السياحة الايكوثقافية كقطاع جديد لتنمية عالمنا القروي
لقد أصبحت السياحة قطبا مهما لخلقها لفرص التنمية بالمناطق السياحية، وتقدم حلولا بديلة لا غنى عنها في ظل كساد أو تراجع اقتصادي للعديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية خصوصا في السنوات الاخيرة، وساهم ذلك في تدني نسبة النمو الاقتصادي، لهذا تأتي التنمية السياحية لتحقيق التطور المنشود وكقاطرة للتنمية المحلية والجهوية والنهوض بالمناطق السياحية، وكوسيلة لمحاربة الفقر والتهميش والإقصاء، وبالتالي أصبحت إحدى الأسس المعتمدة لتحقيق التنمية، وتأخذ حيزا واسعا على حساب المجالات الاقتصادية المذكورة.
فحينما حصل المغرب على استقلاله وعت السلطات العمومية بمدى أهمية القطاع السياحي في تنمية اقتصادها والرفع من مستوى عيش السكان، وقد أولى المغرب للسياحة أهمية خاصة، وصار على هذا المجال من الاولويات بالنسبة للدولة منذ 1965، وأصبحت له إدارة مركزية في رتبة وزارة تعنى بشؤونه، وأخذت البلاد في وضع استراتيجيات ومخططات قطاعية تحظى فيها السياسة بمكانة مهمة، فالرهان على القطاع السياحي وتحويله الى قاطرة للتنمية جاء نتيجة :
- تردي الاوضاع وتراجع الاوضاع الاقتصادية.
- الحاجة الى العملة الصعبة.
- احتضان البلاد لمؤهلات سياحية طبيعية وثقافية مهمة.
إن خيار السياحة كأولوية وطنية غير التصور الذي كان لدى السلطات المغربية حول دور هذا القطاع، فبعدما كانت تقتصر على تحقيق ميزان الأداءات أصبحت أداة لتحقيق التنمية، وهذا ما أكدته البرامج التنموية حول قطاع السياحة منذ تبني المخططات القطاعية سنة 1965، حيث أصبح أهم المحاور الرئيسية للتوجهات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، إلا أن أهم مخطط عرفته السياسة السياحية بالمغرب هو مخطط 2010 ، وتهدف هذه الاستراتيجية استقبال 10 مليون سائح بحلول عام 2010 ، والرفع من الطاقة الإيوائية الفندقية بإنشاء 160000 سرير و 600000 فرصة عمل جديدة،كما عملت على أخذ تدابير ترتكز على ستة أوراش أساسية تعتبر بمثابة دعامات عملية ستمكن من تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية ، وهي : المنتوج، التكوين، النقل الجوي، التسويق والتواصل، المحيط السياحي والتنظيم المؤسساتي، كما تبنى المغرب رؤية 2020 التي تقوم على الاستمرار في جعل السياحة أحد المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب. ويتمثل طموحها في أن تكون البلاد من بين أكبر عشرين وجهة عالمية بحلول عام 2020 و فرض نفسها كمرجع في مجال التنمية المستدامة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
هدف رؤية 2020 هو مضاعفة حجم القطاع وطاقته الاستيعابية، مع إنشاء 200.000 سرير جديد. ومن المتوقع أن تساعد هذه الطاقة الاستيعابية الجديدة في مضاعفة عدد السياح الوافدين (من أوروبا والبلدان الناشئة). وسيتم خلق 470.000 وظيفة مباشرة جديدة في جميع أنحاء البلاد (1 مليون بحلول عام 2020) ومن المتوقع أن تصل عائدات السياحة إلى 140 مليار درهم في عام 2020، وتعتزم رؤية 2020 أيضا دمقرطة السياحة في البلاد ومضاعفة رحلات السكان المحليين ثلاث مرات.[1] وأهم ما جاءت به هذه الاستراتيجية هو تكاملها مع مشروع الجهوية المتقدمة من خلال تثمين جميع جهات البلاد بتنويع المنتوج السياحي، وفي هذا الاطار يمكننا الحديث عن السياحة الايكولوجية والثقافية التي لم تأخذ بعد نصيبها الاوفى في البرامج التنموية، هذا دون إغفال استحضارها لمبدأ الاستدامة، اذ ستعمل الاستراتيجية على خلق مناطق ايكولوجية ستمثل المغرب كواجهة حقيقية في مجال السياحة المستدامة.
إن السياحة قوة دافعة للاقتصاد الوطني ومصدر للعملة الاجنبية في المغرب، لكن نشاط هذا القطاع المهم يتأرجح بين الانتعاش والتراجع، لان ما يقدم للسياح أضحى تقليديا يكاد يقتصر على الشمس والبحر . وهذا يستوجب على الجهات المعنية فتح نوافذ جديدة لتأهيل القطاع وإغنائه عبر تنويع موارده الطبيعية والتراثية والثقافية، وتسويق منتوج جديد يستقطب زبناء جدد ينعشون موارد الاقتصاد الوطني. وبذلك برزت السياحة الايكوثقافية كقطاع بديل له مردود اقتصادي واجتماعي يمكن بواسطته تنمية العالم القروي، فضلا عن دوره الثقافي الغني بالأصالة والخصوصية المتفردتين، وبالتالي يستوجب من الجهة المعنية بالقطاع تحسيس الفاعلين ووكلاء الأسفار والمؤسسات المعنية كي تنحو نحو التعريف بكنوز السياحة الايكوثقافية بربوع البلاد شمالا وجنوبا، بجبالها وسهولها، واحاتها وصحرائها.
ويشير مصطلح السياحة الايكوثقافية عند بعض المختصين الى شكل حديث من اشكال السياحة و السياحة المستدامة على وجه الخصوص، و تقوم على الجمع بين السياحة الايكولوجية و السياحة الثقافية في آن واحد، و تأتي من خلال ايجاد و تسويق منتجات سياحية جديدة و مبتكرة نتيجة لاستثمار الموارد الطبيعية – الثقافية المتوافرة في منطقة ما و توظيفها في الانشطة السياحية، و على ضوء قواعد الاستدامة المعروفة الداعية الى الاستخدام الرشيد لهذه الموارد و تنميتها و المحافظة عليها و ايصالها الى الاجيال اللاحقة اكثر غنى و تنوعا، و ذلك بتجنب كل اشكال الهدر و التبذير، خصوصا بالنسبة للنادرة او الهشة منها، و العمل على اشراك المجتمع المحلي او المجتمعات المحلية التي تقطن في هذه المنطقة في المعادلة السياحية، و بما يفضي الى انتفاعها اقتصاديا و اجتماعيا و على نحو مستدام، و دون المساس بخصوصياتها وعاداتها و تقاليدها، و العمل الجاد و الدؤوب في سبيل التقليل او الحد من المثالب و العيوب التي قد تقترن باشكال السياحة التقليدية المعروفة.
ويتمتع المغرب بإمكانات سياحية كبيرة تستحق الاستغلال الرشيد لإبراز خصوصياته، ويمكن أن تشكل السياحة الايكوثقافية بديلا للسياحة التقليدية التي كادت تستنفذ أغراضها، فالغنى الثقافي والأصالة المغربية والتراث والفن المحلي، ثم الطبيعة الخلابة والمحميات، تحتاج الى تسويق جيد وبرنامج استراتيجي يبث الروح المفتقدة قي ثنايا جدران الفنادق والمطاعم والمنشآت السياحية ، وفق منظومة سياحة وطنية تستشرف الآفاق البعيدة لقطاع واعد، وقد حظيت السياحة الايكوثقافية باهتمام بالغ من طرف وزارة السياحة إبان العشرية السابقة المتمثلة في استراتيجية 2010، وكذلك في رؤية 2020، والتي دعمت السياحة المسؤولة والمستدامة . وقد تم إحداث الية لتتبع الاستدامة في قطاع السياحة طوال مرحلة تنفيذ رؤية 2020 [2]، من خلال التوقيع على اتفاقية شراكة بين وزارات السياحة والمعادن والمياه والبيئة . وذلك لمراقبة مدى احترام أصول السياحة المسؤولة وتأثير التنمية السياحية وكثافة السياح على البيئة والوضع الاجتماعي والاقتصادي ، وسيتم تفعيل هذه الآلية عبر مراصد للبيئة والتنمية المستدامة أحدثتها وزارة البيئة في مناطق مغربية مختلفة.
واعتمدت وزارة السياحة المغربية استراتيجية لتطوير السياحة المستدامة في المناطق القروية، خصوصا الايكوثقافية من خلال تطبيق مفهوم ” الفضاءات السياحية “[3] التي يتعاون فيها الجميع من أجل إنعاش الاقتصاد الوطني وتنمية المجتمع المحلي الذي يعد شرطا من شروط تطبيق السياحة الايكوثقافية. وتفعيل هذه الفضاءات ( PAT) [4] تتطلب سبر أغوار هذا المنتوج الغني بثرواته وإمكانياته البيئية والثقافية المتنوعتين. كما أن لكل منطقة خصوصيات ومميزات دقيقة حسب مخطط يتطلع إلى لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البيئية وتلمس عمق وأصالة البعد الاجتماعي والثقافي للساكنة المضيفة من قبل السياح الاجانب.
[1] المناظرة العاشرة حول السياحة ، مراكش ، 30 نونبر 2010
[2] المناظرة العاشرة حول السياحة ، مراكش ، 30 نونبر 2010
[3] فضاء الاستفبال السياحي : استراتيجية وطنية لتطوير السياحة القروية أعطيت انطلاقتها في سنة 2003 في اطار رؤية 2010 حول السياحة.
[4] Pays d’Accueil Touristiques(PAT)
مشكور على مشاركتك للمعلومات القيمة حول موضوع يتطلب الاهتمام والعناية اللازمة في مختلف المخططات والبرامج التنموية.