على هامش الانتخابات الجزئية: همسة في آذان سيادة بنكيران
لأنكم يا سيادة بنكيران شخصية ذات وزن ثقيل، ورجل دولة من معدن أصيل، لا يشق لغزواتكم غبار، ولا تخلو من ذكر فتوحاتكم قصاصة أخبار، ولأنكم في إطار مهامكم السامية واحتلالكم لمركز بالغ الأهمية، يأتي في المرتبة الثانية بعد أعلى سلطة في البلاد جلالة الملك محمد السادس، وحفاظا على أمنكم وسلامتكم حتى إكمال ولايتكم، لم تعودوا ذاك الرجل العادي، الذي يتحمل عناء ركوب الحافلات، ويمشي بينا في الأسواق، يتلذذ باحتساء كؤوس الشاي “المنعنع”، ويتناول “البيصارة” بشهية في المطاعم الشعبية، سيما بعد انتشار العنف والإجرام في عهدكم وبزوغ آفة ما بات يعرف ب”التشرميل”، الذي زلزل صداه قلوب المواطنين، وامتدت أياديه الآثمة إلى قلب الجامعات لسفك الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء، ولأنه يتعذر الحديث المباشر معكم منذ اعتلائكم سدة رئاسة الحكومة، التي لا تبغون عنها محيدا مهما كلفكم الأمر من تضحيات، وبالنظر إلى عدم قدرتكم على التخلص من عقدة الأجنبي ورغبتكم الجامحة في الظهور بما يليق بوضعكم الاعتباري، صرتم تفضلون الحديث بلغة نبلاء “السوربون” على لغة مشايخ “القرويين”، حين أبيتم إلا أن تخاطبوا باللغة إياها، ضيوف المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته العشرين، المنعقد بالدار البيضاء ما بين: 13 و23 فبراير 2014، وأن تبرموا من خلال وزيركم في التربية الوطنية والتكوين المهني، اتفاقية شراكة مع الدولة الفرنسية حول إحداث “بكالوريا دولية” بلغتها، ولأن اللياقة الأدبية تقتضي منا مجاراتكم بذات اللغة رغم اعتزازنا الشديد باللغتين الرسميتين المنصوص عليهما في دستور البلاد: الأمازيغية والعربية، فإننا من هذا المنبر بعيدا عن التشفي وفي إطار المواساة، نهتبل فرصة اندحار حزبكم في موقعتي: مولاي يعقوب وسيدي إفني، لنهمس في آذانكم بأدب جم:
” Ne vous en faites pas Monsieur le chef du gouvernement”
فلا تغتموا بما جرى، ولا تدعوا للصدمة منفذا للعبور إلى أعماقكم، ففقدان مقعدين لن يرجحا كفة معارضيكم، ولن يزعزعا “تماسك” ائتلافكم الحكومي، مادمتم مقتنعين بسلامة مواقفكم ومؤمنين بصحة اختياراتكم، لأنكم ستظلون رغم كيد الكائدين وحنق الحاقدين، رئيسا للحكومة خلال الفترة المتبقية من ولايتها، ولن يستطيع عدوكم اللدود: حميد شباط، ولا غريمكم المسنود: مصطفى الباكوري، سحب البساط من تحت أقدامكم في الوقت الراهن، فلتنعموا بما حبتكم الطبيعة من ثمار الربيع العربي، ولتناموا ملء جفونكم. إنما لنا رجاء عندكم ألا تقللوا من شأن الذي حدث يوم: الخميس 24 أبريل 2014، ففي الحقل السياسي الأمر مختلف عن الشأن الديني، والخطب جلل يستوجب الكثير من التمعن والقليل من التشنج لاستخلاص العبر، وإن كنتم لا تبذلون أدنى جهد في هذا المنحى، أمام قيود عنادكم التي لم يقو على تكسيرها ما نلتموه من ضربات قاسية، ولم تخفف من اشتداد خناقها زوابعكم الكلامية، ولا توازي حدة آلامها سوى تلك اللكمات الاعتباطية التي سددتموها للطبقات الشعبية المسحوقة، بإنهاك قدراتها الشرائية عبر الرفع من الضرائب، والزيادات المتتالية في أسعار المحروقات، وما ترتب عن ذلك من غلاء فاحش لم تعشه حتى في أحلك ظروف القهر والتجويع…
واقعة الاستحقاقات الجزئية الأخيرة عنوان بارز لسقطتكم المدوية، وإدانة جريئة لسياساتكم العمومية، ولما اتخذتموه من قرارات جائرة وعشوائية، حين آثرتم التطبيع مع الفساد وأدرتم ظهر المجن للعباد، وهي مؤشر على تآكل مصداقيتكم، انخفاض شعبيتكم وتدني ثقة الناخبين في حزبكم، ولعل قراءة سريعة لما أفرزته هذه العملية من ضعف المشاركة في الدائرتين معا، وللنتائج المعلن عنها، تكشف عن مستوى القلق والاحتقان، وتظهر لكل ذي عينين سليمتين حجم الخسارة التي مني بها مصباحكم. وهكذا نجد مرشح “الجرار” عن حزب الأصالة والمعاصرة، قد تمكن من انتزاع المقعد الشاغر في الدائرة المحلية بسيدي إفني، إثر حصاد كاسح بنسبة 48,23 % من مجموع الأصوات المعبر عنها، أي ما يقارب 8 آلاف صوت، فيما لم يحصل مرشحكم إلا على نسبة 23,66 % بما يناهز 4 آلاف صوت، وفي مولاي يعقوب بالدائرة المشتهرة ب”دائرة الموت”، استطاع مرشح الميزان عن حزب الاستقلال، أن يسحق مرشحكم للمرة الثانية، بحصوله على أكثر من 9 آلاف صوت، وهو ما يمثل نسبة 59,38 %، مقابل حوالي 6 آلاف صوت أي بنسبة 40 ,42… فبالله عليكم سيدي الرئيس، ألا تزعجكم هذه الحصيلة وما تعكسه من استياء ويأس المواطنين؟ وبغض النظر عن ردكم، فلنا اليقين التام في ظل إصراركم على شد الحبل والسير حافي القدمين فوق شظايا الزجاج، بأن عدد المصوتين على مرشحي حزبكم، سيتناقص تدريجيا قبل حلول الانتخابات القادمة، فهناك من سيصوت لغيركم، وهناك من سيمتنع عن التصويت، وهناك كذلك من سينحاز إلى صفوف ذوي البطاقات الفارغة…
إن هزيمتكم النكراء في دائرتين متباعدتين خلال يوم واحد، وبعد أن قطعت حكومتكم نصف ولايتها، تنطق بحقيقة صارخة وماثلة للعيان، تتجلى خطوطها العريضة منذ البداية في تجاهلكم لصوت العقل والضمير، ولمعطيات الأزمة الاقتصادية العالمية، حتى أغرقتم البلاد في مستنقع المديونية، ورهنتم مستقبل الأجيال لصندوق النقد الدولي، وفي عدم قدرتكم على التدبير الجيد للشأن العام والوفاء بتعهداتكم أمام الناخبين، الذين وثقوا بشعاراتكم البراقة مثل: “صوتك فرصتك ضد الفساد والاستبداد”، وحملوكم على أعناقهم لتحظوا بشرف المنصب، ولتغرفوا من ملذات النعمة التي انغمستم بلهفة في بركتها، دون العمل على تنقية مياهها وحسن استغلالها قبل جفافها… والهزيمة في حد ذاتها، تعبير صادق عما لحق المواطن من انكسار وخيبة أمل، ومن ألم وإحباط في عهدكم، وهي كذلك كشف حساب عن محصولكم الهزيل وتفريطكم في ما ائتمنكم الناس عليه من إصلاحات وتغيير للمناكر، فلماذا رفضتم مقترحات ذات أهمية بالغة من قبيل: توزيع عادل للثروات، إقرار ضريبة على الثروة، خفض الأجور العليا وإلغاء معاشات الوزراء والبرلمانيين، مراجعة نظام الامتيازات… بينما الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية تتفاقم، والأجور تزداد تجمدا حيال الارتفاع المهول للأسعار، أعداد العاطلين من خريجي مراكز التكوين وحاملي الشهادات العليا تتزايد باطراد، الإجهاز على الحقوق وقمع الحريات، اتساع دائرة العوز، ارتفاع معدل الأمية وتعاطي الدعارة…؟ فلا دعم للمقاولة وتشجيع الاستثمار، لا تحسين للخدمات في التعليم والصحة والتشغيل والسكن، لا تقوية للمنتوج التشريعي، لا إصلاح لصندوقي المقاصة والتقاعد، لا تنمية بشرية حقيقية، لا عدالة اجتماعية، لا عيش كريم، لا كرامة إنسانية ولا تطوير للسياحة…
إنكم لم تتركوا جهة دون إنزال “لعناتكم” عليها، لم يسلم من قسوة لسانكم قريب أو بعيد، بشرا كان أم شجرا أم حجرا، دفعتم بالعديد من منخرطي حزبكم إلى الاستقالة، خاصة بعد إزاحة أحد أعمدتكم السيد: سعد الدين العثماني من منصب وزير الشؤون الخارجية، وتسليمه على طبق من ذهب إلى من كان اسمه مدرجا لديكم بالخط الأحمر ضمن قائمة “التماسيح”، أسأتم الظن بمعارضيكم وبمن تخالونهم خصومكم لمجرد محاولاتهم تصويب مساركم، وصار كل من يخالفكم الرأي في عداد “العفاريت” الذين يريدون بكم شرا، ولتصريف إخفاقاتكم المتلاحقة لم تجدوا من حيلة لاستباق المحاسبة الشعبية، سوى التذرع بالمقاومة الشرسة لكائنات هلامية من صنع خيالكم الضيق والمعتل، وأصررتم على مواصلة التضليل في خرجات بئيسة ويائسة للهروب إلى الأمام. أليس من العيب أن تعمدوا إلى محاولة إسقاط بؤسكم على من كنتم بالأمس القريب تنتمون إلى سلكهم؟ وإلا فما سر دعوتكم رجال التربية والتعليم، إلى تفادي تقبيل الأطفال المتعلمين؟ أليس من المضحك والمبكي، أن يختزل رئيس حكومة أجمل بلد في العالم، حماية طفولة مهمشة ومهضومة الحقوق، وإصلاح منظومة تعليمية ظلت تقاوم لعقود نوائب السياسات الفاسدة، في الكف عن تقبيل الصغار؟ وإذا كنتم ترومون فعلا محاربة الاستغلال الجنسي، بعدما فشلتم في مكافحة الفساد والاستبداد، لماذا ابتلعتم لسانكم في قضية المجرم الإسباني “دانييل كالفان”، الذي لولا نباهة المواطنين وتجاوب جلالة الملك، لكان استفاد إلى الأبد من عفو خاطئ؟
نأمل صادقين أن يكون السيد بنكيران، استوعب جيدا ما حملته الرسالة من إشارات قوية، لعله بذلك يستفيق من أحلامه الوردية، يكفر عن “سيئاته” ويقطع مع الخطب التقليدية المتجاوزة، التي تفرغ العمل السياسي من فعاليته في إفراز نخب سياسية تحظى بثقة المواطن واحترامه، وقادرة على تحمل المسؤولية عن جدارة، فليسارع سيادته إلى فتح الملفات ذات الطابع الاستعجالي، والانكباب على فك طلاسم الإشكالات المطروحة، للنهوض بمصالح العباد والرفع من مكانة البلاد… ذلك أن أية معالجة في هذا المضمار، تتوقف على مدى توفر الإرادة السياسية والحكامة الرشيدة، لصياغة خطاب سياسي موضوعي، ووضع مقاربات توافقية ومتكاملة، في إطار منهجية تشاركية دون تهميش أو إقصاء لأحد…