حوار مع الدكتور عبد الفتاح الفاتحي خبير استراتيجي في قضايا الصحراء والشؤون الإفريقية
سؤال: ما قراءتك للأوضاع السياسية داخل ما يسمى ب الجمهورية الصحراوية “الوهمية” ؟
إن جبهة البوليساريو تعيش وقع القرار الأممي الأخير حول الصحراء، حيث قوت موقفها التفاوضي بالورقة الحقوقية، التي باتت عبئا ثقيلا على الموقف التفاوضي المغربي والذي يجب حسمه. ولذلك تعتقد البوليساريو والجزائر بأن مسألة توسيع صلاحيات بعثة المينورسو قد لا يتجاوز سقف القرار الأممي المقبل في أبريل 2015، ولذلك، فإنها ستواصل استراتيجية الإنهاك أو التهرب من المفاوضات إلى ذلك الحين، لأنها تعتقد أن توسيع صلاحيات بعثة المينورسو ستكون له تداعيات قوية لتقرير المصير، بل إنها تعتقد أنه بمجرد ما يقرر مجلس الأمن الدولي توسيع مهام المينورسو حتى يتم يصبح تقرير المصير قاب قوسين أو أدنى.
والحق أن توسيع صلاحيات بعثة المنورسو لتشمل حقوق الإنسان، فإنه يعني بالضرورة مسا بالسيادة الترابية للمغرب وإدراج الصحراء التي بتنا نقول أنها مغربية ضمن المناطق المتنازع عليها، وإن كان وضع الصحراء مختلف تماما عن كل المناطق المسجلة ضمن اللجنة الرابعة للمناطق غير المتمتعة بالحكم الذاتي.
سؤال: أين تتجه الأوضاع السياسية والأمنية في البوليساريو؟
إننا اليوم نخوض معركة حقوق الإنسان، والحمد لله أن المغرب قد أوجد حراكا داخل مخيمات تندوف، سيكبد البوليساريو خسائر حقوقية كبيرة تنتقد عما تدعيه من عدالة اجتماعية ومن دفاع عن المبادئ الكونية، وغيرها، بل يكشف ذلك عن أن البوليساريو جماعة ديكتاتورية بل وجماعة إرهابية تتاجر في المساعدات الدولية الإنسانية، وتنافق المجتمع الدولي، حين ترتكب الكثير من أصناف التعذيب والتنكيل بالمعارضين لها، حتى إنها تسببت في نفي عدد من الصحراويين إلى موريتانيا أو اسبانيا ولعل حالة ولد سيدي مولود بادية للعيان.
سؤال: كيف تنظر إلى ثورة شباب التغيير داخل البوليساريو؟
جواب الفاتحي: إن الواقع المزري داخل المخيمات ليزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي والسياسي لدى شباب المخيمات، وأن انطلاقهم في مظاهرات واحتجاجات متولية يفيد بأنهم كسروا حاجز الخوف وأن دائرة الموالين لهم ستتسع إلى أبعد مدى، إذ إن مرور أزيد من 40 سنة على العيش داخل مخيمات تفتقد لأبسط شروط العيش الكريم، سيزيد من إصرارهم وسيغيرون من كثير من القناعات الزائف التي كان يؤمن بها باقي سكان مخيمات من قبيل تأسيس جمهورية سكون بمثابة كويت إفريقيا لما يدعون أنها تحتويه من ثروات طبيعية.
سؤال: صادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع بتمديد مهام “المينورسو” لسنة إضافية دون المساس بمهامها كيف تفسر هذا القرار؟
جواب الفاتحي: إنه لم يكن أما مجلس الأمن الدولي الأخذ بتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة، بل تفهم واقع النزاع، والإشكاليات التي يطرحها في المنطقة لو تم توسيع صلاحيات المينورسو، كما أن المغرب كان صارما بشأن أي تغيير يطال وضعها الطبيعي والتاريخي ألا وهو مراقبة وقف إطلاق النار، وأن مسألة تدبير حقوق الإنسان فإن للمغرب مؤسسات وطنية وسياسية لها من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على متابعة الأنشطة الحقوقية وفق الحياد الموضوعي.
سؤال: يبدو ان التحولات التي عرفتها المنطقة في سياق ما عرف بالربيع العربي لم يكن لها اثر يذكر.في ما يخص فض النزاع حول الصحراء المغربية .ما هي الاسباب في رأيك؟.
جواب الفاتحي: بكل تأكيد، فإن التحولات والتطورات التي حصل بعد ما يسمى الربيع العربي لم تكن بذات القوة لتحدث تغييرات هيكلية في العلاقات الدولية بالشكل الذي تترتب عنه تطورات حيال النزاعات الإقليمية كقضية الصحراء. إلا أنه لا يمكننا الحكم عن ارتجاج الثورات العربية لأن توقع تأثيرها لا يزال جنينيا بالنظر إلى قصر عمرها السياسي.
ولذلك يمكننا التأكيد على أن هذه التطورات في المنطقة المغاربية والعربية تحولت اليوم إلى فضاء لارتفاع حدة الصراع الإقليمي بين المغرب والجزائري، حيث تحولت الساحة المغاربية والإفريقية إلى ساحة لنزال الدبلوماسية المغربية والجزائرية لتقوية مواقفهما التفاوضي في ملف الصحراء.
وإن هذه تطورات الربيع العربي، وإن لم تسطع أن يكون لها تأثير مباشر على ملف الصحراء على الأقل في الوقت الراهن. فإنها تشكل مدخل للمغرب لأن يزيد من تقوية موقفه التفاوضي على الأقل بعد إقبار نظام معمر القذافي الذي كان يشكل أحد الأذرع الداعمة للبوليساريو والجزائر ضد المغرب على المستوى العملي. وكذا على المستوى السياسي ولاسيما في منظمة الوحدة الإفريقية.
وتواصل الجزائر اعتماد موقفها السياسي التقليدي من مسألة فتح الحدود، طالما لم يحدث تغييرا سياسيا على مؤسساتها بعد الربيع العربي. لذلك لم نجد من الحكومة المغربية ابتداع مبادرات أخرى على المستوى التنسيق مع تونس يصل مداها إلى مستويات الكبرى. وقد لاحظنا رغبة قوية لدى الجانب التونسي.
وفضلا على ذلك، فإن أداء الحكومة الموريتانية لم يكن على قدر اهمية جار للمغرب موريتانيا، حيث لم تنفع زيارة سعد العثماني لموريتانيا في التخفيف من حدة التوتر الدبلوماسي بين البلدين ولا نحن عززنا ارتباطاتنا السياسية والاقتصادية في موريتانية، بما يؤهلنا أن نمارس ضغطا مغاربيا على الجزائر للتسريع بفتح الحدود.
وبناء على احتشام تحرك الدبلوماسية المغربية لفرض أجندة مغاربية مع ليبيا وتونس وموريتانيا يجعلنا نطرح سؤال، إلى أي حد تكون الحكومة المغربية مقتنعة بأولويات فتح الحدود مع الجزائر. في أفق فرض مزيد من العزلة السياسية على الموقف الجزائري إقليميا ودوليا، في وقت ما تزال تقاوم فيه ضغطا متعاظما بسبب عدم استجابتها لتوصيات الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من المؤسسات المالية المانحة بشأن التسريع بإجراءات فتح الحدود مع المغرب.
غير أن الموقف الجزائر يبقى غير مشجع على ذلك طالما تعتبر أن فتح الحدود مع المغرب فيه تهديد لأمنها الاستراتيجي، لأنه يكون لصالح المغرب، ذلك أنها ترى أن فتح الحدود سيضعف مزايداتها في قضية النزاع حول الصحراء لصالح المغرب، وأن ذلك من شأنه أن يؤثر على منحى التوازن في لعبة الصراع الإقليمي الذي يفقدها الكثير من عناصر الهيمنة التي تطمح لها في منطقة شمال إفريقيا أو في دول الاتحاد المغاربي.
سؤال: المبعوث روس لم يفصح بعد عن المنهجية التي سيسير عليها بعد اعلانه ان المفاوضات غير المباشرة وصلت الى طريق مسدود، في رأيك متى سيقدمها ويبدأ في تنفيذها؟.
جواب الفاتحي: لقد جرب روس مبادرته التي أسماها النهج المبتكرة، والتي حاول فيها مناقشة مقومات بنية الدولة كل على حدة دون الدخول في نقاش الوضع العام الذي يجب أن يكون عليه النظام السياسي في الصحراء، إلا أن هذه المبادرة سرعان ما فقدت قوتها بعد توالي المفاوضات غير الرسمية.
ومن جهة أخرى، فإن روس بمبادرته تلك أعاد ملف النزاع إلى نقطة الصفر، لأنه سحب قوة المقترح المغربي القاضي بمنح أقاليم الصحراء حكم ذاتيا، بالمفاوضات نحو مناحي غير تلك التي سطر لها عقب تقدم المغرب بمبادرة الحكم الذاتي. ولذلك، فسرعان ما تأكد المغرب من أن كريستوفر روس قد فقد نزاهته وحيادته كمبعوث أممي، بعد أن اختزل دوره في البحث عن حل للنزاع الإقليمي بين المغرب والجزائر على الصحراء لصالح قضية حقوق الإنسان في الصحراء.
وأمام هذا الواقع لم يكن أمام المغرب إلا أن يعلن عن قراره بسحب الثقة منه، ومن ذلك الحين أصر روس على إقرار توصية توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، فيما لم يبادر إلى تنفيذ توصيات تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الحالة في الصحراء، رغم تكرارها في أكثر من تقرير، وخاصة تلك المتعلقة بإعادة إحصاء سكان المخيمات.
ومن ذلك الحين، أعلن روس عن فشل المفاوضات غير الرسمية، ليتحدث عن خطة الجولة المكوكية، والتي تعد زيارته الأولى وهذه الزيارة جزء أساسيا منها. إلا أنه على الرغم من ذلك لم يعد في جعبة روس ما يقدمه لمفاوضات الصحراء.
سؤال: يشكل ملف النزاع حول الصحراء المغربية عقبة أمام تطور ملف علاقات حسن الجوار بالمنطقة المغاربية. هل هناك من امكانية لفك الارتباط بين الملفين؟.
جواب الفاتحي: لا أعتقد أن الجزائر في ظل عودة الصراع بين البلدين إلى مستوياتها العليا، ستضع فروقات بين قضية الصحراء وباقي القضايا المغربية الجزائرية، ولاسيما أنها تجعل مسألة التطبيع مع المغرب وسيلة لربح معركة الصراع الإقليمي ضد المغرب.
وطالما أن الجزائر تعتبر مسألة فتح الحدود في صالح المغرب استراتيجيا، فإنها ستبقى على حدودها مغلقة مع المغرب كشكل من أشكال الحصار التي تحاول أن تضربه على المغرب. ويبدو ذلك واضحا في تكثيف الحراس العسكرية على حدودها مع المغرب بدعوى محاربة تهريب الوقود، ومحاربة تهريب المخدرات من المغرب إلى مدنها.
ولأن كل المؤشرات الاقتصادية والسياسة ستكون لصالح المغرب في حالة فتح الحدود بين البلدين، فإن الجزائر تصر على استمرار إغلاق الحدود، مادام فتحها سيشكل دعما قويا للمغرب يزيد من تمدده الجيوسياسي على المنطقة المغاربية عبر اصلاحاته الاقتصادية والسياسية وتطوير كفاءاته البشرية التي يمتلكها المغرب. ولذلك فإنه بغض النظر عن العائد الاقتصادي في المبادلات التجارية، فإن المغرب بقواها العاملة تؤهله لأن ترجح ميزان معاملاته التجارية لصالحه.
وحيث إن المنطق يتماشى مع هذا التصور، فإن الجزائر تستمر في سياسة رفض فتح الحدود، متحاشية النقد الدولي بها باقتراح جملة من الشروط التعجيزية عرضتها مؤخرا على المغرب، وهي اليوم تحاول ممارسة الضغط عليه عبر المسارعة إلى عسكرة حدودها البرية معه لقطع أي أمل لفتح الحدود، بداعي محاربة تهريب المواد الطاقية نحو المغرب، لأنها ترى فيه توفير عائدات هامة من المواد البترولية المكررة.
سؤال: بوتفليقة يستمر في حكم الجزائر لولاية اخرى ما تداعيات ذلك على ملف النزاع حول الصحراء؟.
جواب الفاتحي: إن مسألة الصراع الإقليمي بين المغاربي قد ترتبط بشخصية الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بقدر ما أصبحت جزء استراتيجيا من العقيدة العسكرية لجنرلات الجزائر. وعليه فلا يتوقع أن تتغير نظرة العسكر الجزائري إلى نزاع الصحراء ما لم تحصل تغييرات مهيكلة في العقلية العسكرية للجزائر.
وعليه، فإن حدة الصراع بين المغرب والجزائر سترتفع حدتها إعلاميا ودبلوماسيا، وقد دشن عبد العزيز بوتفليقة هذا التوجه في رسالته الموجهة إلى المشاركين في العاصمة النيجرية أبوجا، يدعو فيها مجلس الأمن الدولي إلى وضع آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
وعلى الرغم من استحالة تحقق مشروعها في المنطقة، فإنه يتوقع استمرار الجزائر على مواقفها التقليدية، لكونها لا تزال رهينة رؤية جنرالاتها، مجسدة لحالة الجمود السياسي بعد انتخابات ماي 2012 والتي كرست رؤية الحزب الوحيد؛ حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؛ كما أضافت فصلا جديدا من الاحتقان السياسي لدى الرأي العام الجزائري بما قد يقوي التيارات الإسلامية الأصولية.
سؤال: هناك ملاحظات غير جيدة حول أداء الدبلوماسية الموازية في مواجهة خصوم الوحدة الترابية، وفي التسويق للجهود التي تبذلها الدولة في مأسسة حقوق الانسان على المستوى القانوني والثقافة والمدني، ما تعليقك؟.
جواب الفاتحي: يمكننا التأكيد على أن لا دبلوماسية موازية في المغرب، كدبلوماسية تمتلك لرؤية وخطة عمل، ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان الحديث عن أداء للدبلوماسية الموازية. وواقع الدبلوماسية الموازية الهزيل يعود إلى مبدأ المجال المحفوظ للملك في السياسة الخارجية، هذا المبدأ أبقى على ابتعاد الدبلوماسية الموازية من أن تكون لها فعالية كبيرة في القضايا الإستراتيجية ولاسيما السياسة الخارجية.
وأمام هذا الواقع، فإنه الوقت يستدعي بسرعة اسناد الدبلوماسية الرسمية بالدبلوماسية الموازية لصد الضغوط الحقوقية التي تمارس الآن على المغرب، والتي تستغلها الجزائر والبوليساريو للمس بالسيادة الترابية للمغرب على الأقاليم الجنوبية.
سؤال: ماهي أبعاد وأهمية الزيارات الملكية لبعض دول جنوب إفريقيا وعلاقتها بملف الصحراء المغربية؟.
جواب الفاتحي: تشكل زيارة الملك محمد السادس إلى الدول الإفريقية الثلاثة السنيغال وكوت فوار والغابون جزء من استراتيجية مغربية راسخة، يراهن عليها المغرب لاستعادة دوره الجيوسياسي داخل الفضاء الإفريقي. وهو في ذلك يستثمر نفوذه الروحي وعلاقاته التاريخية العريقة مع الدول الإفريقية، والتي اتسمت بارتباطات تجارية ودينية عميقة، تجسدت استمراريتها بقوافل التجار والشيوخ الساهرين على نشر الإسلام. وظل الارتباط المغربي الافريقي متواصلا بالدعم الكبير الذي ظل يقدمه لكل الحركات التحررية الافريقية إلى أن حصلت دولها على الاستقلال.
إن عملية تعويض ضياع دوره الجيوسياسي في إفريقيا يعمل عليه المغرب عبر قناعته بأن القوة السياسية المغربية لن تتم من دون دبلوماسية اقتصادية، وفي هذا الإطار تبرز أهمية زيارة الملك محمد السادس في تعزيز الارتباطات الاقتصادية (استثمارات) والسياسية والدينية (الزاوية التجانية) بين المغرب وهذه الدول، في أفق تعاون استراتيجي رباعي (المغرب، السينغال، الكوت ديفوار الغابون) سمته التكامل الاقتصادي والسياسي على مستوى منظمة الاتحاد الإفريقي، الذي بات مطالبا بتحديث بنياته الهيكلية والسياسية والاقتصادية.
إن عملية تعويض ضياع دوره الجيوسياسي في إفريقيا يعمل عليه المغرب عبر قناعته بأن القوة السياسية المغربية لن تتم من دون دبلوماسية اقتصادية، وفي هذا الإطار تبرز أهمية زيارة الملك محمد السادس في تعزيز الارتباطات الاقتصادية (استثمارات) والسياسية والدينية (الزاوية التجانية) بين المغرب وهذه الدول، في أفق تعاون استراتيجي رباعي (المغرب، السينغال، الكوت ديفوار الغابون) سمته التكامل الاقتصادي والسياسي على مستوى منظمة الاتحاد الإفريقي، الذي بات مطالبا بتحديث بنياته الهيكلية والسياسية والاقتصادية.
ويشهد ارتفاع رقم المبادلات التجارية بين المغرب وهذه الدول وكذا تنوعها على الأهمية الاستراتيجية لتكرار الزيارات الملكية لهذه الدول، والتي تعمق رؤية مغربية تنهج فلسفة تعاون جنوب – جنوب، وهو المنطق الذي ينحوه المغرب في سياسته تجاه افريقيا منذ أن ألغى حوالي 90 مليون دولار من ديونه المستحقة لصالح الدول الأفريقيَّة الأكثر فقراً.
والمؤكد إذن أن المغرب بات يؤمن بأن نفوذه الاقتصادي في إفريقيا يمكن من استيعاب التطورات السياسية الإقليمية التي شهدتها القارة الإفريقية بعد انهيار دكتاتورية القدافي التي ظلت تهيمن على منظمة الاتحاد الإفريقي، وتحقيق موقع متقدم للمغرب في تجمع الساحل والصحراء (س- ص)، وهو ما يمكنه من العودة إلى الاتحاد الإفريقي وطرد البوليساريو منه.
كما أن هذه الزيارة تأتي في ظل تحولات عميقة أفرزها التدخل العسكري الفرنسي في مالي، إذ يرتقب أن تدعم الدور السياسي المغربي داخل إفريقيا في أفق تقوية توجه جديد يسعى المغرب لإشراكه مع قادة دول وحكومات تجمع دول الساحل والصحراء خلال احتضانه للدرة العادية ال13 لقمة رؤساء وحكومات (س – ص) المقبلة بالرباط.
وسيدعمه في ذلك سنده السياسي والعسكري لفرنسا، فبعدما جاء بقرار مجلس الأمن الدولي الذي أتاح استخدام القوة في مالي، فإنه دخل في تنسيق سياسي وعسكري لتأمين مصالحه المالية والمصرفية وباقي القطاعات الاقتصادية داخل دولة مالي، بأن جعل موقفه من الأزمة المالية مطابقا للشرعية الدولية وفي توازن تام مع شركائه الأساسيين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وقد انتصرت رؤيته تلك على الرؤية الجزائرية التي خسرت نفوذها السياسي لصالحه.
سؤال: ما هي الأسباب الاقليمية التي تؤثر في نزاع الصحراء المغربية؟.
جواب الفاتحي: يبقى هذا التنافس الإقليمي بين الجزائر والمغرب، سيد الموقف في الدبلوماسية الجزائرية تجاه المغرب. وهي بذلك لا تستثني مسألة الصحراء في أي علاقات تعاون معه، حيث تعمل الجزائر على إبقاء قضية الصحراء كشوكة تدمي القدم المغربي. ولذلك يستمر الدعم المطلق لجبهة البوليساريو في السياق المشروع واللا مشروع، حتى أن دعمها يكاد لا يختلف كثيرا عن التدخل في قضايا الشأن الداخلي المغربي عكس ما تقتضيه علاقات حسن الجوار.
ولا تخفي الجزائر ممارسة توظيف جبهة البوليساريو لكبح الجموح المغربي، وخاصة في ما يتعلق بتحوله إلى قطب حيوي لاستقبال الاستثمارات الأجنبية الكبيرة، مؤازرا باستقراره السياسي والأمني، في مقابل حالة لا أمن في الجزائر بفعل تزايد التهديدات الإرهابية بعد فشل قرار الوئام للمصالحة، وتطور إمكانيات الجماعات الجهادية الجزائرية، فضلا عن تقوية امتداداتها في منطقة الساحل الإفريقي.
وحيث إن الأمر كذلك، فإن البوليساريو لا تعدو أن تكون أرنب سباق في التنافس الإقليمي المغربي الجزائري في المنطقة المغاربية أو بالأحرى في إفريقيا، وهي قناعة لم يعد ينكرها المنتظم الدولي، وهو ما يطيل أمد النزاع حول الصحراء.
سؤال: لم يستطع روس الى حد الآن تحميل الجزائر بشكل مباشر مسؤولية الوضع الانساني الكارثي الذي تعيشه مخيمات تيندوف على اعتبار انها صاحبة الارض التي تحضن فوقها جبهة البوليساريو الانفصالية، ما تعليقك؟.
جواب الفاتحي: يمكننا القول في هذا الشأن بأن الدبلوماسية المغربية ليست على قدر المرافعة دوليا لإثارة هذا الوضع على المستوى الدولي، ولاسيما لدى المنظمات الحقوقية. فالدبلوماسية الرسمية انتظارية ولا تمتلك رؤية لإثارة الموضوع وفق خطة تبدأ بالإعلام والتعبئة لهذا الإشكال قبل المطالبة الدولية والأممية للقيام بالمتعين.
وعلى الرغم من أن إحصاء سكان مخيمات تندوف قد وردت كتوصية في تقارير مجلس الأمن الدولي حول الصحراء في عدة مناسبات إلا أن الدبلوماسية المغربية لم تستطيع فرض تنفيذ هذه التوصية أو على الأقل أن تناور بها لربح نقط قوة في موقفها التفاوضي، خاصة أن هذه التوصية تورط الجزائر في احصاء ومراقبة سكان المخيمات، بل وتربطها حتميا بقضية الصحراء التي تدعي بين الحين والآخر أن لا علاقة بالموضوع.
سؤال: ورد بالخطاب الملكي الذي افتتح به جلالة الملك السنة التشريعية الحالية، أن قضية الصحراء تهم جميع المغاربة، ما هي قراءتك السياسية لهذا الخطاب؟.
جواب الفاتحي: أسقط الملك محمد السادس في خطابه الافتتاحي للبرلمان المغربي في دورته التشريعية الجديدة مساء الجمعة 11 أكتوبر 2013 الكثير من الأقنعة التي ظلت تُظمئن الرأي العام المغربي بقوة الموقف التفاوضي بعد التقدم بمقترح الحكم الذاتي.
في الخطاب الملكي تعبير صريح عن فشل الدبلوماسية الرسمية في تدبير ملف الصحراء، بالقول: “إن الوضع صعب، والأمور لم تحسم بعد، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة”. وفي حرف التحقيق “قد” إستشعار بحدوث تطورات مكلفة لسيادة المغرب الترابية.
ويتوقع أن تحصل على أبعد تقدير في شهر أبريل المقبل تاريخ استصدار تقرير جديد لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء. ويستفاد الخطاب الملكي استيباق لتوقع الأسوء فيما يخص السيادة الترابية للمغرب على الأقاليم الجنوبية، وهو ما يعني عمليا أن الدبلوماسية المغربية قد أضاعت خيط قوة موقفها التفاوضي في المسألة الحقوقية دعا بها إلى طلب نجدة الدبلوماسية الموازية بعد تهميشها لسنوات.
ففي الوقت الذي لم يستطع فيه المغرب كبح استراتيجية الدبلوماسية الجزائرية القائمة على تشويه صورة المغرب الحقوقية، فإن مبادرة واشنطن بتكليف بعثة “المينورسو” لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء تبقى سيفا على رقبة الموقف المغربي يستمر تهديدها بصدور تقارير جديدة تتهم المغرب بانتهاك حقوق الإنسان في الصحراء.
واللافت للانتباه في الخطاب الملكي قول الملك:” أن قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي أيضا قضية الجميع”، ففي ذلك تأكيد جديد على أن ملف الصحراء يجب أن لا يبقى كما كان في السابق رهين جهاز الداخلية وجهاز مستشاري الملك، بعدما تأكد أن تدبير الملف وفق المنطق القديم بات غير سالك للمحافظة على السيادة الوطنية.
لقد كشف هذا الخطاب مدى الحاجة القوية إلى تجديد استراتيجية التعاطي مع ملف الصحراء، وضرورة تجديد الآليات وتطوير الكفاءات الدبلوماسية نحو منهجية جديدة تتفاعل مع مستجدات أعقد ملفات على المستوى الدولي، والذي يقتضي بالفعل كما قال الملك تعبئة الجميع.
[…] […]