عذرا فاتح ماي لأنك صرت فاضح ماي
كم كان أحمد السنوسي ماكرا حين استعمل عبارة “فاضح ماي” عند حديثه عن عيد العمال ، فعوض فاتح ماي رأى أن يعدل الكلمة حتى تتماشى مع طبيعة “الاحتفال” ، فحالة المركزيات النقابية اصبحت ضعيفة لمستوى مخيف،لأنها فقدت قاعدتها العمالية لشعور هذه الاخيرة بلا جدوى انتمائها النقابي لكثرة انتظاراتها وتزايدها وتراكم مشاكلها وتعقدها وتداعياتها الاجتماعية والنفسية والمعيشية و التي تظهر في تردي اوضاعها المادية والمعنوية.
لم تكلف القيادات النقابية نفسها اي عناء للبحث عن ردود نضالية ، كما لو كان الوضع لا يعنيها،وأحيانا تعطي انطباعا كما لو انها تجهل حقيقة هذه الاوضاع الكارثية التي تعيشها الطبقة العاملة،وأحيانا اخرى بعلم او بدونه تتحول هذه القيادات النقابية الى امتداد لأعداء الطبقة العاملة بممارستها لخطاب تبريري للأوضاع الراهنة يساعد على تلطيف ازمة الباطرونة.
تعيش القيادات النقابية بعدا عن العمال وانعزالا وانشغالا بتدبير مصالحها المادية والسياسية الضيقة و تواطئها وانغماسها في الكولسة وسريان الفساد في اوصالها وتكون شريحة قوية بداخلها متحكمة في القرار والقيادة مرتبطة بالمخزن،وبالتالي من الوهم انتظار قرار نضالي قوي من طرفها يصد عن الفئة العاملة المغربية هذا الهجوم .
فاتح ماي يكشف تحكم الفساد في هذه “القيادات” وتفشيه في اوساطها وضعفها التنظيمي وفقدان مصداقيتها امام الشغيلة وانعزالها عنهم وسيادة عقلية انهزامية مستسلمة افقدها القدرة على اتخاذ القرار النضالي القوي او موقف حازم ينحاز بصراحة الى العمال ومعاناتهم .وهذا ما يفسر القرارات المتخذة من طرفهم،والتي تكون احيانا غير مفهومة ومتناقضة، حيث تبدو قوية في الوهلة الاولى لكن سرعان ما تبهت وتتلاشى قوتها،وكثيرا ما تم اصدار تصريحات صارمة وحازمة من هذا “الزعيم” النقابي التاريخي او ذاك لكن يطول انتظار ترجمته العملية،ويليه قرار لا علاقة بالتصريحات ومثيرا للاستغراب.حتى بعض المشاكل القطاعية تظهر فيها هذه “القيادات” عجزا مثيرا للسخرية والحنق خصوصا أمام الزعامة التاريخية الابدية لبعض وكأن الامهات لم تلد الا الزعيم الابدي.
فاتح ماي يكشف أن المركزيات النقابية دخلت مرحلة ازمة خطيرة كنتيجة منطقية لتاريخ طويل من الاستعمال الحزبي والسياسي الانتهازي والاختراق المخزني وتحويل القيادات باستمرار لرصيدهم النضالي الى ثروة.حيث مند تأسيس اول نقابة مغربية كان الصراع يحتدم حول كيفية جرها الى خدمة اجندة حزبية فئوية صغيرة(الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)،لا تراعي مصالح العمال ولا تخدمهم بل تبحث فقط في تهيئ شروط اندماج مقبولة في السلطة.
وبما ان النظام السياسي المغربي نجح في تدجين جل الاحزاب المغربية بما فيها التي تتبنى/كانت تتبنى مشاريع سياسية طموحة ، وترويضها وجرها الى الدفاع عن مشروعه المخزني و الانخراط فيه،ولائم بين طموحاتها السياسية والبرامج التي يهدف الى تحقيقها.
فاتح ماي يكشف ان القيادات النقابية لم تأسس لأي تقاليد نضالية ديمقراطية،واستطاعت ان تلغي كليا اي تطور او ترسيخ للديمقراطية الداخلية،وكرست الاستبداد والفساد والزبونية والولاءات،وألغت جميع الاجهزة والمؤسسات التي تضمن التسيير الجماعي و حولتها الى اجهزة شكلية،وضخمت من مؤسسة الزعيم التي تحولت الى محور كل الارتباطات وصندوق اسود للمؤامرات والدسائس،والقرب او البعد منها يحدد قيمة المسؤول النقابي، اما قيم النضال والكفاحية فقد اصبحت مدعاة للحيطة ومنبوذة وأحيانا محتقرة من قبل المتحكمين في الريع النقابي.
النتيجة الطبيعية والمنطقية هي هذا المآل الحزين التعيس،وهذا الخراب العميق للنقابات المغربية وتخبطها،وهذه القرارات السريالية(الدعوة الى تنفيذ قرارات نضالية قوية دون الوصول الى نتائج ودون ان يكون لها ما يليها او التخلي عنها دون تقديم اي مبرر للرأي العام وخاصة الطبقة العاملة،توقيع اتفاقات تخدم مصالح الباطرونة،القيام بتحالفات او تنسيقات للتحكم في اندفاعات العمال النضالية وإجهاضها،اعطاء تصريحات لم يعد يصدقها احد وتكرارها كما لو ان العمال بدون ذاكرة،تحويل النقابات الى مقرات بدون مضمون ثقافي و تربوي عمالي …).
فاتح ماي كشف أن القيادات النقابية الحالية،التي اصبحت عبئا ثقيلا على النضال النقابي الذي لا يمكن ان يسترجع مكانته ودوره الطبيعي باستمرار تمسك هذه العناصر بالقيادة ، حيت الجمود التنظيمي والفكري بسبب سنوات طويلة من الهيمنة على القيادة دون تجديد ودون عقد المؤتمرات. مع سنوات من ممارسة الغاء او منع تطور كل المساحات التي يمكن ان ينمو فيها النقد والفكر الديمقراطي الحر المنفتح على محيطه ومكوناته.
فاتح ماي يكشف أن المفسدون الذين استولوا على كل مناحي الحياة النقابية،وحولوا المركزيات النقابية الى مقاولات لتحقيق الثروة والتسلق الاجتماعي وعمموا قيم الانتهازية والوصولية وتحالفوا مع المخزن والباطرونة ووضعوا انفسهم رهن اشارتهما وفي خدمة اغراضهما المعادية كليا لمصالح العمال ، لدا عذرا فاتح ماي لأنك صرت فاضح ماي.