وداعا أيها الشاعر العصامي
كان أول لقاء لي مع المغفور له الشاعر محمد جناني بمناسبة اليوم العالمي للشعر حيت ثم استدعائه الى الثانوية ، وبتواضع الكبار استجاب للدعوة … حيث مر اللقاء ممتعا وشيقا جداً وفيه رفع للهمم وتشجيع للمواهب الصاعدة، ودخل قلوب التلاميذ، عندما سمعت خبر الوفاة لم أصدق نفسي كأن في قلبي جز سيف و في كلامي هذا دمع العين و دم القلب، لكن عزائي يا شاعرنا محمد جناني اننا أتينا الى هذه الدنيا ليمثل كل واحد منا فصلا من كل معاني العطاء الإنساني ، جئنا الى هذه الدنيا غير مخيرين نذهب كما ذهبت غير مخيرين، عشت معك لحظات من الزمن شعرت فها دائماً ان شعرك ندى رائق على مسامعنا وانت ذو النفس الشاعرية المصممة الحكيمة العصامية اذا فرغت تفرغ الى قصيدة مائزة وإذا همت أمضت عزيمتها فلا يند منها شيء الا ضبطته وأحكمته، ذو قلب نافذ دهي ولكن الانسان ليبتلى ثم يبتلى ليعرف ان كل ما فيه ان هو الا وديعة ألقيت فيه.
اننا في الحقيقة لا نبكيك لأنك رحلت، بل نبكي أنفسنا لأنك تركتنا وحدنا. إن كل الآمنا ودموعنا وفرقنا وقلقنا لأننا لن نراك بعد اليوم في دنيانا، وقد كنت بعض سلوتنا أو جزءا من حياتنا أو بقية منالكلمة الشعرية الصادقة… إننا نبكي من أجلنا نحن، لا من أجلك، لأنه رحل، فلن تشعر ببكائنا، ولن نستعيد شيئا مما مضى، ولن يكون بمقدورنا أن نصنع شيئا لك.
لقد أثارت فاجعة رحيلك ومفاجأتها محمد جناني غصة في الحلق، وانحسارا لمدد الرفقة الجميلة رغم قصر أمدها ، وانطفاء لومضة نبل إنساني شاعري. وإذا اجتمع في المرء النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف عند الحق فقد ترك الدنيا وهي أحسن مما وجدها… وفي هذا عزاء لنا وأي عزاء.
وانا أكتب هذه العبارات السريعة وجدتني مع مصطفى صادق الرافعي أستعيد عبارته الخالدة: (اعمل عملك يا صاحبي، فإن لم تزد شيئا في الدنيا كنت أنت زائدا عليها، وإن لم تدعها أحسن مما وجدتها فما وجدتها وما وجدتك…)
لدا فانت يا محمد جناني ممن ترك الدنيا أحسن مما وجدها، فلم تكن حاجته وضعف حيلته في أول حياته وصروف الإنهاك التي مر بها أو مرت به، إلا دافعا جميلا لصنع الخير عندما أدركته الدنيا .. وإن فيه خصلتين أقدرهما أيما تقدير: كرامة النفس ورهافة الحس و نبل المقصد.
لقد رحل عن الدنيا وهو زائد فيها، ولم يكن زيادة عليها، وقد تركها أحسن مما وجدها…انه من النفوس الشاعرية الكبيرة.
للموت كرامات ورحمات أيها الباقون..
و”إنا لله وإنا إليه راجعون”
كان رحمه الله يحب أن يكون شاعرا،، كان يلقب نفسه بألقاب مثل: ملك الشعر العربي، شاعر المرحلة… ولو أنه في الحقيقة كان رحمه الله لا علاقة له بالشعر لا من بعيد ولا من قريب، لا يفقه في بحوره ولا يجيد في نظمه، ومن فكاهياته: “من لا يضع القمامة في مكانها الخاص فهو حثالة من حثالة الناس” رحمك الله أيها الشاب الطموح محمد جناني،، الفكاهي الذي لا علاقة له بالشعر.