قصر بني صبيح بدرعة الوسطى… ذاكرة من المغرب العميق
ما أن تطأ قدم الزائر واحة لكتاوة بمدينة زاكورة حتى تأخذه الدهشة وسحر المكان وتستوقفه تلك المعالم الأثرية والتحف المعمارية الأصيلة وخاصة قصر بني صبيح الذي يعبق بروح تاريخ يزيد عن ألفي سنة حبلى بأمجاد وأحداث وذكريات وشمت ذاكرة منطقة درعة العريقة بماء من ذهب.
فقصر بني صبيح، الذي يحظى بمكانة متميزة في ذاكرة منطقة درعة، ما يزال شاهدا على حضارة وعمق تاريخي للمنطقة حيث بني في منبسط من الأرض في الضفة الغربية لوادي درعة على بعد ثلاث كيلومترات من مركز تاكونيت الحالي، ويحده من الشمال قصر بني هنيت، ومن الجنوب زاوية سيدي صالح، أما شرقا نجد قصر البليدة ، ومن جهة الغرب واحة لكتاوة ” مما يجعل منه تحفة معمارية فريدة من نوعها وهي تتوج واسطة عقد هذه القصور وبالنظر لما يتميز به هذا القصر من جمالية معمارية استثنائية لاسيما وأن قيمته الحضارية متعددة التجليات حيث تتوزع بين ما هو معماري وثقافي واجتماعي وروحي وعلمي وتاريخي فإنه يعتبر من أجمل القصور بدرعة؛ إذ لازال محتفظا بمعظم معالمه العمرانية، وهو ذو أهمية تاريخية و أثرية بالغتين، فالقصر من آخر الاقامات التي بقيت موروثة خلال الفترة الاستعمارية.
والقصر من حيث مؤسسة إسقرارية يقوم بأدوار سياسية واجتماعية واقتصادية متداخلة هي في الواقع نتاج ظروف تاريخية معقدة. منها وظيفة السكن حيث القصر يتكون من عدد الدور”تكمي” المتلاصقة فيما بينها ، وتكون إما في ملك كانون واحد أو في ملك عائلة كبيرة، فهو يظهر من بعيد بأبراجه و أسواره المزخرفة، وعندما نقترب منه نصادف المدخل الوحيد الذي يسمى “باب القصر”ثم بعده نصادف مجموعة من المصطبات الطينية، وساحة شاسعة نسبيا لتجمع المواشي التي يتم رعيها بالتناوب و من هذه تتفرع مجموعة من الدروب و الأزقة الضيقة التي تخللها مجموعة من الفرج تسمى “العوينات” مهمتها الأساسية التهوية و الإنارة.
بخصوص الوظيفة الدينية يبقى البعد الديني حاضرا في مختلف قصور الواحة، ويتمثل أساسا في بناء المساجد و المرافق التابعة لها من قاعات الوضوء و دار الإمام، وغرفة خاصة لاستقبال الغرباء و أبناء السبيل، علاوة على تواجد مجموعة من المزارات و الأضرحة.إلى جانب ذالك هناك الوظيفة الدفاعية إذ يحتوي القصر يحتوي على سور يتخلله أبراج للمراقبة و الحراسة، بالإضافة إلى خندق يحمي أسوار من الخارج، و لا يمكن الخروج من القصر إلا عبر باب واحد محروس يسمى) فم القصر( بالإضافة إلى العديد من الأبواب، وما كان لهذا ليكون لولا استشراء الشغب و النهب و الضغط الخارجي من قبل الرحل أيت سفول العطاوية، وكذالك نزاعات القصر مع بعض القصور المجاور كقصر خسوان وقصر بني حيون… إلى جانب هذا كانت من الوظائف الفعلية للقصر الجانب السياسي وتتجسد من خلال تواجد مجموعة من المؤسسات التي تصهر على تسيير الحياة العامة و شؤون القبيلة، من داخل القصر، و نخص بالذكر دار القبيلة ” تكمي نـ تقبيلت”وهي مقر أعيان القبيلة في الغالب تقام بجوار القصر. وقد استحدثت أصلا لاستقبال الغرباء و أبناء السبيل…. ؛ وكانت بمثابة نزل لرسل المخزن الذين يتجولون بقصور الوادي لجمع اللوازم الجبائية، ولتبليغ السكان بأوامر مخزنيه ذات طبيعة عمومية. وفي بعض الأحيان تضطر قبائل القصور إلى الإنفاق على الضيافات الكبرى من دار القبيلة مثل؛ الضيافات التي تقام لجماعات القبائل المتحالفة أو التي يجمعها مع قبيلة القصر لف واحد .وقد ضلت دار القبيلة تقوم بوظائفها كاملة طيلة عهد الحماية ، ولم تتوقف عن مهامها الاجتماعية في بعض قصور وادي درعة إلا في السنوات الأولى من عهد الاستقلال.
وقد أكدت مجموعة من القرائن أن القصور في درعة لها امتداد تاريخي عريق يزيد عن أللألف السنين تعتبر أرشيفا حيا يرسخ لذاكرة أهلها الثقافية التي تشهد على ازدهارها الغابر. ومنطقة درعة هذه جديرة بأن تكون معالمها التاريخية مصنفة على مستوى التوثيق والتعريف بها قصد الحفاظ على الذاكرة والمساهمة في إنعاش السياحة الثقافية.
ومن أجل إعادة الاعتبار للقصر تم خلال السنوات الماضية الأخيرة تأسيس جمعية تعني بالجانب التراثي للقصر تمثلت في جمعية شابة ” جمعية شباب بني صبيح لإحياء التراث ” حيث قامت مؤخرا بترميم مجموعة من النقط السوداء في القصر ومازال ينتظر منها الكثير والكثير جدا.
كلمات رائعة جدا عبد الواحد،نعم انه من بين المآثر التاريخية التي تزخر بها منطقة درعة…