الإحصاء العام للسكان والسكنى..الأخطاء والنقائص

1 570

يُنظم المغرب في فاتح شتنبر 2014 وحتى العشرين منه، سادس إحصاء وطني للسكان والسكنى، بعد إحصاءات 1960 و 1971 و 1982 و 1994 و 2004 ، ويأتي هذا الإحصاء انسجاما مع المعايير التي أقرتها الأمم المتحدة، بشأن إجراء الإحصاء مرة كل خمس سنوات، أو على الأقل كل عشر سنوات، وهو من أكبر العمليات الإحصائية، وأكثرها تطلبا للجهد، أولته الأمم المتحدة اهتماما خاصا، وأصدرت حوله النشرات الدورية التي أهمها “مبادئ وتوصيات لتعدادات السكان ” ، وهي خلاصة للتجارب العالمية في هذا المجال، إلا أن توصيات الأمم المتحدة، ليست سوى إرشادات تهدف لاتباع منهجيات تُفضي إلى توفير البيانات المطلوبة، وفقا لحاجة كل دولة بالدقة الممكنة. ويُصادف الإحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب، دوليا مرحلة تقييم مستوى أهداف الألفية للتنمية البشرية في أفق 2015، ووطنيا اكتمال عشر سنوات على إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. و هو حدث هام وضخم، لتغطية أكثر من 48.517 منطقة إحصاء، و 16.714 منطقة مراقبة، و1.252 منطقة إشراف على الصعيد الوطني، وتعبئة أكثر من 73 ألف باحث إحصائي ميداني ومراقب ومشرف، بميزانية تقدر بحوالي 897 مليون درهم. ويُعد المغرب من البلدان القلائل بإفريقيا التي تستخدم أكبر قدر من المعلومات والوسائل التكنولوجية في إطار عملية الإحصاء، ومن ضمنها نظام المعلومات الجغرافية، وصور القمر الصناعي المستخدمة في إطار الأشغال الخرائطية، وتقنية القراءة الآلية للوثائق.

إن دقة وتكامل الإحصاء العام للسكان والسكنى، يتوقف بقدر كبير على اكتمال الأعمال التحضيرية للإحصاء، والتي تشمل الأساس القانوني للإحصاء، والميزانية والرقابة على التكاليف، والتوقيت الزمني، والتنظيم الإداري، وعمل الخرائط، وإعداد قوائم أماكن السكن والأسر، والحصر والترقيم، وبرنامج التبويب، وإعداد استمارة الأسئلة، واختبارات الإحصاء، وخطة الإحصاء، وتجهيز البيانات، والدعاية، واختبارات العاملين وتدريبهم. ولعل انجاز هذه الأعمال بالدقة اللازمة يحتاج قدرا كبيرا من الجهد والوقت، ويستغرق فترات طويلة، قد تصل في بعض الأقطار إلى سنوات. ونظرا للأهمية البالغة لهذه العملية، قامت المندوبية السامية للتخطيط، منذ شهر يونيو 2012 بإنجاز الأشغال الخرائطية، وتقسيم التراب الوطني إلى مناطق إحصاء، بحدود واضحة مجسدة على خرائط رقمية، تضم كل واحدة منها 160 أسرة في المتوسط، وهي تكنولوجية اعتمدتها المندوبية السامية للتخطيط لأول مرة في إحصاء 2004 ، كما تم تزويد الفرق الخرائطية بصور الأقمار الصناعية عالية الدقة، لتحسين جودة هذه الخرائط، اقتنتها المندوبية السامية للتخطيط من المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي.

والإحصاء العام للسكان والسكنى هو بحث وطني يتضمن 103 سؤال محدد، مثل كل الأسئلة التي تطرح دوليا، و يشمل الخصائص الديمغرافية والبنيات الديمغرافية للسكان ( الخصوبة والوفيات لدى الأطفال)، الهجرة الداخلية والخارجية، والتربية واللغات الوطنية، وكذا التشغيل والنشاط الاقتصادي، ومكان العمل أو الدراسة، ووسيلة النقل المستعملة، والإعاقات الجسدية والذهنية ودرجة حدتها، وخصائص المسكن وظروف السكن..وتكمن أهمية الإحصاء العام للسكان والسكنى، في كونه صورة فوتوغرافية متكاملة عن المجتمع خلال لحظة زمنية محددة، يتم خلالها جمع ونشر البيانات الديمغرافية المتعلقة بالسكان وتوزيعهم على المناطق الجغرافية في زمن معين. وهذا يعني أن يُحْصَى كل فرد من الأفراد الموجودين على قيد الحياة داخل البلاد في لحظة زمنية وتاريخ معين، وأن تُسجل خصائصه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في تاريخ إسنادها الزمني المحدد لكل منها، مُنفصلة عن خصائص غيره من أفراد أسرته، مما يُوفر قاعدة من البيانات المُلائمة لإجراء المقارنات والإسقاطات الديمغرافية، و دراسة خصائص المجتمع الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية.

ويلاحظ اليوم، أن جميع دول العالم المتقدمة والسائرة في طريق التطور تولي السياسات السكانية الأولوية الكبرى، وتكرس العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية لدراسة القضايا السكانية المختلفة. و أصبح من الثابت في العصر الحاضر، أنه لا يمكن لدولة ما أن تنجح في إعداد أو تنفيذ خططها المختلفة دون وجود بيانات سكانية دقيقة وخالية من الأخطاء. لكن هذه الرغبة، لا يمكن أن تتحقق في الواقع، لأن الإحصاءات السكانية، شأنها شأن جميع الإحصاءات الأخرى، لا بد أن تنطوي على نسبة معينة من الخطأ. لقد وُجد أن جميع إحصاءات سكان دول العالم، لا تصل درجة الشُّمول بها إلى 100% ، وينخفض مُعدل الشمول بصفة خاصة في تعدادات الدول النامية، حيث يتراوح معدل الشمول بين 90 – 95% ، بينما يرتفع في الدول المتقدمة إلى 99% . وتوجد نوعان من أخطاء الشّمول، وهما الزيادة أو النقص في العَدّ السكاني، ولكن الصفة الغالبة على التّعدادات، هي انخفاض درجة التغطية الناجمة عن عدم ذكر الوقائع الحيوية غير المسجلة، وعدم إحصاء المقيمين في الأماكن المعزولة، وتهرب فئات معينة من العَدّ السكاني الناجم عن الخوف أو انخفاض الوعي، كما قد يُساهم العَدَّادون أنفسهم في هذه الظاهرة، بينما الزيادة في العَدّ تعود إلى تكرار الإحصاء.

إن جميع البيانات السكانية لا تخلو من بعض العيوب والنقائص، سواء بالدول المتقدمة أو الدول النامية. ولعل الإحصاءات السكانية، سواء كان مصدرها التعداد العام للسكان أو التسجيل الحيوي، مُعرضة لأخطاء يتوقف حجمها على الأسلوب المستخدم في عملية جمع البيانات أو في عملية التسجيل، حيث تتطلب بعض المجالات توافر بيانات سكانية على مستوى عال من الدقة، لا يتطلب الأمر توافره في مجالات أخرى. و إجمالا يمكن رصد أهم الأخطاء التي ترافق أي إحصاء عام للسكان والسكنى في الآتي:

1_ أخطاء الشمول: ترجع إلى قُصور العَدّ بالنسبة لمجموعة من الأسر أو الأفراد داخل هذه الأسر، أو عدم تسجيل بعض الوقائع الحيوية، ففي التّعْداد نلاحظ إغفال حصر كثير من الأطفال دون سن الخامسة، وتسجيل أخطاء في التبليغ عن المواليد، فبعض الأسر لا تُقيد أطفالها عند الولادة،  ويَسْتَتْبع ذلك عدم ذكرها في بيانات الإحصاء، أو ذكرها خطأ خوفا من العقوبات، علاوة على أخطاء في تسجيل الوفيات بالنسبة للسكان في فئات العمر المختلفة، أو تكرار العَدّ، أي الحصر أو التسجيل أكثر من مرة للأفراد أو الوقائع الحيوية. وفي العادة تتعرض التّعْدادات لقُصور العَدّ أو التكرار  فيه بدرجات متفاوتة، وتُشاهَدُ هذه الحالة عند إحصاء الفئات الخاصة، مثل البدو الرُّحل، ونُزلاء المؤسسات العامة، والمُشردين، والمُقيمين في أماكن مُتطرفة، إذ تتعرض هذه البيانات لسُقوط العَدّ أو تكراره بدرجة أكثر من غيرها، ناهيك عن عيوب في المراحل الإدارية، حيث تتعرض بعض السجلات للفقد أو سوء الاستخدام أثناء تداولها في مراحل تجهيز البيانات، أو عند نقلها من وحدات محلية إلى وحدات أكبر.

2_ أخطاء في التبليغ عن العمر: وهي من أكثر البيانات عُرضة للأخطاء، بالنظر لارتباطها بثقافة السكان ومدى انتشار التعليم.  ويُعتبر العُمر من أهم البيانات السكانية التي لا يُسْتَغنى عنها في مختلف الدراسات، حيث وُجد أن السكان يميلون إلى الإدلاء عن الأعمار بالأرقام المُنْتَهية بالصفر، مثل: 20 30 40 ، والأرقام الزوجية 24 26 28 ، وكبار السّن يميلون إلى تكبير أعمارهم، والإناث يَملن إلى تصغير أعمارهن، خاصة قبل سن اليأس. ومن أسباب ذلك، الجهل بالسن، وفيه يلجأ الشخص إلى تقدير عمره، دون الاستعانة بوقائع وأحداث مُعينة. وفي العادة يأخذ شكل هذا الخطأ أحد حالتين: أولا، عدم معرفة الناس بأعمارهم، فيذكرون أعمارا تبعد عن الواقع، أو يتركونها لتقدير العَدّاد، وهو لا يستطيع تَخْمين السن بدقة، ثانيا ، عدم تََذَكُّر البعض لتواريخ ميلادهم، وبالتالي أعمارهم، وهذه الحالة وإن كانت أخف من الأولى، إلا أنها تؤدي إلى نفس الخطأ، ينضاف إلى ذلك تعمد ذكر عُمْر غير صحيح، والإهمال في الإدلاء عن العمر بدقة، ناهيك عن عدم فهم السؤال أثناء جمع البيان.

3_ أخطاء المُحْتَوى: يمكن تقسيمها إلى: أولا، أخطاء الإجابة، ويرجع هذا النوع من الأخطاء إلى عدم إعطاء الإجابة المُناسبة على الأسئلة الواردة في استمارة الإحصاء. ويعتبر الإبْلاغ الخاطئ عن العُمر من الأمثلة التقليدية على هذا النوع من الخطأ. وعموما إذا كان سبب الخطأ في العمر يرجع أساسا إلى جهل الناس بأعمارهم، فقد تُعطي نتائج الإحصاء صورة تقريبية من التوزيع العمري الحقيقي للمجتمع. وطالما أن هذا النوع من الأخطاء بعيد عن التَحَيُّز أو التَعَمُّد، فهو أقل ضَررا بالنسبة لنتائج التعداد. وثانيا، أخطاء العَدَّادين، وترجع إلى فشل العَدّاد وعدم تَمَكُّنه من توجيه الأسئلة بدقة، أو إلى تهاون القائم بالتسجيل في عملية قيد الوقائع الحيوية. و ثالثا، أخطاء تجهيز البيانات، وتنشأ أثناء التجهيز الفني للبيانات، وخاصة خلال عملية وضع الدليل وتبويب البيانات وإعدادها للنشر.

إن الإحصاء العام للسكان والسكنى قضية بالغة الأهمية، إذ تعتمد عليه راحة المواطن نفسه، لكن المؤسف، أن الكثيرين يَسْتَهترون بهذه القضية الوطنية، من خلال عدم التجاوب وإعطاء معلومات مُضَللة، حتى أن بعضهم،في إحصاء سابق، كان يزيد في عدد أبنائه، اعتقادا منه أن الإحصاء ما هو إلا جمعية خيرية !! ، فيما توجد مناطق نائية يرفض ساكنتها الإفصاح عن أي بيانات تخص الإناث، ناهيك عن أن بعض الباحثين أنفسهم يأتون بإحصائيات من الجيران أو من بنات أفكارهم، لتوفير الجهد والتخلص بسرعة من مهامهم، الأمر الذي  يؤدي إلى الخروج بنتائج ومؤشرات غير صحيحة، علما أن المندوبية السامية للتخطيط حذرت أن ” كل من رفض الامتثال لإجراءات الإحصاء أو أدلى عمدا بتصريحات غير صحيحة، يعاقب طبقا لمقتضيات الفصل 609 وخاصة الفقرة 11 من القانون الجنائي”. من هنا باتت التوعية ضرورية، لأن المعلومات الحقيقية يملكها المواطن، وهي التيستساعد بلادنا على توفير قاعدة معطيات مُحَيَّنة حول بنياتها الديمغرافية وظروف معيشة ووضعية سكناهم. ومن شأن هذه القاعدة، أن تشكل المصدر الرئيسي لمعرفة مستوى التنمية البشرية في المملكة المغربية، وقياسه بالمؤشرات الدالة على مدى استفادة المواطنين منها. كما من شأنها أن تشكل مرجعا ملائما لكل تقييم موضوعي للسياسات العمومية والتخطيط لبرامج تنموية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كفيلة بالاستجابة الحقيقية للمواطنين. ومباشرة بعد العملية الميدانية للإحصاء، تقوم المندوبية السامية للتخطيط، في مركزها للقراءة الآلية للوثائق باستغلال المعطيات المُجَمََّعة في أكثر من 8 ملايين استمارة، فيما تسهر على إعلان عدد السكان القانونيين للمملكة قبل نهاية 2014 ، ونشر مجمل المعطيات الديمغرافية خلال سنة 2015. و لأجل هذا كله، لا بد من التعاون مع الباحثين الإحصائيين، وإعطائهم المعلومات بصدق، وتعبئة البيانات بكل دقة و حرص.

ذ عبد الله النملي باحث وكاتب صحفي
ذ عبد الله النملي
باحث وكاتب صحفي
تعليق 1
  1. باحث ميداني يقول

    ما أفصحت عنه جميل لكن عملية الإحصاء في غالبيتها تعمها الفوضى والإرتجالية والإجتهادات والمزايدات التي تعيق العملية في مجملها بدءا بطرق انتقاء المشركين في العملية والخروقات التي ارتكبتها اللجان الإقليمية في انتقاء المشركين وتحديد المهام المنوطة بهم بالاضافة لاعلان المرسوم المنظم للعملية وتعويضات المقلوبة الهرم وصولا الى ملأ الاستمارة وترميزها ومواكبة الوزارة الوصية الداخلية في جمع معطيات عدد الأسر المحصية والذكور والإناث وعدد الأفراد حتى أن عملية القراءة الالية للإستمارات بواسطة القارئ الالي تطرح علامة استفهام حول الموارد البشرية التي ستقوم بها والمدة لقراءتها وكيفية تصحيح الأخطاء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.