عاش الفشل فالكل يمجده
يُريدونك أن تبقى فاشلا ولا يتحملون رُؤيتك على درب النّجاح. الكل هنا يُمجّد الفشل ومن بَحَث عن غير ذلك إلا وحَاوَلُوا الإطاحة به. ليس لأنك سَتضُرّهم وإنما لا يُريدُونَك أن تتفوق عليهم وتتجه نحو الأفضل.
يرونك بدأت تتغير وتُصبح إنسانا غير نُسختهم فيُصابون بأزمة ويُوَجّهون لك كل سهامهم وأسلحتهم ويَختلقون لك كل أنواع الاتهامات. تُهْمَتُك أنك حاولت أن تتغير وألا تنتمي إلى نسخة تُطابقهم. إنها عقلية الانسان الذي يُحيط بنا ونَعيش وسطه. يجب أن نكون نسخا متشابهة من صنع واحد، من ماركة مُوحّدة. ومن يُحاول التغيير فهو الخائن والخارج عن الأصل والفصل.
مَن أنْتَ لكي تترك دائرة الفشل وتتجه نحو النجاح وتتركنا هنا في هذا الظلام. أن نكون معا في نفس الخانة أو لا تكون. بنجاحك قد تُصبح مُتكبرا وشخصا غريبا. إن الغرب يُشجع الفاشل حتى يصبح ناجحا أما نحن فنعترض طريق الناجح حتى يلتحق بركب الفاشلين، كما قيل من قبل. عاش الفشل في بلدنا. عاش الفشل إلى الأبد!
نحن نُمجّد الفشل حتى النخاع. كل حواراتنا وتعابيرنا تفيض بمصطلحات اليأس والتشاؤمية المطلقة. حتى أننا نُؤمن بعبثية الوجود وأنه لا معنى لهذه الحياة، فنبرز كَرُوّاد للفلسفة الوجودية الساخطة على السماء. لكن، وفي تناقض صارخ، تجدنا نقصد المسجد الذي من المفترض أنه أعطى معنى للحياة وقضى عن الفوضى وأحل محلها التنظيم والتفاؤل.
يبدو أنه لدينا خيارين فقط، إما أن نصبح مثل أهل الكهف أو نلتحق بأهل الكهف. إما أن ننعزل عن المجتمع الذي لا يرى شيئا إيجابيا في الحياة، فنتخذ من كهف في أعالي الجبال مُستقرًّا لنا أو ملجأ يقينا من شرّ الجهل، ولعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا. أو نلتحق بأصحاب الكهف الذين يعيشون على حقيقة الظلال المُتحركة، نستمتع بالجهل المُدقع ولا ننتظر أشعة الشمس لكي تصلنا، ونستهزئ بكل من يريد أن ينيرنا ويَدّعِي أنه يَحْمِل إلينا الحقيقة. فنوجه تركيزنا نحو العمق فتعمنا صورة السواد ولا نرى بعد ذلك فرقا.
مصيرنا الموت إن لم نتغير، سنموت في العادة والروتين واللامعنى. سنموت ونحن نرى شعوبا تتغير وتتقدم في جميع المجالات، سنموت ونحن ننتظر “جودو”. سنموت موتة مأساوية بالتأكيد إن لم نُجدد أفكارنا، إن لم نُحيي علاقاتنا بالشكل المُناسب، إن لم نتنازل عن الأنانية التي نغرق فيها، إن لم نتخلى عن نشر اليأس في كل بقعة نَحِلّ بها، إن لم ننظر إلى صفاء السماء ونترك أوساخ الأرض غير مُسَيطِرة علينا. كل خلايا جسمنا تتجدد باستمرار فتبقى الأفكار وحدها جامدة فينا.”إن الثعبان الذي لا يغير جلده يموت” يقول نيتشه، و كذلك تفكير الإنسان قد يلقى نفس المصير إن لم يتجدد.
إن عملية التغيير تستوجب منا تحديا كبيرا اتجاه كل من يدعو إلى الجمود، لابد أن نتحدى هذا الواقع الذي يرفض أن يتحسن. مجتمع يُقدس الفشل ويرفض كل من يسلك طريق التفاؤل والنجاح، إذ يَعتبر كل شخص يخطو خطوة نحو الأمام خطرا عليه لأنه مصدر تهديد لاستقراره. نعم سنحاول أن نتقدم ليس بمعنى أن نفرض أنفسنا على الاخرين وإنما بغية التعبير عما نراه مناسبا لواقعنا الحالي، كل واحد منا سيناضل من منطلقه وموضعه. ويُقاتل من أجل التخلص من هذا اليأس ولكي نعلن في الأخير وفاة الإحباط والفشل.
مقال فيه معاني رائعة . لقد تعبنا من اصحاب النظارات السوداء اصحاب التشاؤم المطلق .حفظنا الله منهم
تحية للاخ الاستاذ ادريس ، الكاتب العميق الدي يغوص في المعاني ليقطف لبابها ، وفلسفة الفشل التي يحذرنا منها هذا المقال واحدة من الملاحظات الدقيقة التي اصطادتها عين أخينا فصاغتها في مقال فلسفي نأملي يحذر من التمادي في التشاؤم ويبطن دعوة الى التفاؤل والبحث عن الطرق الفريدة الموصلة الى النجاح . إن تمجيد الفشل لا يعكس الا انتكاسة المواطن المغربي وإحساسه بالغبن والقهر في زمن اختلطت فيه القيم والمثل العليا . لقد صور لنا الاعلام الفاشلين أبطالا والعييين فصحاء وحثالة القوم نبلاء والاقزام عمالقة و …فماذا عسانا نجني بعد كل هذا النفاق الا فلسفة تمجيد الفشل والفاشلين . تحية