كفى من الاستنساخ والإبحار، معالي الوزير بلمختار !
نكاد نجزم بأن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السيد: رشيد بلمختار، التكنوفراطي المعروف بشخصيته الهادئة ومساره المهني المتميز، الذي جيء به في: 10 أكتوبر 2013 مع النسخة الثانية لحكومة السيد بنكيران، اعتمادا على ما يمتلكه من خبرات واسعة تؤهله لتقوية العمل الحكومي، ما انفك منبهرا بتجارب الآخرين المخالفة لواقعنا، ومازال مبحرا في عوالمه الافتراضية عبر الشبكة العنكبوتية، منذ انتهاء ولايته وزيرا للتعليم، في حكومة المرحوم السيد: عبد اللطيف الفيلالي الثانية، بين سنتي: 1995 و1998 …
لذلك، فإننا لم نستغرب كثيرا حين رأيناه ولوعا بالتكنولوجيات الحديثة، وشديد الوثوق بأن التغيير لن يتحقق إلا عبر المرور بجسر هذه المنظومة. ولعل هذا ما يفسر تشبثه ببرنامج مسار، رغم ما أحدثه تنزيله غير الممهد له من لغط وارتباك في أوساط الأساتذة والإداريين، وما أثاره من احتجاجات التلاميذ أثرت سلبا على سير الدراسة، لإيمانه الشديد بأنه نظام معلوماتي جد متطور، يهدف إلى حسن تدبير الحياة المدرسية، بإتاحة الفرصة للإدارة في ضبط معلومات التلاميذ، لوائح الأقسام، استعمالات الزمن، مواعيد فروض المراقبة المستمرة والامتحانات، العطل المدرسية… وبمساعدة الأساتذة في مسك نقط الفروض فور الانتهاء من عملية التصحيح، وتيسير مأمورية الأسر في الاطلاع عن كثب على السير الدراسي لأبنائها: تواريخ إجراء الفروض، النقط المحصل عليها، المواظبة، السلوك والغياب، ومواعيد الامتحانات…
وبعد كل ما تطلبه تجاوز عائق تثبيت برنامج مسار من لقاءات “ماراتونية”، استنزفت الكثير من الجهد والوقت، وجدناه يسارع من جديد إلى إطفاء ما اشتعل من حرائق إثر إقدامه يوم: 18 فبراير 2014، على توقيع اتفاقية شراكة مع نظيره الفرنسي، حول ما كان في عهد سلفه مجرد مشروع في ست مؤسسات تعليمية، والمتعلق بإحداث “بكالوريا دولية: شعبة اللغة الفرنسية”، ليجعل منه حقيقة ملموسة، عبر تعميمه على سائر المندوبيات الإقليمية بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ابتداء من السنة الدراسية المقبلة: 2014/2015، وتهدف المعاهدة حسب المنصوص عليه، إلى تعزيز أواصر التعاون بين البلدين في القطاع التعليمي، وفتح آفاق المستقبل المشترك أمام جيل الغد، للاستفادة من تدريس اللغات، والدعم التقني الفرنسي والخبرة الفرنسية في مجالات الهندسة البيداغوجية، وتكوين الأساتذة والتقويم، لتحسين التعلمات والارتقاء بمستويات التوجيه المدرسي والتكوين المهني…
وبالنظر إلى ما للقرار من حساسية هوياتية، بدعوته العودة إلى تلقين المواد العلمية باللغة الفرنسية، والرفع من حصصها الأسبوعية دعما للبكالوريا الدولية المحدثة، وبضربه لمقتضيات الدستور بتهميش اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب الأمازيغية، والإخلال ببنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي يقر بتعريب المواد العلمية والشعب التقنية تدريجيا في الدراسات الجامعية، فإنه لم يجد مرة أخرى من وسيلة للتملص، سوى أن القرار اتخذ قبل استوزاره، وألا سلطة له على إلغائه مادامت الحكومة هي المسؤولية…
إننا نشعر بالإحباط إزاء ما يدور من تفاهات، أبطالها وزراء يؤتى بهم فقط لتأثيث المشهد السياسي، والدفاع المستميت عن خيارات خارجة عن إراداتهم، ولا حق لهم في مناقشتها أو إبداء الرأي حولها، عدا ما يتعلق بالمزايدات السياسوية واستعمال الكلام الفاحش تحت قبة البرلمان. إذ تعوزهم الجرأة على اتخاذ المناسب من القرارات الإيجابية، المتقاطعة مع مصالح الشعب والمستجيبة لمطامحه، ولا حول لهم على الابتكار أو التفكير إلا في توسيع مشاريعهم الشخصية وتنمية أرصدتهم البنكية، ما يدفعنا إلى التشكيك في المعلن عنه من التدابير، التي تكاد تستنسخ أخرى في الحكومات المتعاقبة، مما يزج بنا في حلقات مفرغة. وسيرا على خطى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم، الأستاذ: عمر عزيمان رفيق دربه في “الإصلاح”، أصدر السيد بلمختار مذكرة وزارية تحت رقم: 043/14، بتاريخ 23 أبريل 2014 حول تنظيم لقاءات تشاورية، بغية تشخيص واقع المدرسة المغربية، لبلورة مشروع تربوي جديد يروم الارتقاء بالوضع التعليمي القائم، وتأهيل العنصر البشري وتجويد التعلمات، اعتمادا على مقاربات تشاركية تنطلق من عمق المؤسسة التعليمية، بوصفها نقطة ارتكاز للانطلاق صوب إصلاح تربوي شامل. صرنا للأسف مكرهين، على تتبع فصول مسرحيات رديئة، تصاغ بأساليب أكثر رداءة وإخراج تافه، تثير الاستفزاز والاشمئزاز. وهكذا تضيع على وطننا الحبيب سنوات طوال من التقدم، وتتبدد ميزانيات ضخمة من أموال الشعب في التشخيص المتكرر والمخططات الاستعجالية بدون طائل، لتنقل منظومتنا التعليمية إلى غرفة إنعاش غير معقمة، لا يستقر حالها ولا يستقيم باستيراد لقاحات فاسدة، أخرت في مرات عديدة فرص إقلاعنا التنموي…
ولا غرو في أن يستمر “بحارنا” غائصا في أعماق التكنولوجيات، معتبرا أن حلول إشكاليات نظامنا التعليمي، تكمن عناصرها في اعتماد التعليم الرقمي، والإدماج الأمثل للتكنولوجيا وتقنياتها في المدارس. وهكذا، أشرف يوم: 21 ماي 2014، على إبرام اتفاقية شراكة مع الرئيس المدير العام لشركة “إ.ب.م المغرب” مدشنا بذلك برنامج: “Kidsmart”، الرامي إلى تمكين الأطفال من استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ومبرزا أن الاتفاقية ستعمل على تطوير فعل التدريس والرفع من الأداء بتكوين المدرسين، فضلا عن دمقرطة ولوج الصغار بمختلف شرائحهم الاجتماعية ومستوياتهم المعرفية، إلى هذه المنظومة لتنمية ذكائهم وتقوية قدراتهم. وتشجيع كافة التلاميذ على التعلم الذاتي لا كتساب المزيد من المعارف والمهارات… ودعم التجهيزات التكنولوجية المتوفرة في المؤسسات التعليمية.
كان بودنا مواصلة التأني وتحمل فيض العبث، الذي تمطرنا به حكومة السيد بنكيران، منذ حلولها ضيفا ثقيلا بيننا، مدعية بوقاحة أنها جاءت للإصلاح في ظل الاستقرار، وتغيير أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية نحو الأفضل. بيد أننا بظهور فضيحة شريط فيديو لجمعية مغربية – كندية، فقدنا أعصابنا ولم يعد من متسع لانتظار شهر مارس 2015، موعد بداية إصلاح القطاع برأي السيد بلمختار. لقد كشف الشريط عن جزء من بؤس حياة أبنائنا في الهوامش والقرى النائية، لافتقاد مدارسنا أبسط الشروط التعليمية، وما يحفظ الكرامة الإنسانية. بالله عليكم، أليس مخجلا في عصرنا هذا، مشاهدة صور لمجموعة من تلاميذ مدرسة مغربية، يفترشون صناديق خشبية لبيع الخضر والفواكه، ويقتعدون كراسي بلاستيكية، داخل غرفة بئيسة، بجدران مهترئة وسقف آيل للانهيار، يهدد أرواح أطفال أبرياء، جريرتهم الوحيدة أنهم آمنوا بقولة “العلم نور والجهل عار” ؟ أليس العار هو عيش وزرائنا منفصلين عن الواقع، واستمرار حكوماتنا في اللهث وراء مساعدات البلدان والمنظمات الدولية دون حسن استثمارها؟ ثم كيف يسمح السيد الوزير لنفسه، بالحديث عن تجهيز المؤسسات التعليمية بالحواسيب، وربطها بالأنترنت، فيما هناك مدارس تئن تحت وطأة الخصاص المرعب في الوسائل الضرورية والموارد البشرية؟
ليعلم معاليه أن ليس الخاتم ما ينقصنا، وليكف عن إثارة المواجع والفواجع في صدورنا، بعدما لم يعد في قوس الصبر منزع. فهل من الشهامة، أن تنبعث مع كل غضبة ملكية زوبعة “كلامية”، سرعان ما تهدأ لتعود الأمور إلى وضعها الكئيب؟ نحن لا نعترض على تجهيز مدارسنا بأنظمة معلوماتية، ولا على إحداث بكالوريا دولية بلغات أجنبية، ولا ضد استفادة أبنائنا من تعليم رقمي. ولكننا لا نقبل بتهميش اللغتين الرسميتين: العربية والأمازيعية، غياب الديمقراطية الحقيقية، وأن يصبح لنا نوعان من المدارس: نافعة وأخرى بلا جدوى، فئة المحظوظين تنعم بدراسة عصرية في أرقى المدارس والبعثات الأجنبية، بينما السواد الأعظم يلتحق بمدارس عمومية، تفضي برامجها ومناهجها مباشرة إلى البطالة، تعاني من قلة الموارد البشرية، الاكتظاظ، فضاءات بدون جاذبية، ضعف البنيات التحتية، وتفتقر إلى أبسط التجهيزات الأساسية… مدارسنا اليوم توحي لزائرها أن البلد يحترق في أتون حرب مدمرة، مع أن الحرب الوحيدة التي نعيش أطوارها، هي تلك المعلنة ضدنا من قبل رئيس الحكومة السيد بنكيران، على كافة المستويات…