد يصحُّ في نصوص قليلة، فإن من يتحمل وزره ليس الباحثون، لأنهم انطلقوا من أرض خالية و اتجهوا بخطوات وئيدة نحو غايتهم، لن نحاكم راويا نَسَبَ نصا شائعا لشاعر دون آخر، ما دام المجال في التراث الشفهي معرّضا للاختلاف وتعدّد المصادر، لأن الأمر يتعلق بنصوص قديمة عركها الزمن فأصبحت مشاعا وملكا عاما، لكننا أوردنا أصحاب النصوص المحسومة المصدر، أما النصوص التي نُسِبت إلى أكثر من شيخ فتركناها غفلا عن أي تسميّة أو رجّحنا شيخا على غيره. والاختلاف في الرواية أو في إسناد النص لغير صاحبه أو بثر جزء منه يرجع إلى الرواة، وهذا طبيعي لأنّ النص يتحوّل في الزمن والمكان فتطرأ عليه بعض الشوائب، ثم إن تراكم التجربة، وتقدّم التوثيق وإخضاع هذه النصوص للمزيد من التحقيق كفيل بضبط النصوص وتوثيقها بصورة أفضل.
رابعا:لن ننصرف إلى نقاش بعض المضامين ، أو نُحاكم النصوص بمنطق أخلاقي وقيمي، فدرعة مجتمع إنساني مثل باقي المجتمعات يصدق عليه ما يصدق على غيره، ولهذا سنجد في مُتوننا الشعرية المديح و الهجاء المر والذم والقدح والغزل وكل التشبيهات التي قد لا يقبل بها متلقّ، لكن سيقبل بها متلقّ آخر يبحث عن الصورة كاملة. إن هذه النصوص مهما بلغت حدّتُها هي جزء من متن لا يمكن إنكاره، وإدراج نص في الهجاء لا يعني بالضرورة موافقة فريق البحث على مضمونه أو تعميق خلافات أشخاص أو قبائل ذهبوا مع الزمن، وإنما قمنا بذلك لتقديم أمثلة على أغراض الشعر المتنوعة، التي لا يخلو منها شعر أي أمة من الأمم في القديم أو الحديث. كما أنّنا لن نحاكم المواضيع وننتصر لمذهب فني أو أدبي ضدّ آخر، مادام الإبداع حرّا دائما، ومادامت الحرية هي مبدأه ومنتهاه.
وفي النهاية، نشكر الأستاذ محمد الجلالي، ونشكر كل من أعطى ملاحظاته حول كتابنا، والذي هو في الحقيقة كتاب كلّ الدرعيين، حيث يحقّ لهم انتقاده وإعمال مشرط النقد بين سطوره.