كيف يستقبل المغاربة رمضان، في عهد “بنزيدان”؟
نكسة أخرى تنضاف إلى سجل الخيبات، تلك التي أصابت المغاربة، خاصة أولئك الذين هرعوا تحت بريق شعارات حزب “العدالة والتنمية”، وصدى الخطب العصماء والتعهدات الجوفاء، إلى صناديق الاقتراع ووضعوا فيه ثقتهم العمياء، حين اكتشفوا بغتة أنهم أساءوا التقدير باعتقادهم أنه المنقذ من البغي والاستعباد، القادر على شطب الفساد من البلاد، والاستجابة لانتظارات العباد.. وأنهم وقعوا ضحية “خديعة كبرى”، في ظروف استثنائية، وأمام دهاء لاعب “ورق” متمرس، جعلهم يراهنون على الورقة الخاسرة…
ومع ذلك لا أحد يشكك في حسن نوايا السيد بنكيران، ولا في مدى تشبثه المتين بتعاليم الدين، أمينا عاما ل”أفضل” حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية، ورئيسا لحكومة ما بعد الربيع العربي. مادام يؤكد تحت الأضواء “الكاشفة” على رغبته في احترام قدسية رمضان، وحرصه على ضمان وفرة المواد الغذائية، محاربة الاحتكار وإشهار الأسعار مع السهر على استقرارها. ويصر على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة في إبانها، وحث الولاة والعمال على تكثيف الجهود في تتبع حالة التموين، وتشديد المراقبة لحماية المستهلكين، من جشع التجار والوسطاء والمضاربين. لكن من أين لمن فقد مصداقيته، حين أبى إلا أن يخل بالتزاماته ووعوده، بالحصول مجددا على ثقة المواطنين، وقد أخفق في الانتصار لهمومهم وقضاياهم الأساسية، وانشغل بالمزايدات السياسوية، يقود “مركبته” المعطوبة بعناد وعنجهية؟
ثم بماذا يا ترى ستفيد تطميناته الخاوية، بعد أن أدت قيادته الرعناء إلى الهاوية؟ وماذا تبقى للمواطنين من قدرة شرائية، لمواجهة مصاريف تتضاعف حدتها مع حرارة الصيف وخلال الشهر الأبرك، بعد أن قهرتهم زياداته العشوائية وازدادت أوضاعهم ترديا؟ لاشيء عاد يريحهم. القروض الصغرى عبثت برواتبهم، وأمست جيوبهم عاجزة عن توفير الحد الأدنى للعيش، وبات الادخار والتخطيط للعطل السنوية حلما بعيد المنال. التقارير الاجتماعية تشهد بأن منحنى الأسعار في تصاعد مستمر، وما تسميته ب”بنزيدان” إلا نكاية بقراراته الجائرة، ونتيجة طبيعية لما بصم عليه من زيادات متلاحقة، حيث لا يكاد ينتهي الإعلان عن زيادة حتى تعقبها ثانية وثالثة… في متوالية هندسية. ففي عهده تمرد الغلاء وأنهك الجيوب بجلاء، فضلا عن أن واقع الأمور، يشي بغير ما يتم الترويج له في أردأ القنوات من خزعبلات، ويبقى مجرد هراء لا يمكنه التصدي لسيل مخالفات بعض منعدمي الضمير، الذين ينتهزون فرص المناسبات الدينية والأعياد الوطنية للثراء غير المشروع…
وإذا كانت حكمة الله، اقتضت أن يوصف رمضان بالشهر الفضيل، لما يميزه عن باقي الشهور من فضائل، بدءا بالإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، إقامة صلاة التراويح والقيام بالأعمال الصالحة تقربا إلى الله: من توبة وتسامح وتكافل ونبذ الخلافات والتنابز بالألقاب، فقد خصه أيضا بليلة القدر التي تعد خيرا من ألف شهر، وأنزل فيه القرآن الكريم مصداقا لقوله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان” (البقرة: 185). تفتح فيه أبواب الجنة وتوصد أبواب النار، وتصفد الشياطين ومردة الجن، ما عدا عفاريت “بنزيدان”، التي تزداد شراسة في غياب مروض كفء. وهو وقاية من عدة أمراض بدنية وروحية، ومناسبة ثمينة لمراجعة النفس الأمارة بالسوء، والعدول عن الآثام وتكفير الذنوب والسيئات بالصدقات. أما لجوء “بنزيدان” إلى استقباله برفع الأسعار ومحاولة إخفاء قصوره الجلي: ارتباك وخلط وتخبط وسوء التدبير… أو تبرير فشله بافتعال صراعات وهمية للتعتيم عن المشاكل الحقيقية وتمييع الحياة السياسية، وإيهام العموم والأنصار خاصة بأنه وحزبه ضحية مؤامرة، تحول دون إنجاح “برنامجه” الإصلاحي، فتلكم أبرز مظاهر الإفلاس الديني والسياسي…
قد أفهم أن ترق قلوب ومشاعر بعض أرباب الحانات والملاهي الليلية، ويبادرون بتلقائية إلى إغلاقها مع مطلع شهر شعبان قبل بلوغ الزمن “القانوني”، فاسحين المجال أمام زبنائهم لالتقاط الأنفاس وتطهير النفوس، وتوفير بعض المال لاستقبال شهر الغفران. لكني لا أفهم السباق المحموم ل”بنزيدان” مع رمضان والنفخ المشؤوم في الأثمان؟ ترى من يتآمر على من؟ من يطالب بالحقوق والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، أم من يتراجع عن المكتسبات الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويتنازل عن صلاحياته للعمل مساعدا فقط ؟ ألا يشعر بالخجل حين يدعي بأن حزبه “هدية من الله”، والنساء مازلن تلدن أمام المستشفيات؟ قد يكون هدية للمفسدين ولصندوق “النكد” الدولي، أما بالنسبة للبسطاء فلن يعدو أن يكون إلا وبالا حقيقيا…
وخلافا لخرجات الطمأنة، فإن بال المواطن لم يهنأ باستقبال أي رمضان في حضرته، إذ قبيل حلول الأول في يوليوز 2012، وبينما كان ينتظر بلهفة ما ستأتي به الحكومة من تدابير، تعيد له الأمن والسكينة وترفع عنه الغبن والغمة، أرسل “بنزيدان” أول قذائفه خلال شهر يونيو هزت ميزانيات الأسر من مختلف الشرائح الاجتماعية: إنها الزيادة في المحروقات، التي لم يجد أحسن منها توطئة لمسلسل الرعب. تلاها إعصار أسعار المواد الأكثر استهلاكا، مما أثار زوبعة عارمة في أوساط المواطنين وأحرق جيوبهم، علما أنه صرح في معرض رده عن قراره المتسرع، بأن الضرورة أملت عليه هذه الزيادة، لتخفيف العبء عن صندوق المقاصة وإنقاذ البلاد من الغرق، وأن حكومته سوف لن تذخر جهدا في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، وأنها في إطار الإصلاح ستعمل على تحويل الخمسين مليار درهما المخولة للصندوق إلى استثمارات عمومية، لخلق مائة وعشرين ألف منصب شغل للعاطلين، وتحسين وضعية الطبقة الوسطى، باعتبارها رافعة أساسية للاقتصاد الوطني، والارتقاء بنسبة النمو. فأي حياة أسوأ من أن يعيش المواطن ممزقا بين الوعود الحالمة والقيود الظالمة، وأركان البلاد تتهاوى حوله تحت قصف مدفعية المديونية؟
وعلى “أنغام” نفس الأسطوانة المشروخة، أمضى المواطن رمضان الثاني، الذي صادف هو الآخر شهر يوليوز 2013، منشغلا بهاجس التوقيع على قرار نظام المقايسة الجزئية لأسعار المحروقات، وما سيتولد عنه من فظاعات. ويفيد هذا النظام ربط السعر الوطني للنفط بتقلبات الأسعار الدولية، ليصبح المواطن المعني المباشر بتحمل تبعات الزيادة، دون أن يعمل “بنزيدان” على التخفيف من روع الرأي العام وتقديم الشروحات الضرورية. وهكذا ظل الجميع يترقب بقلق شديد انفجار “القنبلة” الثانية. وحتى يكون الرجل متسامحا وإن بدرجة مختلفة عن تسامحه مع “الكبار”، أرجأ العمل بالمقايسة إلى ما بعد عيد الفطر، لينطلق مع منتصف شهر شتنبر 2013، ويتزامن مع الدخول المدرسي، الغنية مصاريفه الضخمة عن التذكير…
وها هو يسارع من جديد إلى إثقال كاهل المواطن قبل بداية رمضان الثالث في يوليوز 2014، بسن زيادة أخرى في فاتورة الماء والكهرباء، لإنقاذ المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب من الأزمة القلبية، بضخ 45 مليار درهم في “شرايينه”، حفاظا على استمراريته في تنشيط الدورة الكهربائية للمغاربة. بينما سعادة المدير العام: علي الفاسي الفهري، يوزع “البريمات” بسخاء على كبار الموظفين، ويقيم لهم حفلا باذخا استمر ثلاثة أيام، بدل مثوله رفقة وزير الطاقة والمعادن السيد: عبد القادر عمارة، أمام لجنة مراقبة المالية العمومية بمجلس النواب للمساءلة والمحاسبة…
“بنزيدان”، عجز عن إرساء آليات حكامة جيدة في صرف المال العام، أهمل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بالعفو عن المفسدين وتبرئتهم نهارا جهارا. أذاق المغاربة الحرمان، وأفقدهم طعم الحياة والاشتياق لرمضان، جراء سياساته العقيمة وقراراته اللئيمة. عمق الفوارق الطبقية وسحق القدرة الشرائية. لكنه لن يستطيع أبدا إفقادهم عزة النفس، لأنهم يؤمنون بقدرتهم على إجلاء الظلام وتكسير قيود الظلم. ومن الأفضل له، التخلص من رداء المظلومية وعكاز التمويه، فقد سقط القناع. ولن تزيد موائد الرحمان “الحريرة” إلا حموضة…