فاتح الآلام والآمال

0 518

عاد فاتح ماي ليعيد معه الآلام والآمال، آلام الواقع البئيس لشغيلة تدفع يوما بعد بوم وسنة بعد أخرى ضريبة فساد سياسي – اقتصادي يمثل فيه العمال الحلقة الأضعف، بين نظام استحوذ على كل مقدرات الأمة المغربية وبين نقابات دارت في فلكه فهي تتدخل للدفاع عنهم بالمقدار الذي لا يهدد مصالح الطرف الأول أو لضبط تحركاتهم لكي لا تصرف خارج الإطار المتحكم فيه . كما تجددت آمال الكادحين، في منتدياتهم الخاصة طبعا وليس في مسيرات وفعاليات النقابات التي بدى أغلبها دون المستوى المطلوب، في فاتح ماي يأتي وهم أحسن وضعا من فاتح ماي ولى.
كالعادة أًصدرت المركزيات النقابية المغربية نداءاتها بالمناسبة من مسودات قديمة يتكرر إعادة تحريرها عن واقع العمال والمطالبة بحقوق ثابتة في تلك النداءات متراجعة في واقع الشغيلة. لم تحد الخلفية السياسية للنخب النقابية عن موقف النقابات المركزية – وهو مرض أصيل من أمراض العمل النقابي المغربي المزمنة- حيث ارتأت النقابات الأربع المصنفة نخبها ضمن خانة “المعارضة” للحكومة توجيه انتقادات لاذعة للسياسة الحكومة التي حملت مسؤولية التردي الفظيع في أوضاع الشغيلة، بينما استمرت “نقابة الحكومة” في مدح المنجزات والمكتسبات ودعت إلى مواصلة الإصلاح.
سنحاول الوقوف عند واقع العمل النقابي المغربي من خلال نداءات مركزياته بمناسبة فاتح ماي 2014م.
1. نقابات الشعار الموحد.
اختارت النقابات الثلاث: الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل – المحسوبة نخبها على “المعارضة” السياسية والإديولوجية للحكومة – الخروج بشعار موحد يعكس التقارب الذي شدتنه النقابات منذ مجيء حكومة عبد الإله بن كيران وتوج بمسيرة 6 أبريل 2014م المشتركة بين النقابات الثلاث.
” وحدويون معبؤون لتحقيق المطالب العادلة للطبقة العاملة ومواجهة كل التحديات” منه انطلقت النقابات “المعارضة”، في نداءات وإن اختلفت صياغتها حسب كل نقابة فإنها متفقة في الخط العام وهو توجيه سيل من الانتقادات للحكومة إضافة إلى مطالب ركزت أساسا على أبعاد اجتماعية ملحة كالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وتحسين الدخل، الزيادة في معاشات التقاعد…، دون اغفال المطالبة بتنفيذ بنود اتفاق 26 أبريل 2011م واحترام الحريات النقابية وغيرها المعتادة رفعها في هذه المناسبة.
2. نقابة “ضد الغلاء”.
تحت شعار: “ضد الغلاء شعارنا” استمرت نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب التي يرأسها الأمين العام لحزب الاستقلال في مسار التماهي مع موقف الحزب من الحكومة التي غادرها الاستقلاليون، حيث حفل نداءها بسلسلة من الرفض لعمل الحكومة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية اللاشعبية – على حد تعبير النداء- ولمسارها في تدبير عدد من الملفات كالتقاعد، التغطية الاجتماعية، الأجور، اتفاقية 26 أبريل 2011م …والملاحظ في نداء الاتحاد العام غياب مطالب موجهة للحكومة بل سيل من المطالبة ب”الكف” عن تغييب الحقوق والظلم والتجويع والتهميش والاحتقار والترهيب…
3. نقابة “الالتزام بالإصلاح”
عكس النداءات الأربع المهاجمة المقتضبة، جاء نداء نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، المدافعة عن الحكومة، طويلا تحت شعار “لنضالنا مواصلون وبالإصلاح ملتزمون” محاولة التموقع في نقطة وسط بين مهمة النقابة الأصلية وهي النضال وبين التماهي مع موقع نخبتها الحزبية في قيادة الائتلاف الحكومة.
النداء ومن خلال شعاره ينقسم إلى شقين: شق مواصلة النضال والوقوف إلى جانب الشغيلة وفق قاعدة “الحقوق بالعدالة والواجبات بالأمانة” عبر وسيلة الحوار الاجتماعي الممأسس مع تثمين المكتسبات في ظل “حكومة الإصلاح”، دون اغفال التنديد بانتهاكات حقوق العمال من طرف بعض المقاولات. وفي الشق الثاني أكدت “نقابة الحكومة” التزامها بالانخراط في أوراش الإصلاح الحكومية كاصلاح نظام التقاعد والمقاصة والنظام الجبائي والنظام الأساسي للوظيفة العمومية … دون اغفال قضايا المرأة الـأجيرة.
4. على سبيل الخلاصة والخلاص
إن المتتبع لسلوك النقابات المغربية على مستوى الخطاب والممارسة والتنظيم، يقف عند ملاحظات هي في مجملها معضلات العمل النقابي في هذا البلد:
– فعدم قدرة النقابات على حشد الأنصار في مناسبة مركزية مثل فاتح ماي يؤكد أزمة الثقة لدى عموم الشغيلة تجاه نقابات عجزت عن الدفاع عن منخرطيها في ملفات فردية وجماعية كالاقتطاعات الأخيرة في الأجور.
– وعدم قدرتها على تجديد نخبها التي تتصدر المشهد منذ سنوات وعقود يحيل إلى أزمة الديمقراطية الداخلية التي نخرت هياكل النقابات وحولت معظمها إلى دكاكين خاصة.
– أما مواقفها المتغيرة تارة بين دعم الحكومات ومعارضتها يبرز المرض المزمن لنقابات تصنف المطالب المهنية في دركات بعد درجات الحسابات السياسية لنخبتها وموقعها في المشهد السياسي.
معضلات جعلت العمل النقابي المغربي يدخل غرفة انعاش طويلة في انتظار ربيع نقابي ربما يأتي من خارج النقابات ليأتي على كل موروث مزمن. إن الهوة المتسعة بين آمال العمال وآلامهم يستدعى أن تعي النقابات مسؤولية الذاتية في ذلك وموقعها التاريخي إلى جانب الطبقة العاملة وليس استرزاقا على همومها وتقوم بمصالحة مع الشغيلة قبل أن تأخذ هذه الأخيرة المبادرة وتسحب البساط من نقابات لم تعد ترى إلا في مناسبات استرزاقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.